إن كنا نريد لهذا الوطن البقاء وللشعب الاستقرار والرخاء... فهذه حلول لأغلب مشاكلنا (1-4)

نشر في 19-05-2019
آخر تحديث 19-05-2019 | 00:08
 سعود العرفج الشيخ ناصر ورؤية «الكويت 2035»

فرحنا كثيراً، وأنا شخصياً فرحتي كانت أكبر، بتولي الشيخ ناصر صباح الأحمد منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وإن كان متأخراً، إلا أنه كان قرارا حكيما من قيادة حكيمة تسعى دائما إلى تطوير الكويت.

ولا شك أن الشيخ ناصر، بحكم قربه من بيت الحكم، ومن خلال عمله وزيرا لشؤون الديوان الأميري، كان له دور بارز في مشاريع عدة بالبلاد، ولا ننسى مواقفه مع شركات النقل والنظافة، ودوره البارز مع مجلس الأمة عند رفع أسعار الوقود، والعديد من المواقف الإنسانية والوطنية التي ترتبط بسيرته الطيبة، وصدره الذي يتسع للجميع.

والشيخ ناصر لديه رؤية تنموية شاملة لإعادة بناء الكويت في جميع المجالات، وبناء الدولة المدنية الحديثة، بلا قبلية ولا طائفية ولا مذهبية، ولعل من اللافت إشرافه بنفسه على تنفيذ المشروعات التنموية العملاقة، مثل مدينة الحرير، فقد كانت "ضربة معلّم" تستحق الوقوف معه، وأن نشد على يديه، وندعو له بطول العمر، وأن يشهد بنفسه ثمرات بذور التنمية التي يزرعها اليوم في الكويت الجديدة 2035.

وقبل الحديث عن بناء مدن جديدة، أتمنى أن تبدأ النهضة والتطوير من الكويت ومدنها وضواحيها أولا، لأنه إذا صلح الأصل صلحت الفروع.

وفي رأيي أتمنى تأجيل تنفيذ مشروع "مدينة الحرير" حوالي 5 سنوات، حتى يتم الإعداد الجيد والتخطيط المثالي لهذا المشروع الوطني العملاق، الذي نعقد عليه الآمال بنقلة حضارية واستثمارية كبيرة، والأهم أن نبدأ بتطوير ما لدينا أولاً، ويجب أن يشمل التطوير الكويت كلها كدولة ويبدأ بالإنسان، فالبداية يجب أن تعنى بتطوير مجتمعنا أخلاقيا وتربويا وعلميا، ثم يأتي تطوير البنية التحتية والنظم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، ولابد من نسف المنظومة القديمة المترهلة، ووضع أسس جديدة للبناء والنهضة تبدأ من الإنسان وتنتهي لخدمته ورفاهيته، لأن الإنسان هو صانع النهضة، والشباب هم عماد التنمية.

ولابد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: ما الذي سيجذب المستثمر الأجنبي لكي يأتي إلى الكويت، في ظل وجود مدن استثمارية كبيرة وجاذبة للاستثمار العالمي، مثل سنغافورة وماليزيا ودول شرق آسيا، وفي دول الخليج مثل "الدقم" في عمان ومناطق سياحية في أبو ظبي ودبي، وهذه المدن أكثر تطورا من الكويت، وتقدم تسهيلات كبيرة للمستثمرين؟

وعلى الصعيد الشخصي مع الشيخ ناصر، فقد زرته في مكتبه بعمارة الأسماك قبل 38 سنة، وقدم لي المساعدة وما قصّر معي، وأنا لن أنسى له ذلك الموقف، الذي كان بداية نجاحي في أعمالي.

لذا أضع هذه الدراسة بين يديه، والتي تتضمن أفكاراً قد تشكل حلولاً لكثير من مشاكلنا المزمنة، بحكم خبرتي وعلاقاتي وتجاربي في العديد من دول العالم المتقدمة.

الكويت قديماً

في الستينيات والسبعينيات كان أبناء الكويت جميعهم عائلة واحدة، وما كنا نعرف ولا نرى النعرات القبلية والمذهبية، كان أهل الجهراء والشرق وأهل الجبلة أسرة واحدة، ديوانياتهم مفتوحة في جميع المناسبات، وفي عاشوراء كنا نذهب ونأكل مع بعض، والجميع يتشارك الأفراح والأحزان، وكان لدينا أفضل وأكفأ المعلمين، والمدارس والمباني التعليمية النموذجية، كانت الكويت درة الخليج، وكنا ملوك الكرة الآسيوية... فما الذي حدث؟

إن الشعب الكويتي معروف منذ القدم بتماسكه وحبه الشديد لوطنه، وتمسّكه بحكومته الرشيدة وحكم آل الصباح، وأتذكر عندما كان والدي ضمن التجار الكويتيين في بومباي، كنا نذهب إلى دار الصباح في- مارين درايف- وكان المرحوم الشيخ عبدالله السالم في يوم العيد يعطينا العيدية، وهذه علاقة متجذرة وتاريخية بين الشعب الكويتي وأسرة الصباح.

التطور والنهضة الصناعية

قبل 50 سنة كانت سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية، وكذلك الصين، جميعها كانت دولا فقيرة، لا موارد طبيعية لديها ولا نفط، لكنها أصبحت من أكبر دول العالم اقتصاديا، لأنها اهتمت ببناء الإنسان، لأن الإنسان هو الذي يبني النهضة والتطور في كل مجالات الحياة.

لو نظرنا إلى الكويت منذ الاستقلال عام 1961، وإلى عام 2019 قرابة 65 سنة، ماذا فعلنا بإيرادات النفط التي تقدر بالمليارات؟! نعم بنينا مجمعات ضخمة وأبراجا سكنية عالية من الطابوق والخرسانات، لكن مع الأسف، لم نعمل على بناء الإنسان الكويتي وتنمية قدراته وتطويرها.

لذا، وكما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان- خلال لقاء تلفزيوني مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري: "إن النهضة والتنمية والتطوير التكنولوجي وامتلاك أدوات العصر الحديث ستبدأ من الخليج، وسوف ندشن عصر النهضة الخليجية".

وكي يتم ذلك نتمنى على قيادات الخليج العمل على حل الخلافات (الخليجية- الخليجية)، وحلّ مشكلة "المنطقة المقسومة" بين الكويت والسعودية، لإعادة إنتاج النفط والغاز في هذه المنطقة، وهذا تحدّ كبير للأطراف التي لا تريد الخير لبلادنا، لنرى بعد ذلك تباشير نهضة خليجية حقيقية شاملة بسواعد شباب دول الخليج، ولكي يثبتوا أن الشباب الخليجيين قادرون على تحدي العالم والنهضة ببلادهم.

والله ثم والله إذا ما لحقنا أنفسنا، فسوف نكون من أدنى الشعوب في العالم، لذلك أرى أن تكون رؤيتنا للمستقبل القريب تمتد إلى 2040 كأدنى زمن نستطيع خلاله تنفيذ رؤية الكويت التنموية الشاملة في مختلف المجالات.

نحن في الكويت نعاني كثيرا المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، ومشكلة البدون، وتزوير الجناسي، والتعليم، والطلاق، والفساد، والبيئة، والتطرف... وهذه المشكلات وغيرها يجب النظر فيها والعمل على حلّها فورا، وهنا سأطرح بعض الحلول بشيء من التفصيل لكل مشكلة:

أربعة مسارات لحل مشاكل الوطن

ليس هدفي من الكتابة النقد، بل تسليط الضوء على بعض المشكلات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والأمنية وغيرها، التي نعانيها في الكويت، ورأيت أن من واجبي كمواطن ورجل أعمال، أن أطرح حلولاً لهذه المشكلات من واقع تجارب الكثير من الدول المتقدمة التي اطلعت على قصص نجاحها في حل مشكلاتها، وكنت أتساءل: متى سيأتي الزمان ونرى الكويت، هذا البلد الصغير في حجمه الكبير في تطلعاته وتأثيره الإقليمي والدولي، يواكب هذه الدول المتقدمة؟! خصوصاً الدول الأوروبية والاسكندنافية واليابان؟

وعندما كنت أذكر لأي شخص أجنبي أنني من الكويت، كان يقول لي "أنت من بلد غني!"، وهو لا يدري أننا أغنياء بالنفط فقط، فقراء في جميع المجالات، ولا سيما في التعليم، والأخلاق، والصناعة، والتطوير، والتنمية، على الرغم من أن تعدادنا لا يزيد على مليون وثلاثمئة ألف نسمة! وما زلنا نعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل منذ أكثر من 60 عاماً، ومع الأسف طوال هذه الفترة لم نتقدم خطوة إلى الأمام، ولم نخطط للمستقبل بالشكل السليم لبناء الإنسان الكويتي، بل تراجعنا ونستمر في التراجع مقارنة بدول العالم المتقدمة، وكذلك مقارنة بدول الجوار والخليج، وأنا أملي أن يتصدى النائب الأول وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد، لهذا الوضع المتأخر، وتدب الحيوية والتنمية في كل جوانب الحياة الكويتية خلال رؤية الكويت 2035.

تذمر شعبي

لا شك أننا نمر بأيام صعبة من عدة نواح، ودلالاتها واضحة للعيان، بداية من تذمر المواطنين بسبب تفشي الفساد، وغلاء الأسعار، وغياب المساواة، وعدم تكافؤ الفرص، وتفشي المحسوبية والواسطة، وتردد شائعات عن مشاكل بين أبناء الأسرة، وانتشار النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية البغيضة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهي من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا الكويتي، الذي جُبل على الحب والتسامح والتعايش بين كل أطيافه وطوائفه.

إن الوقت ليس في مصلحتنا مع استمرار نزيف هبوط أسعار النفط، لأسباب عديدة، منها زيادة إنتاج النفط الخام، ومنافسة النفط الصخري الأميركي، وضخ كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال (LNG) من إيران، وقطر، والجزائر، وروسيا، وأميركا ودول أخرى، والتوجه العالمي نحو استخدام الطاقة البديلة، خصوصاً أن العراق سيصل إنتاجه خلال السنوات الخمس القادمة إلى ما بين 10 و15 مليون برميل يومياً، وباعتقادي أن أسعار النفط لن تعود إلى سابق عهدنا بها، وهذا ما قالته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي خاطبت دول الخليج للتكيف مع "عصر النفط الرخيص".

ولعل افتتاحية "القبس" بتاريخ 23 ديسمبر 2018 تحت عنوان "حتى لا نفلس" جاءت تأكيداً لهذا التخوف من المستقبل القريب.

إن الارتفاع الحالي في أسعار النفط هو مؤقت، لظروف نعلمها جميعاً، ومن يعتمد على صندوق الأجيال القادمة (FGF) فهو مخطئ، خصوصاً أن نمط المعيشة في المجتمع الكويتي ربما لا يكفيه رصيد "الاحتياطي" كله 3 أو 4 سنوات فقط، فماذا نحن فاعلون؟!

نحن أمام إنذار حقيقي بالخطر، يتطلب التفكير الجاد والشروع الفوري في خطة إنقاذ الوطن، في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا العربية، والصراعات التي توحي كأننا في شريعة الغاب التي يأكل القوي فيها الضعيف، والتغيرات الجيوسياسية المستمرة، لذلك يجب أن نكون على مستوى الأوضاع الصعبة التي تنتظرنا، ونواجهها بقفزة جريئة إلى الأمام!

ومن وجهة نظري، التي هي حصيلة نحو نصف قرن مع العمل والخبرة والاطلاع على تجارب العديد من دول العالم المتقدمة، أرى أن خطة العلاج تأتي على 4 مسارات: الأول سياسي، والثاني اجتماعي، والثالث اقتصادي، والرابع أمني.

أولاً: المسار السياسي: ضرورة التطور الدستوري

تطرح بين فترة وأخرى أفكار حول ضرورات التطور الدستوري لمواكبة التحولات الكبيرة في مجتمعنا وإقليمنا، بما يعالج المشكلات السياسية والأزمات التي تفاقمت مؤخراً وعطلت عجلة التنمية في البلاد، وأغلبها يعود إلى صراعات أطراف في أسرة الحكم، ومن بين ما يطرح، ولم يناقش بشكل كافٍ، فكرة التحول إلى الملكية الدستورية، بشكل يتواءم مع طبيعة الحكم في الكويت ويضمن الدور الفاعل لرمز الدولة أمير البلاد، فقد أثبت التاريخ نجاح الملكيات الدستورية واستقرارها ونموها في العالم، مثل اليابان، وهولندا، وبريطانيا، وكندا، والدول الاسكندنافية وغيرها، وحتى بعض الدول العربية، تتسم "الدولة الملكية" عادة فيها بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونحن على ثقة بأن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد قادر على العبور بالكويت إلى بر الأمان، لما يتمتع به سموه من حنكة وحكمة ورؤية ثاقبة وخبرة ومعرفة بطبيعة التطورات الإقليمية والعالمية.

ولا ننسى قوة وصلابة الشعب الكويتي وتضحياته عبر التاريخ، في أصعب الظروف، والتلاحم بين الشعب وأسرة آل الصباح، منذ تأسيس دولة الكويت، وفي أخطر الظروف، وقبل معركة الجهراء 1920، مروراً بمناوشات جار الشمال في الستينيات، ووقت الغزو، واحتلال الكويت عام 1990، الذي وحّد كل الكويتيين وجعلهم يتمسكون بشرعية آل الصباح.

وفي ظل القيادة الحكيمة لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، أتمنى مناقشة فكرة "التحول من الإمارة إلى الملكية الدستورية"، في حوار مجتمعي واسع، بتجرد وبعيداً عن الاستنتاجات السريعة، سواء بالرفض أو الموافقة المسبقين، فمن دون طرح الأمور المهمة بجرأة وتجرد، ومناقشتها من قبل الأطراف المعنية بتطوير المجتمع لا يمكننا الخروج من عنق الزجاجة.

السلطة التشريعية

إن مجالس الأمة في الدول المتقدمة تقوم بدورين واضحين، الأول: سن القوانين والتشريعات، والثاني: مراقبة أعمال الحكومة، والبرلمانات في هذه الدول المتقدمة ترسم الخطط المستقبلية لعشرين وخمسين سنة قادمة لبناء الدولة وتطويرها، ومعظم أعضاء هذه البرلمانات مثقفون ويحملون شهادات عليا، ويعرفون جيداً دورهم البرلماني دون ابتزاز أو استغلال للحصانة، وفي دول الخليج مثل السعودية وعمان والإمارات معظم النواب يحملون شهادات الدكتوراه.

أما أعضاء مجلسنا الموقر، فللأسف الشديد أغلبهم يجهل استخدام الأدوات البرلمانية، ويضيّعون وقت المجلس في الوساطات لناخبيهم، ونلاحظ في أغلب الجلسات نائباً يحمل ملفاً ويتردد به على الوزراء لإنهاء معاملاته، مما أدى إلى عدم المساواة، وإحباط قطاعات كبيرة من المواطنين، وتفشي الفساد والواسطة والمحسوبية، وانتشرت النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية البغيضة، والمثل يقول "إذا ما عندك واسطة أحد الأعضاء شغلك ما يمشي"، وهذا مثال واضح على أن النواب هم الذين يكسرون القوانين، ومن الظواهر السلبية أيضاً "الانتخابات الفرعية" التي تنال من هيبة القانون، أما عن المال السياسي وشراء الذمم والأصوات فحدّث ولا حرج، فـ"إن كنت لا تدري فتلك مصيبة... أو كنت تدري فالمصيبة أعظم".

حلول عاجلة للارتقاء بعمل مجلس الأمة

أولاً: يجب ألا يقل راتب عضو مجلس الأمة عن 15 ألف دينار، لضمان العيش الكريم له ولأسرته، ولغلق باب "المعاشات الاستثنائية" وعدم تعارض المصالح.

ثانياً: نحن في القرن الـ21 والعالم من حولنا يتطور بشكل سريع ومذهل، ونحن مازلنا على "طمام المرحوم"، لذلك يجب تعديل قوانين الترشح لعضوية مجلس الأمة، بحيث تشترط أن يكون المرشح متعلماً، ويحمل شهادة "الثانوية" على الأقل، حتى يكون على دراية وفهم بتفاصيل الأمور البرلمانية.

ثالثاً: إنشاء مكتب خاص بشؤون النواب يتبع مباشرة وزير شؤون مجلس الأمة، على أن يبدأ عمله فوراً، وتنتهي العلاقة المباشرة بين النواب والوزراء، ونقضي على الابتزاز السياسي ومساومة بعض الوزراء وتهديدهم بالمساءلة النيابية ما لم يوقعوا على معاملات النواب!

رابعاً: يجب إضافة منهج جديد في المدارس الثانوية والجامعة، اعتباراً من السنة المقبلة، تحت مسمى "مبادئ الديمقراطية"، لتعريف الطلاب ما معنى الديمقراطية، وما السلطات الثلاث وعلاقتها ببعضها، والتعريف بدور وطبيعة عمل عضو مجلس الأمة، في الرقابة والتشريع، ولكي يعرف المواطن كيف يختار النائب الذي يمثله تحت قبة عبدالله السالم.

يتبع غداً،،،

back to top