نواجه حالة طارئة وطنية اسمها ترامب

نشر في 20-02-2019
آخر تحديث 20-02-2019 | 00:00
 واشنطن بوست نواجه حالة طارئة وطنية اسمها ترامب، إنها قوة التخريب المتهورة العقيمة، فلا يشكّل قراره إعلان حالة الطوارئ رسمياً (لكي يدّعي بناء جدار الحدود غير القابل للبناء) انتهاكاً للدستور فحسب، بل يمثل أيضاً عملا جبانا وطريقة لتفادي غضب آن كولتر، وراش ليمبو، وسائر معلقي اليمين المتطرف.

لنكن واضحين: ما من حالة طارئة، فقد ارتفعت عمليات اعتقال مَن يجتازون بطريقة غير مشروعة الحدود الأميركية-المكسيكية قبل نحو عقدين من الزمن في عام 2000 لتتخطى المليون ونصف المليون سنوياً، لكنها انخفضت بشدة خلال عهد الرئيسين جورج بوش الابن وأوباما، وفي عام 2017 بلغت حدها الأدنى منذ عام 1971. صحيح أن عمليات الاعتقال هذه ارتفعت قليلاً في عام 2018، إلا أنها تخطت بصعوبة 400 ألف.

لا شك أننا شهدنا زيادة في عدد العائلات التي تقصد نقاط الدخول الشرعية لتطلب اللجوء، تلك المجموعات من سكان أميركا الوسطى المعدمين التي يدعوها ترامب "قوافل". بموجب القانونين الأميركي والدولي يملك هؤلاء كامل الحق بطلب اللجوء وخضوع حالاتهم للتقييم، ونكرر مرة أخرى أنهم يأتون إلى معابر شرعية على الحدود لطلب الدخول، أما مَن يغامرون باجتياز المناطق الريفية، حيث يريد ترامب بناء الجدار فقليلون جداً.

ما على الإدارة أن تقوم به في الواقع هو تحسين منشآت ومعالجة ملفات طالبي اللجوء والاعتناء بهم، وإيوائهم إذا دعت الحاجة، لكن ترامب لا يأبه بشأن القيام بالصواب، أو حتى الضروري، فهو يهتم بأنه يلتزم بخطابه العنيف المناهض للهجرة الذي يصنّف المكسيكيين الطالبين للهجرة كـ"مغتصبين" وسكان أميركا الوسطى كأعضاء من عصابة الشوارع "أم-أس 13".

كان أمام ترامب سنتين سيطر خلالهما الجمهوريون على مجلسَي النواب والشيوخ، ورغم ذلك عجز عن إقناع الكونغرس بمنحه التمويل للجدار، لكنه لم يقرر تحويل هذه المسألة إلى مشكلة إلا بعدما حصل الديمقراطيون على القدرة على الرفض، فما كانت استراتيجية المفاوضات التي يتبعها الرئيس (نوبات الغضب، والانسحاب عن الطاولة، والتعبير عن استيائه على "تويتر"، والتسبب بتعطيل الحكومة الجزئي الأطول في التاريخ) لتحقق الهدف منها. قد تظن أنه تعلّم شيئاً عن كيفية عمل واشنطن بحلول هذه المرحلة من رئاسته، إلا أنك ستكتشف أنك مخطئ.

بما أنه ما من حالة طارئة فعلية، حسبما يتضح، فلا شك أن إعلان ترامب وتحويله الموارد من مشاريع مشروعة إلى الجدار سيواجَه في المحكمة، ومن المحتمل أن تبقى أي عملية بناء فعلية معلقة إلى أجل غير مسمى.

لا داعي لبذل الجهد لإعداد عرائض قانونية تعارض خطوة ترامب هذه، يجب أن تكون الحالة الطارئة بطبيعتها ملحة، فعلى سبيل المثال صُنّفت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر حالة طارئة وطنية بكل وضوح، لكن ترامب كان يتحدث عن إصدار إعلان حالة طوارئ بغية بناء الجدار طوال بضعة أشهر، وإذا لم تُعتبر هذه الخطوة ضرورية في شهر ديسمبر، فلا شك أن قاضياً ما سيسأل: لمَ تُعتبر كذلك اليوم؟

يجب أخذ المال للجدار من مشاريع أخرى، علماً أن كلها تحظى بداعمين في الكونغرس وبين الناس، ومن المؤكد أيضاً أن أصحاب المزارع وغيرهم ممن سيخسرون الأراضي بسبب نطاق الجدار الكبير لن يسكتوا.

أما على الصعيد السياسي فيضع ترامب أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في موقف صعب، فقد تدفع رئيسة مجلس النواب نانسي بلوزي (ممثلة كاليفورنيا الديمقراطية) هذا المجلس إلى تمرير قرار رفضٍ، مرغمةً مجلس الشيوخ إلى القبول به، وهكذا يُضطر زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونال (ممثل كنتاكي الجمهوري) وكتلته السياسية إلى اتخاذ القرار إذا كانوا سيدعمون خطوة انتزاع سلطة رئيسة يدركون جيداً أنها غير حكيمة أو سيعارضون ترامب ويخاطرون بمواجهة غضب القاعدة الشعبية الجمهورية.

كان أحد الانتقادات الشديدة التي وُجّهت إلى أوباما أنه اتخذ خطوات تنفيذية كان يُفترض أن تخضع لقرارات الكونغرس، لكن خطوة ترامب هذه تتخطى بكثير ما قام به أوباما وترسي سابقة خطيرة، مما قد يمنع الرئيس الديمقراطي التالي من إعلان حالة طارئة عقب عملية إطلاق نار جماعية وفرض حظر على الأسلحة الهجومية؟ أهذا ما يريده ماكونيل إرثاً له؟

لا يكترث ترامب إلا باسترضاء قاعدته، وهمه ألا يتذكر أحد كيف كان يُفترض بالمكسيك تسديد كلفة الجدار.

* يوجين روبنسون

*«واشنطن بوست»

back to top