هل نسحب الثقة أم لا؟

نشر في 12-06-2019
آخر تحديث 12-06-2019 | 00:00
يتجاهل ترامب استنتاج ميولر الذي لا لبس فيه بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016 لمصلحة ترامب، ومن الواضح أن قبول هذا الاستنتاج من شأنه أن يقوض شرعية فوزه في المجمع الانتخابي.
 بروجيكت سنديكيت مع عودة الكونغرس الأميركي من إجازة مدتها عشرة أيام، كانت المسألة حول ما إذا كان من الواجب على مجلس النواب- الذي يسيطر عليه الديمقراطيون- أن يبدأ رسميا عملية سحب الثقة من الرئيس دونالد ترامب بسبب جرائم ارتكبها خلال فترة ولايته- وربما قبل ذلك- سببا في انقسام الحزب. نظريا، يجب أن يعقب سحب الثقة من قِبَل مجلس النواب المحاكمة في مجلس الشيوخ. لكن مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، من غير المرجح على الإطلاق أن يدين زعيم الحزب، ما لم يظهر كشف جديد مذهل حول أفعاله، وهو أمر لا يمكن استبعاده.

على الرغم من كل الاهتمام من قِبَل الصحافة المكرس للعدد المتنامي من الديمقراطيين في مجلس النواب الذين يدعمون إطلاق عملية سحب الثقة الآن، فإن مجموعهم (أكثر من خمسين الآن) يمثل نحو خـُمس الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب فقط، والنواب الجمهوريون مخلصون تمام الإخلاص لزعيمهم ترامب- أو خائفون من مواجهة تحد رئيسي في عام 2020- حتى أن نائبا واحدا فقط، وهو جوستين أماش من ولاية ميشيغان، وهو تحرري حازم، يدعم سحب الثقة، وإن كان جمهوريون آخرون يسعدهم على المستوى الخاص أن يرحل ترامب.

تزعم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنها تعارض سحب الثقة، على الأقل في الوقت الحالي، لكنها تترك السؤال مفتوحا جزئيا بالتلفظ بعبارات مثل "لم نصل إلى هذا الحد بعد"، وهي تقول إن سحب الثقة من ترامب يُعَد سياسة رديئة لا تصب في مصلحة حزبها، لأنها من شأنها أن تزيد من قوة ورسوخ الدعم الجمهوري له وأن تزيد فجوة الانقسام في البلاد اتساعا، كما تخشى أن يتسبب إطلاق عملية سحب الثقة الآن في تقويض أهدافها الرئيسة: تجنب تعريض سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب والتي جرى فرضها بشق الأنفس للخطر، وتعظيم فرص الحزب في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

الواقع أن بيلوسي وغيرها من زعماء الحزب كانوا يقولون إنهم يفضلون إقامة الدعوى في هذا الشأن في وقت الانتخابات الرئاسية في عام 2020، وهم يعتقدون، لسبب وجيه، أن أداء الحزب الديمقراطي كان جيدا للغاية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في عام 2018 لأن مرشحيه أكدوا قضايا ذات أهمية مباشرة للناخبين، مثل تغطية الرعاية الصحية وتكاليفها. ومع ذلك، يقول مسؤول انضباط الأغلبية في مجلس النواب، جيمس كلايبورن، إنه يعتقد أن ترامب سيعزل "عند مرحلة ما"، ومثله كمثل بيلوسي، يعتقد كلايبورن ضرورة تقديم حجة قوية قبل اتخاذ أي إجراء. من المفترض أن تعمل جلسات الاستماع المخطط لها من قِبَل العديد من لجان مجلس النواب على إقامة تلك الحجة. (لم يساعد ترامب نفسه عندما حاول منع هذه اللجان من الوصول إلى الوثائق وشهادة سبع معاونين سابقين، وحتى الآن، أصدرت المحاكم قراراتها لمصلحة الديمقراطيين في مجلس النواب).

برغم أن بيلوسي تعتبر على نطاق واسع واحدة من أكثر الخبراء الاستراتيجيين في واشنطن ذكاء، فإن موقفها المعلن لا يخلو من مشاكل، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ الآن بالعواقب السيئة المترتبة على سحب الثقة من ترامب، وحتى الدستور الذي أسس لعملية سحب الثقة كواحد من الضوابط التي تحكم سلوك الرئيس بين الانتخابات لا يقول أي شيء عن استخدام هذا الضابط فقط عندما يكون ملائما من الناحية السياسية. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى النتائج في عام 2018، فربما يسعى قادة الحزب الديمقراطي إلى تثبيط أي محاولة لجعل شخص الرئيس القضية الرئيسة في الانتخابات المقبلة. الأمر الأكثر أهمية أن اتخاذ القرار بعدم بدء عملية سحب الثقة من ترامب ربما يشكل سابقة مروعة، فإذا لم يعزل ترامب بسبب أفعاله الإجرامية العديدة وإساءته لاستخدام السلطة، فهل تظل هذه العملية من الضوابط القابلة للتطبيق لمنصب الرئاسة؟

بدت بيلوسي غير مهتمة بهذه المسألة، ولإثناء زملائها من الديمقراطيين في مجلس النواب عن الدعوة إلى سحب الثقة، تحذر بيلوسي من أن ترامب يريد أن يُعزَل، لأنه يعتقد أن هذا سيصب في مصلحته السياسية، ولكن ليس من الواضح على الإطلاق أن الأمر كذلك حقا، فلن يرحب أي رئيس بندبة العزل، إذ يشير ترامب إلى "كلمة العزل"، التي وصفها الأسبوع الفائت بأنها "كلمة قذرة وبذيئة ومثيرة للاشمئزاز"، علاوة على ذلك، لا تتعلق مسألة سحب الثقة بالسياسة، بل تتعلق بمبادئ دستورية.

يُقال إن ترامب أصابه انزعاج شديد عندما خرج المستشار الخاص السابق الآن روبرت ميولر عن صمته الطويل يوم الأربعاء الماضي ليعلن استقالته ويقول: "لو كنا على يقين من أن الرئيس لم يرتكب جريمة بوضوح، فإننا كنا سنقول ذلك". (الواقع أن ميولر، في عزوفه التام، واللائق، عن تجاوز ما يقوله تقريره، وعدم رغبته في تعريض نفسه للسيرك الحزبي، يقاوم الآن المطالبات من قِبَل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالظهور- على الأقل علنا- أمام لجنة تابعة للكونغرس).

لكن آخرين يرون قيمة عالية في حمل ميولر ببساطة على توضيح ما يقوله تقريره الذي يتألف من 448 صفحة أمام كاميرات التلفزيون. كان ترامب حريصا على تصوير النتائج التي توصل إليها التقرير على أنها تبرئه تماما ("لا تواطؤ، ولا إعاقة للعدالة")، حتى برغم أن التقرير ذكر صراحة أن هذه لم تكن الحال.

الأمر الأشد سوءا من منظور ترامب هو أن ميولر الذي نال الإعجاب على نطاق واسع أوصى في واقع الأمر بأن يتعهد الكونغرس بعملية سحب الثقة، وقد أوضح ميولر أن سياسة وزارة العدل المثيرة للجدال، والتي كان المقصود منها مساعدة الرئيس ريتشارد نيكسون، تمنع توجيه الاتهام لرئيس حالي، لكن هذا ليس في الدستور، وهو ليس بقانون. (كان نيكسون متآمرا مشاركا غير مدان في التستر على عملية السطو المسماة ووترغيت، في حين كان ترامب وحده في قضية نيويورك التي تنطوي على مشاركته في دفع مكافآت قبل الانتخابات لإسكات سيدتين كان على علاقة جنسية بهما بعد فترة وجيزة من ولادة نجله بارون).

بعد فترة وجيزة من نشر التقرير في منتصف أبريل، انخرط ميولر ووزير العدل الأميركي ويليام بار، وهما زميلان سابقان وصديقان، في جدال مهذب لكنه شرس حول نتائج التحقيق، وقد أصر بار، الذي كان ذات يوم محاميا للمؤسسة الجمهورية والذي كان صريحا إلى حد غير عادي، بصفته نائبا عاما، في الدفاع عن الرئيس، على شرح الاستنتاجات الرئيسة التي توصل إليها التقرير، والتي أساء تفسيرها بشكل ثابت، على نحو أثار استياء ميولر.

يتجاهل ترامب استنتاج ميولر الذي لا لبس فيه- والذي يتفق مع ما توصل إليه مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة بالكامل- بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016 لمصلحة ترامب. من الواضح أن قبول هذا الاستنتاج من شأنه أن يقوض شرعية فوزه في المجمع الانتخابي، وقد أفادت بعض التقارير أن كبار مسؤولي الأمن طُلِب منهم عدم التطرق حتى إلى موضوع تورط روسيا أمام ترامب.

هذا يجعل من غير المرجح إلى حد كبير أن يدعم ترامب أي محاولة حقيقية لدرء أي تدخل انتخابي مماثل- وربما أكثر شدة ومن قِبَل عدد أكبر من الدول- في عام 2020، بل ربما يرحب بالتدخل الأجنبي، إذ قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي- أحد المسؤولين القلائل الذين لا يتورعون عن مواجهة ترامب علنا (سيكون من المحرج للغاية أن يقيل ترامب مديرا ثانيا لمكتب التحقيقات الفدرالي)- إن روسيا كانت نشطة في انتخابات التجديد النصفي في عام 2018 ومن المرجح أن تزيد من جهودها في مسابقة 2020، وعلى افتراض أن ترامب لا يزال في منصبه آنئذ، فقد تكون الانتخابات الرئاسية القادمة أشد قذارة وقبحا من أي وقت مضى.

* إليزابيث درو

* صحافية مقيمة في واشنطن، وأحدث مؤلفاتها كتاب بعنوان "يوميات واشنطن: تقرير ووترغيت وسقوط ريتشارد نيكسون".

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

بعض التقارير أفادت أن كبار مسؤولي الأمن طُلِب منهم عدم التطرق حتى إلى موضوع تورط روسيا أمام ترامب
back to top