إيران تختار التباهي أفضل دفاع لها

نشر في 21-06-2019
آخر تحديث 21-06-2019 | 00:00
هجومان إيرانيان خلال شهر على ناقلات نفط تجارية في منطقة الخليج العربي
هجومان إيرانيان خلال شهر على ناقلات نفط تجارية في منطقة الخليج العربي
اعتقد البيت الأبيض وفق حساباته أن مقاربة سريعة وقوية إلى العقوبات ضد إيران ستساهم على الأرجح في إرغام نظام طهران الضعيف على العودة مسرعاً إلى طاولة المفاوضات، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أساء عموماً قراءة القيادة في طهران.
استهدف هجومان يفصل بينهما شهر ناقلات نفط تجارية في منطقة الخليج العربي، وأشار الهجوم الأول إلى أن إيران تملك القدرة والرغبة لعرقلة الشحن البحري في أحد ممرات العالم المائية الأكثر أهمية: مضيق هرمز، أما الثاني، فأظهر أن هذا التهديد يتحول إلى دعوة لا تبدو مبطنة إلى حرب من الممكن تفاديها على ما يبدو، لذلك آن الأوان لنعيد النظر في بعض افتراضاتنا.

اعتقد البيت الأبيض وفق حساباته أن مقاربة سريعة وقوية إلى العقوبات ضد إيران ستساهم على الأرجح في إرغام نظام طهران الضعيف، الذي تعلّم من أخطائه، على العودة مسرعاً إلى طاولة المفاوضات، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أساء عموماً قراءة القيادة في طهران.

صحيح أن إيران لم تواجه بعد تضخماً يتخطى المئة أو اضطرابات متفشية جراء العقوبات الخانقة، لكنها قررت على ما يبدو أن تستبق الأمور وتتصدى للبيت الأبيض، مع أنها تعلم أن خطوات الرد هذه التي تتخذها تحمل خطراً حقيقياً جداً، خطر استفزاز ضربة عسكرية محدودة. ولكن إذا كانت هذه الضربة احتمالاً مطروحاً في مطلق الأحوال، فربما تظن طهران أنها مستعدة اليوم لتحمل بضع غارات أميركية بغية حشد الدعم الوطني حول النظام في حين لا تزال تبدو في موقف قوة إلى حد ما.

بالإضافة إلى ذلك، بما أن إيران تصدر النفط بكميات مخفّضة وحسومات كبيرة، يساهم احتمال نشوب حرب ناقلات نفط أخرى في دفع أسعار النفط صعوداً ضد القوة التنازلية لتباطؤ طلب المستهلكين العالمي.

المنطق الإيراني على الأرض

قد يكون هذا المنطق وراء الاعتداءين الجريئين اللذين فصل بينهما نحو شهر واستهدفا ناقلات نفط قرب منطقة النفط الأكثر أهمية في العالم.

يشير هذان الاعتداءان إلى قدرات عسكرية تملكها دولة مع أنهما لم يخلوَا من بعض الأوجه الصغيرة التي تتيح الإنكار المعقول. على سبيل المثال، حرصت إيران على إدانة كلا الاعتداءين. ومع اعتداء الثالث عشر من يونيو، أرسلت فريق إنقاذ لمساعدة بحّاري إحدى السفن المستهدفة. ولكن في دليل عملي يعكس تورط طهران ويدعم ادعاءات واشنطن أن إيران نفذت الاعتداءين، كشف الجيش الأميركي أيضاً شريطاً مصوراً يُظهر أحد مراكب خفر سواحل حرس الثورة الإسلامية وهو يزيل لغماً مغناطيسياً غير منفجر من إحدى ناقلات النفط. أما رد إيران السياسي، فبدل أن يكشف عن جدال داخلي محتدم حول كيفية التصدي للولايات المتحدة، ضاهى حتى اليوم أعمالها استفزازاً.

فحتى مع سعي رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الهادئ الطباع أخيراً في خطوة غير معتادة إلى تأدية دور الوسيط بين إيران والبيت الأبيض خلال زيارة إلى طهران، تبين أن إحدى السفن المستهدفة ناقلة نفط تملكها اليابان.

وما ضاعف إحراج آبي رفض القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي رفضاً قاطعاً عرض آبي التحاور مع الولايات المتحدة. وصب بعد ذلك وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف الزيت على النار بوصفه زيارة آبي بـ»الدبلوماسية المخرِّبة». إذاً، عوض الحفاظ على قنوات حوار سياسية قوية، تعمل إيران على حرق كل جسورها مع شركائها الاقتصاديين والدبلوماسيين الاكثر أهمية بالنسبة إليها.

قد يعمد البيت الأبيض، خلال بحثه عن طريقة تتيح له التعاطي بحزم مع إيران متفادياً في الوقت عينه التصعيد العسكري المباشر، إلى دراسة خيار تشكيل أسطول بحري يرافق ناقلات النفط التجارية في هذه المنطقة.

وإذا كان هذا المسار الذي سيختاره البيت الأبيض، فسنشهد على الأرجح نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً مع سعي واشنطن إلى بناء ائتلاف من السفن الحربية باسم الدفاع عن حرية الملاحة.

رغم ذلك، ما زال المجال المتاح أمام التصعيد كبيراً. خلال الشهر المقبل، ستقدِم إيران على الأرجح على بعض الخطوات الخطيرة على الجبهة النووية، مما يصعّب على الاتحاد الأوروبي وحلفاء الجمهورية الإسلامية الآسيويين الدفاع عن طهران.

فإذا عجز الاتحاد الأوروبي بحلول السابع من يوليو عن تطبيق خطة للتحايل على العقوبات الأميركية، فستستأف طهران عندئذٍ أجزاء من برنامجها النووي، ما يؤدي إلى المزيد من الدوافع التي قد تحفز عملاً عسكرياً سرياً محتملاً.

ثقة في غير محلها؟

تُشكّل هذه سياسة وقحة جداً وفق كل المعايير. قد تكون طهران محقة في افتراضها أن البيت الأبيض برئاسة ترامب لا يرغب على الأرجح في التورط في حرب أخرى مرفوضة سياسياً في الشرق الأوسط، وخصوصاً مع تفاقم تنافس الولايات المتحدة مع الصين وروسيا على مرتبة الدولة العظمى، ولكن كيف تستطيع إيران الوثوق من أن الضربات التي ستتلقاها من الولايات المتحدة كعقاب لها في الظاهر ستظل محصورة بمواجهة عسكرية محدودة ولن تخرج عن السيطرة وتتحول إلى حرب شاملة؟

من الممكن للضربات الأميركية «المحدودة» أن تستهدف أيضاً ترسانة إيران من الصواريخ البالستية والأصول البحرية بهدف شل قدرة إيران على عرقلة حركة السفن في مضيف هرمز. لكن هذا يعني أيضاً أن وحدات حرس الثورة الإيراني التي تشغّل هذه الأصول تعمل على الأرجح وفق مبدأ «استخدمه أو اخسره»، ما يقود إلى اضطرابات أكبر ويولد ردود فعل أشد. وبالنظر إلى الجرأة التي ردت بها إيران حتى اليوم، من الممكن مواجهة دوامة من الرد باعتداءات مماثلة تقود إلى المزيد من التصعيد أو ربما حرب مفتوحة، حتى لو لم يشأ كلا الطرفين أن يمضيا في صراعهما إلى هذا الحد.

في المقابل، تتأرجح المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بين رغبتهما في احتواء إيران وخوفهما من المغالاة في الضغط، ما قد يقود إلى صراع مدمر في جوارهما. ولكن في كلتا الحالتين، لا تملك هاتان الدولتان وسائل كثيرة تتيح لهما كبح لجام الولايات المتحدة أو إيران، أما إسرائيل، فتبقى عرضة لرد المجموعات التابعة لإيران. رغم ذلك، قد تكون أكثر استعداداً لتقبّل هذا الخطر واستغلال الفرصة المتاحة. ولا شك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اليوم وضعاً حرجاً، سيحاول إقناع البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة ستسدد ضربة عسكرية إلى إيران في مطلق الأحوال، فلمَ لا توجّه لها في الوقت عينه ضربة تشل منشآتها النووية والعسكرية؟

من المؤكد أن الثقة الكبيرة التي تعرب عنها إيران في خطابها وسلوكها مذهلة، ولكن نظراً إلى الرهان المهول الذي يُضطر أي قائد إيراني إلى أخذه في الاعتبار عند إقدامه على خطوات مماثلة، تعكس هذه الثقة على الأرجح مدى سوء الوضع الذي فرضه البيت الأبيض بقيادة ترامب على الحكومة الإيرانية. في عام 2012، تغلبت الدبلوماسية على الحرب في العلاقة الأميركية-الإيرانية، ولكن هذه المرة، سنشهد العكس على الأرجح.

* ريفا غوجون - ستراتفور

back to top