للصبر شروط!

نشر في 11-04-2019
آخر تحديث 11-04-2019 | 00:04
 مسفر الدوسري للصبر شروط، وليس "حدود"، كما غنَّت "الست"، فالصبر لا يمنح بشائره هدايا لكل من افترش زاوية في طريقه، ولا يمكِّن كل منتظر عطاياه من القبض على "مفتاح الفرج" في نهاية المطاف، كما أنه لا يكافئ كل الذين ضاقت بهم السُّبل فلم يجدوا مأوى سوى ساحته، ولا كل مَن سُدت بوجوههم الأماكن ولم يجدوا غير حضنه ملاذا، كل الذين وجدوا الدروب مسدودة وجميع الأبواب موصدة ليسوا بالضرورة كلهم من عداد الصابرين، كما أن الصبر لا يحسبهم جميعا كذلك، فبعضهم لا ينال من صبره مهما طال انتظاره سوى الاستمرار بالتجديف في بحيرة الشقاء، والغوص في أعماق الألم، ومآل انتظاره لقبضة اليأس الموجعة.

مرور الوقت، إن لم يكن هناك حيلة سواه، ليس ضمانة كافية لنيل جائزة الفرج بأي حال من الأحوال، والرهان على لعبة الوقت خاسر لا محالة، ومقامرة غير محسوبة العواقب، ومخاطرة قد تؤدي إلى إفلاس خزينة العمر.

إن الحبس بين قضبان الصبر يتطلب أكثر من مرور الوقت، لتفتح أبواب ذلك القضبان، وشرطاً أهم من عنصر الزمن، واحتساب الأيام العصيبة تحت وطأة المحنة لرؤية النور في آخر النفق. يتمثل ذلك الشرط بالرضا، فالرضا هو الحاسم والرقم الصعب في معادلة الصبر، فإذا لم يقترن الرضا به، فلا يُعد المرء صابرا، ولا يدرج الصبر اسمه ضمن قوائم الإفراج من سجنائه. إن الرضا هو شهادة حُسن السير والسلوك التي لابد أن يحصل عليها المرء، والتي ترفق بطلب الاسترحام للعفو عنه، وإطلاق سراحه من حبس الصبر.

إن هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم رهن اعتقال الصبر، ووضعوا عنوة بين جدران حبسه الباردة، ولم يجدوا مفرا من وضعهم، وبقوا متذمرين ناقمين معبِّرين عن غضبهم بضرب تلك الجدران الصماء البكماء بقبضاتهم والأرض بأقدامهم، ولم يتوقفوا عن كيل الشتائم والسباب لكل لحظة تمر بهم وهم مرتهنون لبرودة الجدران وضيق النفس بينها وقلة الهواء فيها، إنما هم بذلك السلوك يقللون من فرص النجاة من فخ الصبر، ويضيِّقون احتمالات الخلاص من حصار الصبر لهم، ولن يكونوا من المبشَّرين بجنة الفرج، فافتقارهم للرضا يحرمهم تلك المكافأة، ويجعلهم من غير المستحقين لها.

إن الرضا رياضة عقلية، وترويض للنفس يتطلب طاقة كبرى لاحتواء الظرف القاسي وامتصاص الصواعق التي قد تحرق الروح وتحيلها إلى رماد ينتظر هبوب الريح. إنه الحيلة الوحيدة لمهادنة الصبر عندما لا يوجد منفذ من الاختناق، ولا ثقب من حلقة الضيق، هو لا يوسِّع تلك الدائرة الضيقة، لكنه يجعل الروح تتسع لتحتويها، والقلب يكبر ليستصغرها. ولعل عبارة مثل "كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ"، أو "لعل في الأمر خيرة"، أو كما جاء في القرآن الكريم: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم"، أو أي عبارة تحمل نفس المعنى مفاتيح لأبواب الرضا المقفلة، تمهيدا لاستعادة الأنفاس وامتلاك القدرة للتصالح مع الذات.

إن الرضا قرين الصبر الذي نهايته الفرج، وهو طريق السكينة، وليس دليل الاستكانة.

back to top