رد الفعل الاستبدادي... هل نراه في كندا؟

نشر في 26-06-2019
آخر تحديث 26-06-2019 | 00:00
 غلوب أند ميل اتضحت معالم موجة من الشعبوية الاستبدادية في أوروبا، وبريطانيا، والولايات المتحدة خلال العقود القليلة الماضية، لكن كنديين كثيرين يتساءلون اليوم عن الشكل الذي ستتخذه هذه القوى في الانتخابات الفدرالية المقبلة في هذا البلد.

لاحظ علماء الاجتماع أن بعض الناس، حين يشعرون بعدم الأمان بسبب التعقيدات المبالغ فيها والاستقرار المتزعزع، يتفاعلون مع هذه الأوضاع بالإصرار على النظام والامتثال للقوانين. يدعو الباحثون هذا "رد الفعل الاستبدادي"، وهو رد فعل يتسم برفض متزايد أو عدائية متفاقمة تجاه "الآخر"، سواء كان من "المنحرفين" في الداخل أو الأجانب في الخارج، وتُعرب المجتمعات المختلفة عن رد الفعل الاستبدادي هذا بدرجات متفاوتة.

لا تُعتبر كندا محصنة ضد القوى التي تعتمل في المجتمعات الأخرى، لكن تاريخنا، ومؤسساتنا، وسياساتنا العامة مميزة، لذلك من الخطأ الافتراض أن أي رد فعل استبدادي هنا سيأتي مماثلاً لما تختبره الولايات المتحدة أو بلد آخر، فمسحنا، الذي أجريناه أخيراً في الولايات المتحدة وكندا، يُظهر أوجه اختلاف مذهلة بين هذين البلدين، ولا ترتبط هذه الاختلافات بمدى تفشي المشاعر الاستبدادية بقدر ارتباطها بانتشار أفكار وقيم مضادة مناهضة للاستبداد.

على سبيل المثال، في كندا والولايات المتحدة، يعبّر نحو ثلث الشعب عن مشاعر امتثال مثل هذا الاعتقاد أن الانصياع والانضباط يشكلان عنصرين مهمين للعيش حياة هانئة، لكن عدداً أكبر من الكنديين يختبرون مشاعر مرنة منفتحة قد تمثل وسيلة تضبط التعبير السياسي عن الميول الاستبدادية.

اعتاد الناس في الدول الديمقراطية الانقسام سياسياً وفق هويتهم الدينية أو الإثنية (في كندا الكاثوليك/البروتستانت والفرنسيون/الإنكليز) ومن ثم طبقتهم الاقتصادية (المصالح المُدنية/الصناعية ضد المصالح الريفية/الزراعية). وتمثل الأحزاب الشاملة الليبرالية، والمحافظة، والاشتراكية هذه المجموعات في المجالس التشريعية.

تغذي ميول استبدادية عدداً من محفزات الانتماء السياسي الجديدة هذه. على سبيل المثال، صحيح أن لبعض مَن يعارضون حقوق المثليين الجنسيين تحفظات عقائدية محددة ومدروسة بعناية، إلا ان آخرين يتوقون بكل بساطة إلى العودة إلى نظام اجتماعي "طبيعي" أو "أكثر بساطة"، ولكن أين يتركز الناخبون الذين يسعون وراء النظام ويملكون مشاعر مماثلة في كندا؟ تشير بياناتنا إلى أنهم يهاجرون إلى الحزب المحافظ. صحيح أن سبعة من كل عشرة مؤيدين للحزب الديمقراطي الجديد أو الليبرالي يعتقدون أن من الضروري مدح المثليين الجنسيين والمدافعين عن حقوق المرأة لأنهم يتحلون بالجرأة الكافية لتحدي القيم العائلية التقليدية، إلا أن ربع مؤيدي الحزب المحافظ فقط يوافقونهم الرأي. على نحو مماثل، يظن نحو ستة من كل عشرة مؤيدين للحزب الديمقراطي الجديد أو الليبرالي أن من المفرح أن يتمتع الشبان بحرية الاحتجاج ضد مسائل لا تروقهم، بيد أن ربع المحافظين فقط يتقبلون تمرد الشباب هذا.

في المقابل، يُعتبر مؤيدو الحزب المحافظ أكثر ميلاً إلى دعم تصريحات معادية بقوة للهجرة. على سبيل المثال، يعرب 50% من المحافظين عن دعم قوي أو محدود لفكرة أن "الهجرة مبالغ بها عموماً، حتى باتت تهدد نقاوة البلد". لكن أقل من ثلث مؤيدي الحزب الديمقراطي الجديد (31%) والليبرالي (24%) يشاطرونهم هذه الفكرة، ويُعدّ هذا التركيز النسبي للمشاعر المناهضة للغرباء في حزب واحد ظاهرة جديدة في كندا. فقبل عشرين عاماً، اختبر المجتمع عموماً مقداراً أكبر من المشاعر المناهضة للهجرة، بيد أنها كانت موزعة بالتساوي على الأحزاب الثلاثة الكبرى كافة.

بالإضافة إلى ذلك، سئمت أقلية من الكنديين اليوم التبدل الاجتماعي عموماً والهجرة خصوصاً. ويتركّز معظم هؤلاء الناخبين راهناً في الحزب المحافظ بقيادة أندرو شير، ولكن لا بد من التوضيح أن المحافظين لا يعانون بالضرورة رهاب الغرباء، إلا أن الكنديين الذين يعربون عن خوف مماثل ينحصرون عموماً في الحزب المحافظ.

ندد شير بشدة في خطاب ألقاه أخيراً بالتمييز العنصري، قائلاً للناخبين الذين يبحثون عن قنوات للتعبير عن مشاعرهم "ها هو الباب"، ويبدو أن شير يظن وفق حساباته أن فرص نجاحه ستكون أكبر إذا فتح الباب أمام الليبراليين الميالين إلى اليمين والمهاجرين الذين خيب جاستن ترودو آمالهم، مقارنة بفرصه إذا حاول التقرب من المحافظين اليمينيين المتشددين المناهضين للهجرة الذين انضموا إلى حزب الشعب وقائده ماكسيم بيرنيه الذي يدعي أنه يدافع عن "القيم الحضارية الغربية". إذاً، هل ينجذب المحافظون المعتدلون والليبراليون الذين خابت آمالهم إلى رؤية شير عن حزب يميني وسطي ينأى بنفسه عن رهاب الغرباء؟ وما عدد الأصوات المعترضة التي ستلتف حول بيرنيه؟ في الانتخابات الفدرالية المقبلة في شهر أكتوبر، سيكتشف الكنديون ما إذا كان رد الفعل الاستبدادي سيتجلى من خلال السياسات الوطنية في هذا البلد تماماً كما حدث في دول أخرى، وإذا حصل ذلك، ما إذا كان هذا عارضاً عابراً أو نوبة أكثر خطورة.

* مايكل آدمز ورون إنغلهارت وديفيد جيميسون*

* «غلوب أند ميل»

back to top