واشنطن وبكين تقتربان من حرب باردة شاملة

فخ ثاسيدايديس سوف يبتلع العالم... وعلى كل دولة أن تختار إحداهما

نشر في 24-05-2019
آخر تحديث 24-05-2019 | 00:00
No Image Caption
في هذا العالم البلقاني سوف تتوقع الصين والولايات المتحدة من الدول الأخرى كلها اختيار موقف محدد، في حين ستحاول معظم الحكومات المحافظة على علاقات اقتصادية جيدة مع الطرفين. وبعد كل شيء سوف يحافظ حلفاء الولايات المتحدة على أعمال مع الصين قد تفوق الروابط مع أميركا.
منذ بضع سنوات وضمن الوفد الغربي الى الصين التقيت الرئيس شي جينبينغ Xi Jinping في قاعة الشعب بالعاصمة بكين. وعندما خاطب الرئيس الصيني الولايات المتحدة جادل بأن صعود الصين سيكون سلمياً وأن دولاً أخرى والولايات المتحدة على وجه التحديد ليست بحاجة الى القلق من "فخ ثاسيدايديس" Thucydides Trap نسبة الى المؤرخ اليوناني الذي أرخ حالة خوف إسبرطة من صعود أثينا مما جعل الحرب بين الجانبين أمراً محتماً.

وفي كتابه لعام 2017 بعنوان "الحرب قدر: هل تستطيع أميركا والصين تفادي "فخ ثاسيدايديس؟" يستعرض غراهام أليسون Graham Allison من جامعة هارفارد 16 حالة منافسة سابقاً بين سلطة ناشئة وقوة قائمة ووجد أن 12 من تلك الحالات أفضت إلى الحرب، ومما لا شك فيه أن الرئيس الصيني أراد أن تركز الولايات المتحدة على المنافسين الأربعة المتبقين.

وعلى الرغم من الوعي المتبادل لفخ ثاسيدايديس والاعتراف بأن تكرار التاريخ ليس حتمياً، فإن الصين والولايات المتحدة تبدوان وقد سقطتا في الفخ على أي حال، وعلى الرغم من أن الحرب الساخنة بين القوتين الرئيسيتين في العالم لا تزال بعيدة الحدوث، فإن الحرب الباردة أصبحت أكثر احتمالاً.

الولايات المتحدة تنحو باللائمة على الصين بسبب التوترات الحالية

منذ الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في سنة 2001 قطفت الصين فوائد نظم التجارة العالمية والاستثمار، في حين فشلت في تلبية التزاماتها والتحرك وفقاً لقواعد تلك المنظمة.

وبحسب الولايات المتحدة، فإن الصين جنت ميزة غير عادلة من خلال سرقة الملكية الفكرية ونقل التقنية بالقوة والدعم المقدم إلى شركات محلية وعوامل أخرى ذات صلة برأسمالية الدولة، وفي الوقت نفسه أصبحت حكومتها مطلقة اليد بشكل متزايد وتحولت الى وظيفة التوجيه والرصد والرقابة.

من جانبهم، يشك الصينيون في أن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة هو منع الصين من مد نفوذها الاقتصادي في الخارج، وفي رأيهم فإن المنطقي جداً أن يسعى ثاني أكبر اقتصاد في العالم (بحجم الناتج المحلي الإجمالي) إلى توسيع وتأكيد حضوره على المسرح الدولي، ويجادل القادة بأن نظامهم قد حسّن الرفاهية المادية لـ 1.4 مليار صيني.

وبغض النظر عن أي جانب لديه المجادلة الأقوى، فإن تصعيد الحرب التجارية والتقنية والتوترات الجيوسياسية ربما كان أمراً حتمياً، وما بدا على شكل حرب تجارية أصبح الآن يهدد الدولة بعداء متبادل، وانعكس هذا في خطاب ترامب حول استراتيجية الأمن القومي، التي تفترض الصين منافساً استراتيجياً يتعين احتواؤه على كل الجبهات.

وبناءً على ذلك، شددت الولايات المتحدة بقوة على الاستثمارات الأجنبية الصينية، وبناءً على ذلك قيدت الولايات المتحدة بشدة توسع الاستثمارات الخارجية المباشرة الصينية في قطاعات حساسة ومتابعة أعمال أخرى لضمان هيمنة الغرب في الصناعات الاستراتيجية.

وأفضى ذلك إلى زيادة الضغط على الشركاء والحلفاء لضمان عدم مشاركتهم في مبادرة الحزام والطريق وهو برنامج صيني واسع لبناء مشاريع بنية تحتية عبر الأراضي اليورو- آسيوية (يوروآسيا)، كما أفضى إلى زيادة دوريات البحرية الأميركية في الشرق والبحار الصينية الجنوبية حيث نمت الصين بنشاط أكبر في مجالاتها الإقليمية.

العواقب العالمية للحرب الباردة الصينية الأميركية سوف تكون أوسع من آفاق الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، الذي كان قوة متراجعة بنموذج اقتصادي فاشل بينما الصين تتوسع وسوف تصبح أكبر اقتصاد في العالم في وقت قريب.

والأكثر من ذلك، فإن التبادل التجاري البيني بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كان محدوداً بينما تحتل الصين مركزاً بارزاً في التجارة العالمية وفي عالم الاستثمارات وتتداخل بعمق مع الولايات المتحدة خصوصاً.

ومن شأن مستوى تام من الحرب الباردة أن يثير مرحلة جديدة من العولمة أو على الأقل انقساماً في الاقتصاد العالمي إلى كتلتين اقتصاديتين غير متناسقتين.

وفي ظل أي سيناريو، فإن التجارة بالبضائع والخدمات ورأس المال والعمالة والتقنية والمعلومات سوف تتأثر بحدة والعالم الرقمي يمكن أن يصبح عامل انقسام.

ونظراً لأن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شركات مثل زي.تي.اي ZTE و هاواوي Huawei فإن الصين سوف تجهد لدعم عمالقتها التقنية وتتحول إلى جانب شركاء تجاريين لا يعتمدون على الولايات المتحدة.

حدد موقفك ... في أي جانب انت ؟

في هذا العالم البلقاني سوف تتوقع الصين والولايات المتحدة من الدول الأخرى كلها اختيار موقف محدد، في حين ستحاول معظم الحكومات المحافظة على علاقات اقتصادية جيدة مع الطرفين. وبعد كل شيء سوف يحافظ حلفاء الولايات المتحدة على أعمال مع الصين قد تفوق الروابط مع أميركا.

وعلى الرغم من ذلك، فإن اقتصاد المستقبل الذي تسيطر فيه الصين والولايات المتحدة بصورة مستقلة على التقنيات مثل الذكاء الصناعي والجيل الخامس، قد تصبح فيه الأرض الوسطى غير مأهولة وسوف يضطر كل شخص إلى تحديد اختياره، وربما يدخل العالم في عملية التخلي عن العولمة.

وأياً كان ما سيحدث فإن العلاقة الصينية الأميركية سوف تصبح القضية الجيوسياسية الرئيسية في هذا القرن، والمنافسة ستكون حتمية لكن الجانبين سيديران اللعبة بشكل بنّاء مما يسمح للتعاون في حل بعض المشكلات، ويسمح للمنافسة الصحية في البعض الآخر.

وفعلياً سوف تخلق الصين والولايات المتحدة نظاماً دولياً جديداً يعتمد على الاعتراف بدور القوة الجديدة في رسم قواعد العولمة والمؤسساتية.

أما إذا ساءت العلاقة مع محاولة الولايات المتحدة تقييد تطور الصين واحتواء صعودها، فسوف تستعرض الصين بصورة نشيطة قوتها في آسيا وحول العالم وسوف تترتب على ذلك حرب باردة كاملة لا يمكن استبعادها.

ويبدو أن فخ ثيسيدايدس سوف يبتلع في القرن الحادي والعشرين ليس الولايات المتحدة والصين فقط بل العالم بأسره.

* نوريل روبيني

(ماركت ووتش)

back to top