ابتزاز لا يَقنع... وحكومة تخضع

نشر في 25-06-2019
آخر تحديث 25-06-2019 | 00:15
No Image Caption
من المفترض في أي حكومة بأي بقعة من بقاع الأرض أن تحافظ على مقدرات الشعب وماله العام، لأن الشعب إنما أتى بها للقيام بمصالحه هو لا مصالحها هي، في مقابل أن يراقب الشعب عبر نوابه الذين اختارهم هذا الأداء، على أن يكون باعث النواب في ذلك المصلحة العامة، دون النظر إلى مطالب فئوية أو قبلية أو مصلحة انتخابية... هذا هو المفترض، لكن شتان لدينا بين المفترض والواقع.

واقعنا يقول ويعيد القول مرات ومرات بأن الحكومة تنظر إلى المال العام على أنه مالها الخاص، تستخدمه لإرضاء هذا أو إغراء ذاك، دون أن تراعي وجود حسيب أو رقيب، مادام ذلك الحسيب أو الرقيب هو من تسعى لاستمالته عبر بذخها من مال لا تملكه، ومقدرات لا تراعي لها حرمة، وبين حكومة تسترضي القائمين على رقابتها، ونواب لا ينظرون إلا إلى مصالح ضيقة على حساب الوطن ومقدراته... ضاع الشعب وبدا مستقبله ضبابياً بلا ملامح.

لم تتعلم الحكومة من أموال العلاج بالخارج، والأسفار السياحية التي نثرتها ببذخ على الأحبة وذوي الوساطات النيابية، على حساب المرضى الحقيقيين، دون أن تجد في ذلك حرجاً، ودون حتى أن تفلح في أن تحمي به نفسها، لتأتي هذه المرة لتعبث بأموال "التأمينات" وتوافق على قانون استبدال قروض المتقاعدين الذي يكلف الدولة ما يتجاوز 200 مليون دينار، لا لشيء إلا لتحمي رقبة أحد وزرائها من سيف الاستجواب، فهل يستحق وزير تحميل المال العام هذا المبلغ نظير إبقائه؟ ولماذا لا تخلي بينه وبين الاستجواب؟ وإذا كان معه الحق فليخرج منه سالماً، لكن أن تهدر أموال الشعب على سراب، فهو ما لا يقول به عاقل أو يرضاه.

وإذا كان مجلس الأمة قد استهتر ونسي المهمة الملقاة على عاتقه، وأن كل فرد فيه نائب عن شعب، وأن عليه أمانة يجب ألا يخونها، إذا كان النواب نسوا هذا كله، فلماذا تخضع لهم الحكومة، ولماذا تخاف تهديداتهم، ولماذا لا تخرج علينا لتعلن مواقف مبدئية حاسمة صارمة، فقد مللنا تكتيكاتها وتربيطاتها في الخفاء؟

وفي النهاية، رسالتان نوجه أولاهما إلى الحكومة فنقول لها ما قاله الحكيم ذات يوم "إذا لم تكن منحنياً فإن أحداً لا يستطيع أن يمتطي ظهرك"، فأقيمي ظهرك ولا تضعي غير مصلحة الشعب كله نصب عينيك، وليكن بعد ذلك ما يكون.

أما رسالتنا إلى النواب فهي أننا آسفون كل الأسف، مستاؤون غاية الاستياء، مما آل إليه حال المجلس، وانقسام نوابه بين فريق لا يرى إلا مصلحته الانتخابية، فيحابي هذا ويجامل ذاك على مصلحة العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وفريق آخر يكتفي بمجرد المشاهدة، قد لا يكون انتهازياً كالأول، لكنه لا يحرك ساكناً تجاه ما يراه من فساد وعبث، تاركاً سفينة الوطن تتجه إلى مستقبل مظلم في ظل هذا الاستهتار والسياسة المالية العبثية التي تنظر تحت قدميها فقط، مستنزفة مقدرات الوطن من أجل مصالح ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع، فهلا أفقنا قبل فوات الأوان...

الجريدة

back to top