اختلفنا على دفع الفاتورة

نشر في 14-06-2019
آخر تحديث 14-06-2019 | 00:08
 ناصر بدر ناصر لكل منا وجهة نظر تعتمد على ثقافة مختلفة تسير سلوك الفرد في مجريات الحياة العامة، ثقافة الإنسان ترافقه أينما كان، فالاعتزاز بثقافة معينة وإن تعارضت مع ثقافة أخرى ما هي إلا إثراء للتجربة الإنسانية، وبالتواصل الإيجابي تزداد الحصيلة المعرفية بين الناس بشكل أو بآخر.

بعد التخرج من الجامعة، افترقنا أنا وصديقي بسبب حصوله على منحة دراسية لإحدى الدول الأجنبية لمدة قاربت سبعة أعوام، وكنا على تواصل بين الحين والآخر إلكترونياً، وبعد أن أنهى دراسته بتفوق عاد للبلاد، والتقيت به بشوق وعناق وصرنا نعيد الذكريات، فاقترحت عليه الجلوس في أحد الأماكن العامة لنتبادل بقية الأحداث، وعما جرى من أخبار خلال فترة الغياب.

أخبرني بعاداتهم التي قد نالت إعجابه بتلك البلاد، وأثناء النقاش بدا لي شعور وكأنه استحسنهم، لدرجة أنه لم يعد ذاك الشخص ذا العادات العربية التي نعرفها، فسألت نفسي هل فعلا تتبدل سلوكيات شخص ما لمجرد أنه عاش لفترة من الزمن بأن يتجاهل عادات وثقافات قد تربى عليها منذ الصغر؟ أليس من المفترض أن تكون كالنقش على الحجر؟

ووفقا لعادات الضيافة العربية، إذ إنني بعد الانتهاء من تناول العشاء طلبت الفاتورة من الجرسون لأدفع الحساب وأنا بمنتهى السعادة بهذا اللقاء، لكن الصديق المغترب أوقفني بشكل مفاجئ قائلا: "لا تدفع عني، فكل شخص يدفع فاتورته بمفرده، وهذا ما تعودت عليه أثناء إقامتي مع أصدقائي الأجانب هناك، وهو أمر قد راق لي".

فوجئت بردة فعله، وطلبت من الجرسون قليلا من الانتظار، وانتقل محور حديثنا على هذه النقطة فقلت له: ونحن متعارف عندنا– العرب– حسن الضيافة والكرم، وأنت يا صديقي لم تعد في تلك الديار، فإن سافرنا سويا إلى بلد أجنبي فحينها يمكنني النظر في طلبك، أما الآن فلا فرق في أنني أدفع اليوم وأنت في الغد، وفي نهاية النقاش استطعت إقناعه بالدفع وأنا بلقائه سعيد وبكرم الضيافة فخور.

بحسب تبريره أن الثقافة الغربية غالباً ما تعتمد على مبدأ الفردية في أمور الحياة، خصوصا في الأمور المالية، وفيما يتعلق بموقف الفاتورة، يقول: "إن حصل هذا الموقف في بلد أجنبي فسيشعر الأجنبي حينها بشيء من الانتقاص مثلاً، وكأنه لا يملك المال الكافي، فهم على عكس عادات العرب في التصرف في الأمور المالية، ولا يربطونها بكرم الضيافة". وفي النهاية فهي ثقافات مختلفة لها كامل الاحترام.

في النهاية هي ثقافات مختلفة لها كامل التقدير، ولكن في رأيي بشكل عام هو أن كرم الضيافة يبعث البهجة للآخرين، ويثير اهتمام الثقافات الأخرى لما فيه من صفة حميدة، وهذا واضح عندما نشاهد الغربيين في الدول العربية وهم يستمتعون بحسن الضيافة والجلسات العربية وغيرها، ويتضح ذلك من خلال التقاطهم صوراً تذكارية معبرين عن مدى اكتسابهم ثقافات أضافت جديداً لحصيلتهم المعرفية.

back to top