الصراع المعتمل بين الولايات المتحدة وإيران

نشر في 17-05-2019
آخر تحديث 17-05-2019 | 00:00
No Image Caption
عادت طبول الحرب لتُقرع مرة أخرى، إذ توجهت مجموعة حاملة طائرات أميركية نحو الخليج العربي لتنضم إليها راميات قنابل من طراز بي-52 بعد مواجهة تهديدات غير محددة من إيران. أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون أن أي اعتداء على الولايات المتحدة أو حلفائها «سيُجابه بقوة حازمة». في المقابل، ذكر روحاني في طهران أن إيران ستوقف تقيّدها بشروط الصفقة النووية التي وقعتها مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى والتي التزمت بموجبها بقيود صارمة على برنامجها النووي مقابل التخفيف من العقوبات الاقتصادية، فتبدو إيران اليوم متأهبة لتستأنف مسيرتها البطيئة إنما الراسخة نحو القنبلة، مما يمنح الصقور الأميركيين مثل بولتون المزيد من أسباب التشكي.

قبل أربع سنوات فقط، كانت الولايات المتحدة وإيران تسيران على درب مختلف، وبعدما عرض أوباما مد يده إذا «فتح القادة الإيرانيون قبضتهم»، خاض الطرفان مفاوضات أفضت إلى الصفقة النووية. كان يُفترض بهذه الصفقة أن تؤخر برنامج إيران النووي لأكثر من عقد من الزمن، وهذا بحد ذاته إنجاز، فضلاً عن خرق دوامة التهديدات والتهديدات المضادة التي كبّلت العلاقات الأميركية-الإيرانية منذ الثورة الإيرانية قبل أربعين سنة.

فات الأوان على الأرجح لإنقاذ الصفقة النووية التي تُعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة، وفي حين يسير روحاني ببلده نحو شفير الهاوية، يفكّر في ثلاث مجموعات من المتفرجين: الأولى المتشددون في وطنه الذين يمقتون الصفقة النووية ولطالما ضغطوا عليه لخرقها. يبدو أنه استرضاهم في الوقت الراهن. ففي السابع من مايو، جاء في الصفحة الأولى من صحيفة محافِظة متشددة: «إيران تشعل ثقاباً لتحرق خطة العمل المشتركة الشاملة». كذلك يحاول روحاني دفع الشركات الأوروبية إلى الانفصال عن الولايات المتحدة، مع أنه لن ينجح. صحيح أن الاتحاد الأوروبي حاول تصميم آليات تسمح للشركات الأوروبية تفادي العقوبات الأميركية، إلا أنها قررت بمعظمها أن السوق الأميركية أكثر قيمة بكثير.

لكن مجموعة المتفرجين الأكثر أهمية بالنسبة إلى إيران تبقى الولايات المتحدة، التي تلعب معها على ما يبدو لعبة قديمة، لطالما اعتبر القادة الإيرانيون البرنامج النووي بطاقة مقايضته الفضلى مع الغرب. صحيح أنهم ادعوا أنه سلمي، بيد أن المفتشين توصلوا إلى ما يكفي من الأدلة لتأكيد العكس. لا تختلف التكنولوجيا سواء كانت الطاقة أو القنبلة هي الغاية، وتستطيع أجهزة الطرد المركزي في إيران إنتاج قنبلة في وقت أقصر مما تحتاج إليه العقوبات للإطاحة بالنظام، حسبما يحلل المتشددون، لكنهم يحملون سيفاً ذا حدين، فلا فائدة بالتلويح بتهديد تطوير سلاح نووي إذا لم يبدُ هذا التهديد حقيقياً، وإذا بدا كذلك، يزيد احتمال استفزاز الولايات المتحدة أو إسرائيل ودفعهما إلى تنفيذ عمل عسكري.

يُعتبر احتمال ارتكاب خطأ في الحسابات اليوم كبيراً ومتفاقماً، إذ يتمركز الجنود الأميركيون على بعد كيلومترات قليلة من القوات المدعومة من إيران في العراق وسورية، كذلك تقف سفن الولايات المتحدة الحربية وجهاً لوجه أمام الدوريات الإيرانية في الخليج العربي. كذلك صنّفت الولايات المتحدة أخيراً حرس الثورة الإيراني مجموعة إرهابية لتقوم بعد ذلك إيران بالمثل مع القوات الأميركية في الشرق الأوسط.

ويؤكد المسؤولون من كلا الطرفين أن نيتهم سلمية، ولكن مَن يصدقهم؟ تبدو الاتهامات الأميركية بأن إيران تخطط لمهاجمة القوات الأميركية وحلفائها في الشرق الأوسط غير محددة على نحو مريب، وقد تكون أعمال العنف التي ترتكبها مجموعات تابعة لإيران الاستفزاز الذي يدفع بالولايات المتحدة إلى شن ضربة عسكرية.

قال بومبيو ذات مرة إنه يفضل الطلعات الجوية الأميركية على المحادثات النووية مع إيران، كذلك كتب بولتون مقالاً في عام 2015 في صحيفة نيويورك تايمز عنونه: «كي نوقف قنبلة إيران، لنرمها بالقنابل»، وحتى روحاني نفسه لا يبدو مقتنعاً بأن الاستفزاز والتصعيد يشكلان الطريق الأفضل للمضي قدماً.

ستؤدي دولة إيرانية نووية إلى انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، أما الضربة العسكرية، فلن تدمّر المعرفة النووية الإيرانية، بل على العكس ستدفع الإيرانيين إلى مواصلة برنامجهم في السر، مما يجعل مهمة مراقبته مستحيلة ويزيد الوضع خطورة. إذاً، الحل الدائم الوحيد تجدد المفاوضات، وفي هذه الحالة، يكون على ترامب، الذي ينتقد بشدة حروب الولايات المتحدة في الخارج، أن يبقي أمثال بولتون منضبطين، علماً أنه سيواجه الضغوط من السياسيين المتشددين في الداخل والمعارضة من دول المنطقة، وخصوصاً إسرائيل.

لكن عقد الصفقات ميزة ترامب الأبرز، فقد أعرب الرئيس عن قدرة كبيرة على تبديل اتجاهه فجأة، تماماً كما حدث مع كوريا الشمالية، فلا يود ترامب خوض حرب جديدة، حتى لو شكّل التعاطي مع إيران بصرامة جزءاً من صورته العامة، ويستطيع الأوروبيون مساعدته بحض إيران على مواصلة الالتزام بالصفقة وإدانتها إذا تخلت عنها.

أعلن روحاني، الذي رفض ترامب في السابق، أنه مستعد اليوم للتحاور مع موقعي الصفقة الآخرين إذا شكّل الاتفاق الحالي الأساس، إلا أن هذا الطرح لم يلقَ حتى الآن القبول من إدارة ترامب، لكن هذا الوضع يجب أن يتبدل، فمع تفاقم خطر نشوب صراع، ينبغي لكل الأطراف أن تعود إلى طاولة المفاوضات.

back to top