الردع في الفضاء الإلكتروني

نشر في 13-06-2019
آخر تحديث 13-06-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت في وقت سابق من هذا العام، اعترف المسؤولون الأميركيون أن عملياتهم الإلكترونية الهجومية منعت روسيا من تدمير انتخابات الكونغرس لعام 2018، نادرا ما تم ذكر مثل هذه الإجراءات في الماضي، لكن اليوم هناك نقاش حول مبدأ الهجوم الجديد المتمثل في "الارتباط المستمر" مع خصم محتمل. هل سينجح هذا النهج؟

يحاول أنصار "الارتباط المستمر" تعزيز نظريتهم من خلال إظهار عجز الردع في الفضاء الإلكتروني، ولكن هذا في الواقع يشكل معارضة ثنائية خاطئة، طالما يتم استخدام الردع بشكل صحيح، يمكن للنهج الهجومي الجديد أيضا تعزيز الردع بدلا من استبداله.

الردع هو عبارة عن نصح الأشخاص بالعدول عن فعل شيء ما بجعلهم يعتقدون أن التكاليف التي سيتكبدونها ستتجاوز الفوائد المتوقعة، فغالبا ما يكون فهم الردع في الفضاء الإلكتروني أمرا صعبا، لأن تفكيرنا لا يزال مأسورا في تهديد الردع الذي شكلته الحرب الباردة: التهديد بهجمات نووية انتقامية هائلة. لكن التشبيه بالردع النووي مضلل للغاية، لأن الهدف من ذلك هو الوقاية التامة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية. يشبه الردع في الفضاء الإلكتروني الجريمة: لا يمكن للحكومات أن تمنعه بشكل كامل.

هناك أربع آليات رئيسة يمكنها منع السلوك السيئ في المجال الإلكتروني: التهديد بالعقاب، واحتواء الدفاع، ووضع الحواجز، والحظر المعياري. في الواقع، هذه الآليات ليست مثالية، لكنها تُوضح نطاق الوسائل التي من خلالها يمكن تقليل احتمالية السلوك الضار. على الرغم من عدم التعرف على المهاجمين، يمكن لهذه الوسائل أن تكمل بعضها في التأثير على تصورات الجهات الفاعلة لتكاليف وفوائد إجراءات معينة. في الواقع، على الرغم من أن تعريف المهاجم أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى وسائل العقوبة، فإنه ليس محور الدفاع أو الردع.

نظرا لأن الردع مبني على تصور معين، فإن فعاليته لا تعتمد فقط على سؤال "كيف" ولكن أيضا على "من" و "ماذا". إن التهديد بالعقاب- أو الدفاع أو الحواجز أو القواعد- قد يردع بعض الجهات الفاعلة ولكن ليس الآخرين. ومن المفارقات أن ردع الدول الكبرى عن أعمال مثل تدمير الشبكة الكهربائية قد يكون أسهل من ردع الأعمال التي لا ترقى إلى هذا المستوى.

في الحقيقة، كان تهديد "حادث بيرل هاربور الإلكتروني" مبالغا فيه، من المرجح أن تتورط الجهات الفاعلة الرئيسة في الدولة في علاقات مترابطة أكثر من العديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية. وقد أوضح صناع السياسة الأميركيون أن الردع لا يقتصر على عالم الإنترنت (رغم أن ذلك ممكنا). ستستخدم الولايات المتحدة أي سلاح- من تسمية النقد والإذلال إلى العقوبات الاقتصادية والوسائل العسكرية المختلفة- للرد على الهجمات الإلكترونية ضد مختلف المجالات أو القطاعات.

تزعم الولايات المتحدة ودول أخرى أن قوانين النزاع المسلح تنطبق على الفضاء الإلكتروني، سواء اعتبرت العملية الإلكترونية هجوما مسلحا يعتمد على عواقبها، لا على الأدوات المستخدمة فقط. ولهذا من الصعب ردع تلك الهجمات غير المسلحة.

تكشف العمليات المختلطة المتعددة التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا وتقرير المستشار الخاص الأميركي روبرت مولر أن تدمير روسيا للانتخابات الرئاسية الأميركية يقع في مثل هذه المنطقة الرمادية.

على الرغم من أن هناك غموضا في نسب الهجمات الإلكترونية وتنوع المعارضين في الفضاء الإلكتروني، فإن هذا لا يجعل الردع أمرا مستحيلا، لكن هذا يعني أن السلوك العقابي سيكون محدوداً أكثر من الأسلحة النووية، يمكن أن يستهدف السلوك العقابي الدولة والجاني، لكن تأثيره الرادع يتباطأ ويضعف عندما يتعذر التعرف على المهاجم بسهولة.

يؤدي احتواء الدفاع دورا في منع الجهات الفاعلة غير الحكومية أكثر من الدول لأن وحدة الاستخبارات السابقة يمكنها تشكيل تهديدات مستمرة ومتطورة. يمكن أن تقضي وكالة عسكرية أو وكالة استخباراتية كبيرة بعض الوقت والجهد لاختراق معظم أنظمة الدفاع، لكن مزيج التهديدات العقابية والدفاعات الفعالة يؤثر في حساب التكاليف والفوائد.

هذا هو النهج الجديد المتمثل في "الارتباط المستمر"، والذي لا يهدف إلى تقويض الهجوم فحسب، بل أيضا تعزيز الردع عن طريق زيادة تكاليف الخصوم. لكن محللي السياسة لا يمكنهم أن يقتصروا على الأدوات التقليدية للردع النووي- العقوبة والاحتواء- في تقييم إمكانية الردع في الفضاء الإلكتروني. ينبغي أن يكونوا على دراية بآليات إقامة الحواجز والمعايير، ويمكن أن تؤدي الحواجز إلى تغيير حسابات التكلفة أو الفائدة في الدول الكبرى مثل الصين، ولكن ربما يكون له تأثير ضئيل على دولة مثل كوريا الشمالية، حيث ترتبط ارتباطا ضعيفا بالاقتصاد العالمي.

على الرغم من ذلك، يمكن أن يساعد "الارتباط المستمر" في تعزيز الردع في مثل هذه الحالات الصعبة. بطبيعة الحال، فإن الدخول إلى شبكة أي عدو وتعطيل الهجمات سيخلق تصعيدا للمخاطر، وبدلا من الاعتماد فقط على المفاوضة الضمنية، كما يؤكد مؤيدو "الارتباط المستمر"، قد يساعد التواصل الأكثر وضوحا في حل المشكل.

من الصعب التنبؤ باستقرار الفضاء الإلكتروني، لأن الابتكار التكنولوجي هناك أسرع منه في المجال النووي، ومع مرور الوقت، قد يعزز جمع الأدلة دور العقاب؛ وقد تزيد الدفاعات الأفضل من خلال التشفير أو التعلم الآلي من دور الاحتواء الدفاعي.

المعرفة الإلكترونية مهمة للغاية، عندما تصبح الدول والمنظمات أكثر وعيا بالقيود وأوجه عدم اليقين في الهجمات الإلكترونية والأهمية المتزايدة للإنترنت في الاقتصادية، قد تتغير حسابات التكلفة أو الفائدة لمصلحة الحرب الإلكترونية. ليست كل الهجمات الإلكترونية لها الأهمية نفسها؛ لا يمكن ردع جميع الهجمات؛ ولا تُشكل جميع الهجمات تهديدات للأمن القومي. على صناع السياسات التركيز على أهم الهجمات، وفهم الآليات المختلفة التي يمكن استخدامها، والسياق الذي يمكن من خلاله منع الهجمات. إن مفتاح الردع في عصر الإنترنت هو الاعتراف بمبدأ "حجم واحد لا يناسب الجميع"، ويُعد "الارتباط المستمر"، عندما يتم النظر إليها من هذا المنظور، إضافة مفيدة إلى ترسانة الدفاع.

* جوزيف س. ناي

* أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب".

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top