رياح وأوتاد: المدونون والأعضاء بين الشعبوية والطرح العلمي السليم

نشر في 01-07-2019
آخر تحديث 01-07-2019 | 00:10
بينت في عشرات المقالات والتصريحات أن مئات الآلاف سوف يتخرجون خلال السنوات القادمة وسوف تنفجر مشكلة البطالة قريبا، وطرحنا الوسائل المناسبة للعلاج، ولكني شعرت أنه لا حياة لمن تنادي.
 أحمد يعقوب باقر • حملت الصحف الأسبوع الماضي عناوين، حمدت الله عليها، وأعادت لي الثقة بعد أن كادت تتلاشى من كثرة المخالفين، وما صاحب ذلك من أكاذيب وترهات وطرح سيئ في وسائل التواصل الاجتماعي.

• فإحدى الصحف خاطبت سمو الأمير بالتدخل لوضع حد لنشر الأكاذيب والسب والقذف وضرب الوحدة الوطنية وغيرها مما يكتب في وسائل الاتصال بأسماء وهمية أو صحيحة، ولقي هذا الطرح تجاوباً اجتماعيا كبيراً، وهذا هو عين ما طالبت به منذ سنوات، حيث حذرت من الدور الخطير الذي تؤديه هذه الوسائل في تغيير القناعات وتوجيه الرأي العام بالأكاذيب ونشر المعلومات المغلوطة، وكتبت عدة مرات أن الحريات لها حدود مع بيان الأمثلة الواقعية من البلاد الحرة في العالم.

• وأيضاً حذرت منذ سنوات- ومنذ كنت عضواً في المجلس- من تلك الكوادر الوظيفية التي فرقت بين المواطنين حتى بين أصحاب التخصص الواحد، وطالبت حتى أثناء الانتخابات الأخيرة بإقرار (قانون البديل الاستراتيجي) للرواتب، وإن اقتضى ذلك تعديل بعض بنوده، في حين كان بعض الأعضاء يصرخ منادياً بإقرار الكوادر لبعض الموظفين دون سواهم، بل يدعوهم للإضراب لكي يتكسب انتخابيا.

ولكن أقرت الكوادر وتفاقمت المشكلة وارتفع صوت المظلومين، وها هي صحف الأسبوع الماضي تطالعنا بمطالبات نيابية وشعبية كثيرة وبقرار لجنة التوظيف في مجلس الأمة بضرورة توحيد الرواتب. وهكذا تبين أني كنت على صواب.

• وفي الأسبوع نفسه، أيضاً حملت الصحف تصريحات لبعض الأعضاء يعترفون فيها بعدم الإنجاز الحقيقي لمصلحة البلد، والتأخر في مختلف المؤشرات حتى انكشف الوضع عن التصويت على قانون الجامعات الحكومية الذي أسقط قانون الجامعة الذي نص على عدم الاختلاط، وهو القانون الذي جاهد الأعضاء في السابق لإقراره.

• كما حملت صحف الأسبوع الماضي أيضاً شكاوى المواطنين والنواب من تأخر توظيف الخريجين، وعدم قدرة الحكومة على استيعاب المزيد من التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، وبينت إحداها بالرسوم والصور حجم الموظفين ورواتب القطاع العام، وهذا الموضوع أيضاً جاهد في بيانه الأخ جاسم السعدون ومجموعة 26 وغيرهم من الاقتصاديين والمختصين، وبينت شخصياً في عشرات المقالات والتصريحات أن مئات الآلاف سوف يتخرجون خلال السنوات القادمة وسوف تنفجر المشكلة قريبا، وطرحنا الوسائل المناسبة للعلاج، ولكني شعرت أنه لا حياة لمن تنادي، فالترهات والسفاسف في وسائل الاتصال والقوانين الشعبوية هي المسيطرة على أذهان معظم النواب ومراهقي التواصل، فهم لا يقرؤون التقارير المتخصصة ولا الأبحاث العلمية الجادة. وها هي الآن التصريحات والأرقام تثبت صحة موقفنا ونصائحنا، وكما قال الشاعر:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

• وأرى والله أعلم أن لتخلف المجلس عن الإنجاز السليم أسباباً عديدة أهمها في نظري هو ابتعاد النواب عن الطرح المؤسسي العلمي المتخصص في المواضيع المطروحة على المجلس، ووقوعهم تحت تأثير المطالبات الشعبوية المدمرة، ووسائل الاتصال وما تحمله من إشاعات وأكاذيب وأرقام غير حقيقية، وتهديد وتشويه للرأي الآخر.

• وعلى سبيل المثال طالبت في مقالتي الأسبوع الماضي بتغيير (معاملات الاستبدال) التي تتم الآن بفائدة ربوية في التأمينات إلى المرابحة الشرعية، وذلك بعد أن تغيرت فتوى الأوقاف (من الجواز على أيامنا إلى الحرام الآن)، وبينت أن من واجب التأمينات استثمار أموال المتقاعدين، وأكدت في مقالتي على حرمة الربا، ومطالبتي بتغيير الاستبدال إلى المرابحة الشرعية أسوة بتحول البنوك الربوية إلى المعاملات الإسلامية، إلا أن الأخ بدر الداهوم كتب: (أحمد باقر بهذا المقال يقف في وجه إلغاء الربا). فحرف كلامي رغم أنه مكتوب بلغة عربية واضحة، فأتى بما ليس فيه، وأساء أيضاً بالغمز واللمز، فهل هذا يجوز شرعاً؟ وهل فعله هذا يليق بنائب إسلامي سابق؟ رغم أني كتبت أن هذه فرصة لأسلمة إحدى فقرات قانون التأمينات.

• وبينما ينادي بعض النواب وبعض كتاب التواصل بحرمة الربا في التأمينات بناء على فتوى الإوقاف فإنهم يطالبون بدفع الربا من المال العام نيابة عن المدينين في موضوع القروض، متجاهلين بذلك كل الفتاوى بتحريم إسقاط القروض بدفعها من المال العام التي صدرت من المختصين، مثل د. عجيل النشمي، ود. محمد الطبطبائي، وغيرهما!! وهذا مثال صارخ في البعد عن الرأي العلمي والشرعي والدستوري وعدم الاستعانة بالمتخصصين.

• وأنا على قناعة أن إقرار الاقتراحات الشعبوية المعروضة الآن من غير الدراسة الفنية والشرعية السليمة لا يمكن أن يأتي بخير، وسيكون لها عواقب وخيمة في المستقبل كما حدث في الأمثلة السابقة التي لم يؤخذ برأينا بها.

• ومن أسباب التخبط أيضاً تقاعس الحكومة وتأخرها حتى الآن في القيام بحملة تصحيح لكل ما يكتب من أكاذيب في وسائل التواصل، وعدم تطبيق ما وعدت به مراراً من منع الحسابات الوهمية وتقديم أصحابها إلى القضاء، وعدم قيامها بالدفاع بالإقناع عن مشروعاتها وبرامجها وأرقامها، وأن تكون قدوة صالحة في مكافحة الفساد ووقف الهدر والتبذير.

• ومن الأسباب أيضاً تقاعس الجماعات السياسية عن الصدع بالحق إذا خالف الرغبات الشعبوية المدمرة، وغض النظر عن المستقبل، وما يكتنفه من مخاطر بسبب حرصهم على النجاح في الانتخابات، وخوفهم من تشوية بعبع التواصل الاجتماعي، في حين يحتم عليهم واجب الحرص على الوطن القيام بالموقف الشرعي السليم، والصدع بالحق، والإصرار على تحصيل المصالح للبلد ودرء المفاسد التي تهدد مستقبله.

• ومن الأسباب أيضاً خلافات الإسلاميين في المجلس مع غيرهم واختلافهم مع أنفسهم أحياناً واستسلام بعضهم للشعبوية المدمرة أيضاً، مع أن واجبهم يلزمهم بالرجوع إلى الدراسات العلمية المتخصصة في كل مجال.

• أما أنا وقد أظهر الله تعالى صحة ما طالبت وناديت به في الأمثلة السابقة، فلا أملك إلا الاستمرار في هذا المنهج مهما فعل المشوهون والمكذبون، فغداً عند الله نلتقي ونتحاسب؟

أنا على قناعة أن إقرار الاقتراحات الشعبوية المعروضة الآن من غير الدراسة الفنية والشرعية السليمة لا يمكن أن يأتي بخير
back to top