الشرخ بين ترامب وأوروبا بات اليوم علانية وعنيفاً

نشر في 22-02-2019
آخر تحديث 22-02-2019 | 00:00
كان القادة الأوروبيون يخشون أن تؤدي رسائل ترامب عبر «تويتر» إلى تفكيك الائتلاف عبر الأطلسي الذي ازداد قوة على مدى سبعة عقود، لكنهم تمسكوا بأمل أن تصمد هذه الروابط تحت الضغط، وفي الأيام القليلة الماضية من مؤتمر الأمن السنوي العريق في ميونيخ، صار الشرخ بين أوروبا وإدارة ترامب ملموساً.
لطالما خشي القادة الأوروبيون أن تؤدي كلمات ترامب ورسائله عبر «تويتر» إلى تفكيك الائتلاف عبر الأطلسي الذي ازداد قوة على مدى سبعة عقود، لكنهم تمسكوا بأمل أن تصمد هذه الروابط تحت الضغط، ولكن في الأيام القليلة الماضية من مؤتمر الأمن السنوي العريق في ميونخ، صار الشرخ بين أوروبا وإدارة ترامب علانياً، وغاضباً، وملموساً، وفق الدبلوماسيين والمحللين.

هز مسؤول ألماني بارز طلب عدم ذكر اسمه لأنه ليس مخولاً التحدث في مسائل مماثلة كتفيه، وقال: «ما عاد أحد يصدق أن ترامب يهتم بوجهات نظر حلفائه أو مصالحهم. كُسر الائتلاف».

يحذّر الدبلوماسيون والمسؤولون الاستخباراتيون من أن الخطر الأكثر إلحاحاً يكمن في الشقاقات عبر الأطلسي التي قد تستغلها اليوم روسيا أو الصين.

فما عاد الأوروبيون يعتقدون أن واشنطن ستتبدل ما دام ترامب يعتبر الحلفاء التقليديين خصوماً اقتصاديين والقيادة فرضاً وإملاء، يشكّل كرهه للعمل المتعدد الأطراف والتعاون الدولي تحدياً لجوهر ماهية أوروبا وما يجب أن تكون لتؤثر في العالم.

ولكن فضلاً عن إدارة ترامب، يزداد عدد الأوروبيين الذين يعتبرون أن العلاقات مع الولايات المتحدة لن تعود في رأيهم إلى سابق عهدها، وبغية الإعراب عن التضامن مع أوروبا، شارك أكثر من خمسين مشرعاً أميركياً، من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، في مؤتمر ميونخ للأمن.

جاء التصدي الأكثر بروزاً لواشنطن من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أدلت بخطاب ملتهب على غير عادتها، ومن وزيرة الدفاع في حكومتها أورسولا فون در لاين، حيث تحدثتا عن مخاطر عمل الشركاء الأحادي الطرف من دون مناقشة العواقب مع الحلفاء.

أما نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي تحدث بعد ميركل في ميونخ، فجوبه بصمت مطبق عندما حاول الضغط على الحلفاء للانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، مما شكّل إشارة إلى الغضب المستمر من قرار واشنطن العمل وحدها لتقويض الصفقة، فيعتبر الحلفاء الأوروبيون هذا الاتفاق مهماً للأمن الأوروبي والحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية.

علاوة على ذلك، يشعر الأوروبيون بالاستياء من أن العقوبات الأميركية المتجددة تسيء إلى الشركات الأوروبية أكثر منها إلى الأميركية، فذكرت ميركل أن الانقسام بشأن إيران «يُشعرني بالإحباط»، إلا أنها شددت على أن أوروبا والولايات المتحدة تسعيان في النهاية إلى الهدف ذاته، وأضافت أن الصفقة شكّلت إحدى الطرق للتأثير في إيران، تأثير شعرت بكل وضوح أن واشنطن تبدده.

صحيح أن بنس أثنى في خطابه على ترامب وما دعاه استعادة القيادة الأميركية للغرب، غير أن الأوروبيين غير مقتنعين.

أما ماريتي شاك، عضوة هولندية في البرلمان الأوروبي فصرّحت: «من الغريب التحدث عن القيادة الأميركية للائتلاف في حين أن ترامب نفسه سبب الأزمة، فيعتبر أوروبيون كثر الإدارة الأميركية المسؤول الأول عن التوتر وإضعاف الغرب».

كذلك أفادت ناتالي توتشي، مستشارة بارزة لدى الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، أن الشرخ بالنسبة إلى الأوروبيين «طال جوهر نظرتهم إلى العلاقات الدولية والمصالح الوطنية». وتابعت: «نحن صغار ونحتاج بالتأكيد إلى شراكة داخل أوروبا وخارجها مع حلف شمال الأطلسي»، ولكن هذه أيضاً إشارة إلى الضعف والانقسام الأوروبيين، وأضافت توتشي: «نود أن نصدق أن المسائل ستعود إلى سابق عهدها لاحقاً لأننا لا نملك أي بديل».

يعني كل هذا أن الاعتماد على الولايات المتحدة سيتواصل رغم بحث الأوروبيين عن طرق للحد من اعتمادهم هذا على واشنطن، حسبما يذكر المحللون، لذلك بدأ الأوروبيون، وفق توتشي، «بالقيام بما عليهم فعله»: زيادة الإنفاق على الجيش، ومناقشة تأسيس نوع من الجيش الأوروبي بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، والتفكير بطريقة استراتيجية تضع أوروبا في وجه روسيا والصين، «ولكن لا أحد يعتقد أن هذا ممكن على الأمد القصير»، حسبما أضافت، حتى إن البعض يعتقدون أن هذا غير ممكن البت، وقالت توتشي وآخرون إن الأوروبيين ينتظرون التغيير في البيت الأبيض.

أكّدت فيكتوريا نولاند، مسؤولة أميركية بارزة سابقة: «يحبس الأوروبيون أنفسهم ويعتقدون أن عليهم الانتظار سنتين إضافيتين فقط، وفي الوقت عينه، لا يريدون أن يتخذوا أي خطوات تزيد الطين بلة أو تهين ترامب شخصياً وتزيد خطر مواجهة رد فعل غاضب منه».

بالإضافة إلى ذلك، يحذّر عدد متزايد من الأصوات الأوروبية من أن للخلاف الحالي عبر الأطلسي جذوراً أكثر عمقاً وأنه ما من عودة إلى الماضي.

أوضح نوربرت روتجين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، أن ترامب ليس السبب، بل يشكّل هذا عارضاً لتبدلات تكتونية في العالم الجيو-سياسي قادت إلى عودةٍ إلى منافسة القوى العظمى وقوى الطرد المركزي بعيداً عن التعددية. وقال: «في عهد ما بعد ترامب، ما من عودة إلى ما قبله. ارتكز الوضع القائم سابقاً على ضمان الولايات المتحدة أمن أوروبا. إلا أن هذا لن يحدث مجدداً».

أما جان تيشو، مدير البرنامج الأوروبي في صندوق مارشال الألماني في برلين، فيعبّر عن قلقه من أن تؤدي الفجوة الناشئة إلى ضعف استراتيجي تجاه روسيا والصين، لذلك تواجه الولايات المتحدة «معضلة قوة عظمى»، حسبما يضيف، ويوضح أيضاً أن عليها «الضغط على الحلفاء لبذل جهد أكبر، ولكن يجب أن تكون الرسالة في الوقت عينه: سنكون دوماً إلى جانبكم».

ويضيف تيشو: «لا يدرك ترامب الثمن الذي يدفعه من الناحية الاستراتيجية عندما يندد بحلفائه علانية وصراحة»، وإن كان هنالك من غموض، حسبما يؤكد، فإن روسيا والصين تدركان جيداً أن الضمان الأمني ما عاد قائماً، ويختم تشيو: «عندما تزول الحماية، تصبح عندئذٍ هذه المساحة الاستراتيجية متاحة أمام كل مَن يحاول اقتناصها».

التصدي الأكثر بروزاً لواشنطن جاء بخطاب ملتهب من ميركل عن مخاطر عمل الشركاء الأحادي الطرف من دون مناقشة العواقب مع الحلفاء

الأصوات الأوروبية المحذرة من أن للخلاف الحالي عبر الأطلسي جذوراً أكثر عمقاً وأنه ما من عودة إلى الماضي تزداد يوماً بعد يوم
back to top