مناورة القوى العظمى في فنزويلا

نشر في 15-05-2019
آخر تحديث 15-05-2019 | 00:00
 ريدل فاز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية عام 2016 متخذاً من عبارة "جعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً" شعاراً لحملته، وسواء كانت تهم التآمر صحيحة أم لا، فقد اتضح آنذاك أن موسكو وروسيين كثراً يفضلونه على هيلاري كلينتون.

يشير أحد التفسيرات التي تعلل دعم الكرملين ترامب إلى أنه نسخة أميركية حقيقية من فلاديمير جيرينوفسكي، سياسي مستفِز يهوى الاستعراض يترشح في كل انتخابات رئاسية روسية ويُظهر مدى سوء الخيارات المتوافرة وإثارتها للشقاق، إذا لم يصوّت الروس لفلاديمير بوتين.

إذاً، دعم الكرملين ترامب لأنه اعتقد أنه سيضعف الولايات المتحدة ولا يجعلها عظيمة، وتوضح الأحداث الأخيرة في فنزويلا، آخر بلد يعلق وسط المنافسة الجيو-سياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، لمَ قام الكرملين برهان مماثل.

ينازع النظام البوليفاري بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو منذ أكثر من سنة، حيث هرب الملايين من البلد، وتحولت عمليات الاعتقال الجماعي إلى حدث شبه منتظم، كذلك تراجع إنتاج النفط بحدة، واجتاحت المجاعة ونقص الأغذية البلد، وفي الثالث والعشرين من يناير، تحركت المعارضة الفنزويلية المتحالفة مع الولايات المتحدة، فأعلن رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو نفسه الرئيس الفعلي الشرعي.

نُفذت هذه الخطوة بدعم من الولايات المتحدة وتنسيق معها، وفي يوم واحد لم تعترف واشنطن وحدها بشرعية غوايدو، بل حذا حذوها معظم حلفائها، وسارع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أعلان أن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل في الأزمة إذا دعت الحاجة، حتى إنه أشار إلى مبدأ مونرو، الذي يعتبر أن لواشنطن وحدها الحق في التدخل في أميركا اللاتينية.

فازت المعارضة الفنزويلية في الانتخابات البرلمانية عام 2015، محققةً أكثرية كبيرة، فمنحها هذا الانتصار أكثرية دستورية تبلغ 109 مقاعد في مجلس يضم 167 مقعداً، ولم تشكّل هذه ضربة حظ، بل بلغ الإقبال على صناديق الاقتراع 74%، علماً أن هذا رقم قياسي بالنسبة إلى انتخابات تشريعية في هذا البلد. جاءت هذه النتائج بعد سنتين من المعاناة في أسواق النفط.

ولكن بعدما سجلت أسعار النفط ارتفاعاً طفيفاً في عام 2017، أراد مادورو تحطيم برلمانه، فنظم انتخابات غير نزيهة وأراد أن يستبدل فعلياً الجمعية الوطنية بجمعية تأسيسية، وفي هذه المرحلة كان باستطاعة إدارة ترامب أن تدعي بشكل مبرر أنها تعمل باسم الشعب الفنزويلي، ففرضت إدارته عقوبات على أعضاء من الجمعية التأسيسية، ورغم ذلك لم تضع إدارة ترامب جدولاً زمنياً لأي عملية انتقالية في فنزويلا.

وأقرت الولايات المتحدة بأن موسكو طرف له مصالح في فنزويلا، فأرسلت في مارس المبعوث الخاص الأميركي إلى فنزويلا إليوت أبرامز لعقد محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إلا أن المفاوضات أخفقت، مع أن ريابكوف قال: "نفترض أن واشنطن تتعاطى مع أولوياتنا بجد"، وأعلن أبرامز: "خرج كلا الطرفين بفهم أفضل لوجهة نظر الآخر"، وهكذا تبدد مبدأ مونرو.

في غضون أسبوع أشارت روسيا إلى أنها مستعدة لاتخاذ خطوات إضافية بغية دعم مادورو، فأرسلت نحو مئة مستشار عسكري على متن طائرتين تابعتين لسلاح الجو الروسي، وصلت هاتان الطائرتان في وضح النهار والتقط لهما الصحافيون المحليون الصور، وعمد ترامب منذ ذلك الحين إلى تصعيد لهجة خطابه بشأن فنزويلا، شأنه في ذلك شأن مسؤولي البيت الأبيض، إما أنه لا يفهم مبدأ مونرو أو لا يؤيده، مع أن بولتون نادى به أخيراً وأبرامز لطالما أيده.

ومن الممكن أن يأمر ترامب في خطوة أحادية الطرف بتنفيذ عمل عسكري في فنزويلا، صحيح أن هذه الخطوة قد تحمل كلفة سياسية كبيرة، إلا أنها قد تمنح ترامب أيضاً دعماً مهماً من المتحدرين من أصول لاتينية في فلوريدا قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2020، ولكن بما أن العوامل الواردة أعلاه تضع واشنطن أمام حالة من الجمود، يصبح احتمال أن تتكبد روسيا كلفة إضافية لدعمها مادورو ضئيلاً نسبياً.

لا شك أن إرسال بضع مئات من الجنود مع سفينة مضادة للغواصات على الأرجح، ومساعدات إنسانية، وخبرات نفطية يستحق العناء لأنه يثير الخلاف في واشنطن وحدها، فضلاً عن أن احتمال الفوز بسيطرة أكبر على نفط فنزويلا واحتياطاتها من الغاز يشكّل مكسباً إضافياً، وهكذا تُظهر الأحداث الأخيرة في فنزويلا أنه عندما تزداد واشنطن انقساماً، وهذا إنجاز يستطيع ترامب نسبه إلى نفسه، تتراجع بحدة كلفة محاولة روسيا إثبات ذاتها وتحدي النظام الجيو-سياسي القائم.

* ماكسيميليان هيس

*«ريدل»

back to top