عباس مستعد لرفض خطة السلام... فما العواقب؟

نشر في 24-05-2019
آخر تحديث 24-05-2019 | 00:05
No Image Caption
ربما أضعفت عملية ترسيخ السلطة التي نظمها عباس خصومه في الداخل، مثل حماس، إلا أن من غير المرجح أن تحمي شعبه من العواقب التي قد تترتب على رفض خطة سلام إضافية.
سيرفض الفلسطينيون صفقة القرن إذا لم تستوفِ شروطهم، حسبما حذّر أخيراً وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قبل أيام، واستعداداً للرفض، يعمل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ترسيخ سلطته منذ أكثر من سنة على حساب خصومه. صحيح أن مركزية السلطة قد تبدو استراتيجية فاعلة من الداخل، إلا أنها لن تحمي على الأرجح السلطة الفلسطينية من عواقب رفض خطة السلام المقبلة التي أعدها البيت الأبيض.

التقى عباس الرئيس الأميركي دونالد ترامب أربع مرات بين شهرَي مارس وسبتمبر عام 2017، في حين اجتمعت الوفود الأميركية والفلسطينية أكثر من ثلاثين مرة، ولكن عقب قرار ترامب نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس العام الماضي، قطع عباس الروابط السياسية مع البيت الأبيض، ثم أطلق عباس سلسلة خطوات هدفها ترسيخ سلطته السياسية وتحضير حلفائه السياسيين لمواجهة تداعيات رفض اقتراح السلام الأميركي.

اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني

تُعتبر حركة فتح، التي يرأسها عباس، المجموعة المسيطرة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الهيئة المفاوضة الدولية الرسمية الخاصة بالفلسطينيي، أسست منظمة التحرير الفلسطينية السلطة الفلسطينية كحكومة مؤقتة تماشياً مع ما ورد في اتفاقيات أوسلو، ويرأس عباس هذه الكيانات الثلاثة كافة.

في شهر مايو عام 2018، بعيد نقل الولايات المتحدة سفارتها في إسرائيل من تل أبيب، عقد عباس لأول مرة منذ 22 سنة اجتماعاً للمجلس الوطني الفلسطيني بمقاعده الـ787، وهو الهيئة التشريعية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فانتخب المجلس الوطني مجلساً مركزياً فلسطينياً جديداً من 124 عضواً، ونقل إليه على ما يبدو صلاحيات مهمة، وتبدو إدارة هذا المجلس الأصغر أكثر سهولة في حالة الأزمات السياسية.

عقد عباس اجتماعاً للمجلس المركزي الفلسطيني الحديث العهد في شهر أكتوبر عام 2018. وأصدر هذا المجلس بياناً استهله بإعلان معارضته «صفقة القرن» التي أعدتها إدارة ترامب، مع أن تفاصيل هذه الخطة لم تُنشر بعد، وبإجراء كلا هذين الاجتماعين في رام الله، مدينة يعجز المنفيون الفلسطينيون والكثير من داعمي خصوم عباس في منظمة التحرير الفلسطينية عن بلوغها، ساهم رئيس السلطة الفلسطينية في ترسيخ قاعدته بقوة أكبر.

في شهر ديسمبر عام 2018، عمد عباس إلى حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو مجلس ممثلين عن الشعب في السلطة الفلسطينية. لم يجتمع هذا المجلس منذ انعقاده بعيد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وخلال إعلانه حل المجلس التشريعي، تعهد عباس بتنظيم انتخابات في غضون ستة أشهر، علماً أن هذه ستكون الانتخابات الفلسطينية الأولى منذ 13 سنة، لكن تلك المهلة تنقضي بسرعة، ومع مجلس تشريعي جديد يصوغه عباس على صورته، سيحظى هذا الزعيم الفلسطيني بدعم سياسي إضافي ليُقام الضغط الأميركي أو حتى العربي للقبول بخطة السلام.

ديفيد ماي*

الاستعداد لأمر جلل

في شهر يناير من هذه السنة، ترأس عباس اجتماعاً للجنة المركزية في فتح أوصى خلاله بحل الحكومة التي يرأسها رئيس الوزراء رامي حمد الله، فسارع حمد الله، وهو تكنوقراط لا يحب البروز ترأس الحكومة لست سنوات، إلى الاستقالة، وفي شهر مارس، عيّن عباس محمد أشتية رئيساً جديداً للوزراء، يُعرف أشتية في الأوساط الفلسطينية بأنه شخصية أكثر قدرة وتوافقاً مع الرئيس عباس.

صحيح أن سعي عباس لترسيخ سلطته والتخلص من خصومه ليس جديداً، إلا أن اتخاذه كل هذه الخطوات، وخصوصاً مع مؤسسات كانت خاملة أو متجمدة منذ سنوات، يشير إلى أن الرئيس الفلسطيني يستعد لأمر جلل.

بعد تنظيم بيروقراطية فلسطينية ثابتة، بات عباس اليوم جاهزاً لمواجهة خطة ترامب للسلام، التي يعتقد الفلسطينيون أنها لن تقدّم الكثير على صعيد الاعتراف بآمالهم الوطنية، فلا أحد يعرف موعد الكشف عن هذه الخطة، لكن عدداً من التقارير يشير إلى أنها ستُطرح في مطلع شهر يونيو بعد تشكيل الائتلاف الإسرائيلي وانقضاء شهر رمضان، ومما نراه، ندرك أن عباس يستعد لرفضها.

نزعة الرفض

لا عجب في أن نزعة عباس إلى الرفض وترت العلاقات مع البيت الأبيض، فاتخذت إدارة ترامب خطوات فاعلة لتقنع الفلسطينيين بأنهم سيكونون أفضل حالاً عند التحاور، وخلال مرحلة السياسة الفلسطينية العنيدة هذه، نقلت واشنطن سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وأقفلت السفارة الفلسطينية في واشنطن، وأوقفت تمويل وكالة غوث اللاجئيين الفلسطينيين في الأمم المتحدة «الأونروا»، وقطعت أموال المساعدات عن الفلسطينيين، واعترفت بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. لا نعرف ما إذا كان بالإمكان تفادي أي من هذه التطورات بالتحاور، غير أن الفلسطينيين لم يحاولوا حتى.

تسريب وثائق

هناك وثيقة سُربت أخيراً وتحتوي، حسبما يُفترض، على تفاصيل عن خطة البيت الأبيض بعواقب وخيمة في حال رفض الفلسطينيون هذه الصفقة. ربما أضعفت عملية ترسيخ السلطة التي نظمها عباس خصومه في الداخل، مثل حماس، إلا أن من غير المرجح أن تحمي شعبه من العواقب التي قد تترتب على رفض خطة سلام إضافية.

سعي عباس إلى ترسيخ سلطته والتخلص من خصومه ليس جديداً إلا أن اتخاذه كل هذه الخطوات يشير إلى أنه يستعد لأمر جلل
back to top