لا هانوي... ولا هونغ كونغ!

نشر في 14-04-2019
آخر تحديث 14-04-2019 | 00:20
 عبدالمحسن جمعة في منتصف القرن الماضي انطلق مشروع المقاومة العربي، بعد هزيمة 1948، وإعلان دولة الكيان الصهيوني، مر ذلك المشروع بخيانات ومؤامرات بين العرب أنفسهم، انتهت بهزيمة 1967، وابتلعت إسرائيل مزيداً من الأراضي والمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية، حتى قامت حرب أكتوبر 1973 التي هيأت الظروف لاتفاقيات السلام في 1979 من القرن الماضي.

وعلى أثر ذلك أعلن رئيس أكبر دول المواجهة العربية أنور السادات نهاية حقبة المقاومة، وبداية مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وجهاد العمل من أجل رفاهية الشعوب ومقاومتها لأعدائها بالفكر والثقافة والابتكار والإنتاج والصناعة! لكن ما بدأ فعلياً في العالم العربي بعد ذلك هو انطلاق عصر المحتكرين وصيادي الفرص، وتحالف رجال الأعمال الانتهازيين مع السلطة وخلط الحكم بالتجارة، وبداية حقبة جديدة من الفساد، ليس في مصر فقط بل في غالبية العالم العربي.

وعندما سقط الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية في تسعينيات القرن الماضي، لبست الأنظمة العربية قناع الإصلاح والديمقراطية، وانطلقت محطات التلفزة العربية الخاصة والصحف في المهجر لتبشر ضمنياً بالانفتاح والحريات، لكنها فعلياً كانت ومازالت تدار من أيادي الحكومات والمخابرات العربية من خلف الستار، فانتهت إلى أبواق للأنظمة الحاكمة يديرها "المطبلون" ومثقفو السلطة دون حريات ولا ديمقراطية حقيقية ولا يحزنون، ونمت لدينا البرلمانات ومجالس الشورى الصورية، والانتخابات المزورة في الغالب، والتي يتحكم فيها المال السياسي والعصبيات العرقية والطائفية، بينما في سويسرا وبلجيكا والهند كوكتيل من العرقيات والطوائف واللغات تتعايش مع بعضها البعض، وتختار حكامها بلا صراعات، فيما لدينا الكردي يريد دولة، والماروني يريد رئاسة الدولة، والعلوي يشرب دماء شعبه من أجل أن يظل في الحكم، وأغلبية تسعى إلى إعادة دولة الخلافة، وقرينتها تريد استيراد ولي الفقيه من إيران!

انتشرت الديمقراطية في كل العالم، وأصبح الأفارقة في مجاهل الغابات يختارون رؤساءهم وحكوماتهم، وفي آسيا القديمة وأدغال الأمازون، بينما نحن العرب نضحك على أنفسنا بالأغاني الوطنية والشعارات الجوفاء والمباني الشاهقة في المدن الهشة التي يعمرها الأجانب، وتنهار مع أي هزة اقتصادية عالمية، وتطلب العون والمساعدة العاجلة.

ومازالت أنظمتنا تقدم نفسها للعالم على أنها عصرية وذات مشاريع تنموية وحضارية، بينما العالم يعلم أنها مستبدة ومتسلطة وكل هدفها هو الحفاظ على الكرسي والاستيلاء على ثروات شعوبها مهما كلفها ذلك من ثمن من مقدرات وطنها ودماء مواطنيها.

نحن العرب أصبحنا عبرة للعالم وخارج التاريخ، بعد أن فشلنا في أن ننشئ دولاً حديثة ومدنية ديمقراطية، أعلنا المقاومة فلم نحقق نموذج هانوي التي ركعت القوى الأعظم في العالم الولايات المتحدة الأميركية، ومن قبلها فرنسا، وخسرنا الأرض ومقدساتنا، ودخلنا عالم المنافسة الاقتصادية فلم نحقق نموذج هونغ كونغ، وأصبحت دولنا مزارع للفاسدين والجشعين والمحتكرين.

back to top