المحافظة على الزخم ضد الكوليرا

نشر في 11-06-2019
آخر تحديث 11-06-2019 | 00:00
على الدول المتأثرة بالكوليرا أن تحذو حذو بلدان مثل الصومال وجنوب السودان وزامبيا وزيمبابوي وغيرها، في العمل مع منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بخطة مكافحة الكوليرا لمساعدة الحكومات على استخدام الموارد المتاحة والحصول على المساعدة الفنية بما في ذلك لقاحات الكوليرا عن طريق الفم.
 بروجيكت سنديكيت عندما اجتاح الإعصار إيداي موزامبيق ومالاوي وزيمبابوي في ليلة 14 مارس، خلَّف وراءه دمارا لا يمكن تصوره بالإضافة إلى مصرع أكثر من ألف شخص، وفي أعقاب ذلك الإعصار وإعصار كينيث في الشهر التالي فإن الفيضانات وخسارة البنية التحتية خلقت الظروف الملائمة لتفشي الكوليرا، وهو مرض إسهال قاتل يمكن أن يقتل شخصاً ما خلال ساعات لو تم تركه بدون علاج.

لكن الذي حدث لاحقا لذلك يعتبر أمرا جوهريا، فبعد أن ضرب إعصار إيداي، أطلقت السلطات مبادرة رد سريع، وخلال 24 ساعة عملت السلطات على ترتيب تسليم لقاحات الكوليرا عن طريق الفم لموازمبيق، والآن ومع التطعيم الذي يجري حاليا على نطاق واسع فإن تفشي المرض أصبح تحت السيطرة، مما يعني إنقاذ حياة آلاف الأشخاص.

أما في الماضي فإن الدول النامية التي كانت تتأثر بالكوارث الطبيعية أو الحرب لم تكن محظوظة بالمرة، فبعد الإعصار المدمر الذي ضرب هاييتي سنة 2010، عانت هاييتي من تفشي مرض الكوليرا لفترة طويلة مما تسبب في مصرع آلاف الأشخاص وجعلها عرضة للخطر، وفي اليمن الذي تمزقه الحرب حاليا، لم يتم حتى الآن السيطرة على المرض المتفشي هناك.

إن الكوليرا كانت تقتل في الماضي السحيق عشرات الآلاف من الأشخاص في أوروبا وأميركا الشمالية، ولكن تم القضاء عليها في دول الشمال قبل أكثر من 150 سنة، واليوم لا تزال الكوليرا موجودة بشكل حصري تقريبا ضمن المجتمعات الأكثر فقرا في العالم بسبب كونها تعتبر من الأعراض الجانبية للحرمان الاقتصادي وانعدام المساواة.

لكن مهما يكن من أمر خلال الثمانية عشر شهراً الماضية قطع العالم خطوات كبيرة في الحرب ضد الكوليرا. تعمل حكومات الدول المتأثرة بالكوليرا وبالشراكة مع قوة المهام العالمية للسيطرة على الكوليرا، وهي شبكة من كبرى المنظمات الصحية العالمية من أجل القضاء على المرض نهائيا.

لقد قامت قوة المهام العالمية للسيطرة على الكوليرا سنة 2018 بترتيب شحن 17.4 مليون جرعة من لقاحات الكوليرا عن طريق الفم إلى البلدان المتأثرة، ونتيجة لذلك فإن عدد الناس الذين تم تطعيمهم بلقاحات الكوليرا أكثر من أي وقت مضى.

إن لقاح الكوليرا لا يعتبر آمنا وغير مكلف فحسب، لكنه أيضا فعال جدا، مما يوَّفر حماية فورية يمكن أن تستمر خمس سنوات، وهذا يعني أن اللقاح بمثابة جسر ضروري بين استجابة الطوارئ والجهود الأعم والطويلة المدى؛ مثل الاستثمار في سلامة المياه والصرف الصحي وخدمات النظافة.

إن مثل هذا الإنجاز لم يكن ممكنا بدون جافي (تحالف اللقاحات)، إن "جافي" هو عبارة عن شراكة فريدة من نوعها بين القطاعين العام والخاص من أجل الحصول على التمويل للتطعيم وتخفيض تكلفة اللقاحات وتحسين طرق توصيلها من خلال دعم الأنظمة الصحية للدول، ونظرا لنموذج جافي المبتكر للقرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بجمع الأموال والتوصيل فإن جافي يعتبر من أفضل الإمكانات المتوافرة لدينا في الحرب ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها من خلال اللقاحات، والأفضل من ذلك أن لقاح الكوليرا عن طريق الفم هو فقط واحد من 13 لقاحاً يدعمها جافي، وإن تحالف جافي منذ تأسيسه سنة 2000 قد تمكن من تجنب وفاة 10 ملايين إنسان، وهو رقم يرتفع في حين يتراجع تفشي مرض الكوليرا.

بالإضافة إلى تحقيق رقم قياسي جديد بالنسبة إلى لقاحات الكوليرا عن طريق الفم تدعم قوة المهام العالمية للسيطرة على الكوليرا وجافي كذلك الاستراتيجية الطويلة المدى التي تقودها الدول المتأثرة بالكوليرا للقضاء على المرض. إن الهدف طبقا للتقرير: "إنهاء الكوليرا: خريطة طريق عالمية حتى 2030"، هو تخفيض عدد وفيات الكوليرا بما نسبته 90% والقضاء على المرض في 20 بلداً من 47 بلدا تتأثر حاليا بالمرض خلال الـ11 سنة المقبلة.

ومن الممكن أن يتذكر المؤرخون سنة 2019 كبداية النهاية للكوليرا، ولكن الكثير يعتمد على جهودنا خلال السنوات القليلة القادمة، فبادئ ذي بدء يجب على الجهات المانحة للصحة العالمية تعزيز جهودها للتحقق من أن تحالف جافي يحصل على تمويل كامل في فترة الاستثمار الاستراتيجية القادمة (2021-2025)، وإن هذا الدعم حيوي جدا ليس من أجل إنهاء الكوليرا فقط، ولكن أيضا لتحقيق جميع الأهداف المرتبطة بالصحة، فالتطعيم الاعتيادي الذي يوَّفره تحالف جافي يعتبر ضروريا لبناء أنظمة رعاية صحية أولية قوية وتحقيق تغطية عالمية.

ثانيا، إن الدول المتأثرة بالكوليرا يجب أن تحذو حذو بلدان مثل الصومال وجنوب السودان وزامبيا وزيمبابوي وغيرها، وهذا يعني العمل مع منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بخطة مكافحة الكوليرا لمساعدة الحكومات على استخدام الموارد المتاحة والحصول على المساعدة الفنية بما في ذلك لقاحات الكوليرا عن طريق الفم.

لو لم نتصرف الآن فإن نماذج منظمة الصحة العالمية تشير الى أن التغير المناخي وانتشار المدن والنمو السكاني قد يزيد حالات الكوليرا بنسبة 50% بحلول العشرين سنة القادمة.

إن هناك الكثير لا يزال يجب علينا عمله بما في ذلك عمل استثمارات كبيرة في المياه المستدامة والصرف الصحي وخدمات النظافة وتحسين مراقبة الأمراض وأنظمة صحية أقوى، ولحسن الحظ فإن العائد على تلك الاستثمارات سيكون كبيراً، حيث سيكون بإمكاننا القضاء على الكوليرا وإحراز تقدم فيما يتعلق بالقضاء على مجموعة واسعة من الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، وهي تعتبر ضرورية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وإن مكان إقامة الإنسان يجب ألا يحدد ما إذا كان سيعيش أم لا، ولكن حتى نقضي على وفيات الكوليرا فإن هذه هي الحقيقة المأساوية التي تواجه المجتمعات الضعيفة في دول الجنوب.

* مديرة تطوير اللقاحات والمراقبة وبرامج أمراض الإسهال والأمراض المعوية في مؤسسة "بيل وميلندا غيتس".

«أنيتا زايدي»

back to top