أزمة المياه والفرص الضائعة (2)

نشر في 02-05-2019
آخر تحديث 02-05-2019 | 00:09
 هاني المير تطرقت في مقالة سابقة إلى أزمة نقص المياه العذبة في العالم ككل، وأوضحت أن الكويت تأتي ضمن أولى الدول التي تعاني شح الموارد المائية، إضافة إلى استهلاكها العالي من المياه لكل فرد مقارنة بالمقاييس العالمية.

كما بينت أهمية استغلال ما يسمى المياه الرمادية كرافد مساند لتعزيز الموارد المائية وتأثير استخدام هذا المصدر والأبعاد الاقتصادية المصاحبة له، والفوائد المترتبة عليه، وشددت أيضا على أهمية الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستغلال هذا المصدر خصوصا في المدن الجديدة، التي ستكون حاضنة أساسية لتزويد الكويت بكميات كبيرة من تلك المياه متى ما تم تجهيز تصاميم البنية التحتية بالصورة المناسبة.

ومع ذلك فإنني مدرك تماما أن عملية إعداد تصاميم البنية التحتية، وما يصاحب ذلك من تخصيص ميزانيات، وما يأخذه التنفيذ من وقت طويل، سيعطل الاستفادة من هذا المصدر الثمين، كما أنني لست متفائلا أساسا بأن ما ذكرته سيلاقي الاهتمام المناسب من قبل المسؤولين نظرا لواقع الإدارة الحكومية المترهلة وبطئها في اتخاذ القرار، وعجزها عن التحرك بالسرعة المناسبة، إضافة إلى ظروف متعددة ستعطل أي تحركات جدية بالاتجاه الصحيح تتمثل بعدم وجود جهة مركزية مسؤولة عن هذه العملية، وميل غالبية المسؤولين في الدولة الى الاكتفاء بما لديهم من مسؤوليات، وعدم المبادرة إلى تقديم اقتراحات أو مشاريع جديدة تفاديا لأي مسؤولية. وبالرغم من كل ذلك فإن من المؤكد أن أهمية هذا الموضوع ستفرض نفسها مع الوقت، ولن يكون هناك مناص من تبنيه، ولكن سيكون ذلك بتكاليف مضاعفة إذا تم عمل ذلك يعد إنشاء المدن، إضافة إلى مسألة بدهية تضعف الاستفادة من الموضوع في ذلك الوقت، وهي عدم تصميم الوحدات في تلك المدن بصورة مناسبة لفصل المياه الرمادية عن مياه المجاري، مما يجعل من عملية تجميع تلك المياه من سابع المستحيلات.

ونظرا لذلك فإن هذا يحتم القيام ببعض الخطوات الاستباقية الضرورية التي لا يمكن تأجيلها، والتي من أولها مسارعة الجهات المختصة، وبالأخص الهيئة العامة للإسكان بصفتها الجهة المسؤولة عن إنشاء وتخطيط المدن والمناطق الجديدة، إلى وضع التصاميم الداخلية للمساكن الجديدة والمرافق العامة مثل المباني الحكومية والمساجد في تلك المدن لفصل المياه الرمادية عن مياه المجاري، وهي تصاميم بسيطة تم استخدامها في دول عديدة منذ فترة طويلة، ولا تستغرق عملية إعدادها واعتمادها فترة طويلة، والعمل على إصدار القرارات التنفيذية الكفيلة بإلزام أصحاب المنازل الجديدة بالتنفيذ وفقا لهذه التصاميم تحت طائلة المساءلة القانونية الشديدة، وذلك حتى يمكن الاستفادة منها متى ما تم مستقبلا وضع البنية التحتية اللازمة لتجميع هذه المياه حتى إن تأخر تنفيذها، كما يجب أن تتضمن التصاميم أيضا وجود خط منفصل في تلك المرافق لتغذية السيفون بالمياه، وبحيث يتم تغذية هذا الخط من خزان خاص لحفظ المياه الرمادية المعالجة.

أما الخطوات الأخرى فهي بدء الضغط على موردي الأدوات الصحية لتوريد المراحيض التي تعمل بالشفط الهوائي (مثل تلك الموجودة في الطائرات) والمنع التدريجي لتوريد المراحيض العادية الحالية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، مما يخفف الحاجة إلى استخدام المياه بشكل عام.

ما أود قوله هو أن غالبية المسؤولين ليسوا مهتمين أو حتى مدركين لأهمية الموضوع، والأمر يحتاج الى تحرك المستويات العليا في الهيئة العامة للإسكان بشكل رئيس لوضع هذا الأمر موضع التنفيذ، كما يحتاج إلى تبنٍّ وطرح جاد من بعض أعضاء مجلس الأمة بعيدا عن المماحكات السياسية، وذلك لما فيه مصلحة الكويت وبناء المستقبل، كما يحتاج قبل كل شيء الى تبني الموضوع من الشيخ ناصر صباح الأحمد بصفته المسؤول عن إقليم الحرير ومشاريع الجزر، والتي ستكون قطعا بحاجة ماسة وأساسية لهذا المورد لتخضيرها، وتخفيف الضغط على المياه العذبة، وتقليل الحاجة الى إنشاء محطات تقطير ضخمة.

back to top