القول الفصل... فيما للأفغاني من أصل! (1-2)

نشر في 13-02-2019
آخر تحديث 13-02-2019 | 00:10
يقول د. محمد عبدالقادر أحمد إن قبر "الأفغاني" ظل مجهول المكان في إسطنبول، تائهاً بين ملايين قبور المسلمين في الجبانة بلا معالم، إلى أن نقّب أميركي عن القبر وتعرف على البناء المقام عليه، وأتى ملك الأفغان السلطان محمد ظاهر شاه ونقل جثمانه من تركيا إلى كابل.
 خليل علي حيدر "جمال الدين الأفغاني من مواليد ورعايا أفغانستان، لا إيران كما يزعم البعض!"، هكذا يؤكد الكثير أو معظم الباحثين، بعد اشتداد الجدل حول المسألة. يقول "قدري قلعجي": "اختلف الباحثون في أصل جمال الدين الأفغاني، فقد ذكر الشيخ محمد عبده، أنه أفغاني الأصل، بينما ذكر مصطفى عبدالرازق أنه فارسي الأصل أفغاني النشأة، وأثبت الأستاذ ميرزا غلام حسين، أستاذ اللغة الفارسية في الجامعة الأميركية ببيروت في كتابه "مردان نامي شرق"- مشاهير الشرق- الصادر عام 1929 أن جمال الدين فارسي، وأنه ولد في قرية أسد آباد بين همدان وكتكادر على ضفاف نهر الوند".

( الاتجاهات الفكرية عند العرب، د. علي المحافظة، ه ص71) .

وبالعودة إلى مجلة "العروة الوثقي" التي كان يدير سياستها الأفغاني وكان محررها الأول الشيخ محمد عبده من باريس ابتداء من مارس 1884، وقد أعيد طبع أعدادها عدة مرات، نرى أنه جاء في المقدمة، أن "السيد محمد جمال الدين ابن السيد صفتر من بيت عظيم في بلاد الأفغان، وآل البيت عشيرة وافرة العدد تقيم في خطة كنر من أعمال كابل تبعد عنها مسيرة ثلاثة أيام، ولهذا العشيرة منزلة عليا في قلوب الأفغانيين، وكانت لها سيادة على جزء من الأراضي الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، وإنما سَلَب الإمارة من أيديها "دوست محمد خان" جد الأمير الحالي، وأمر بنقل أبي السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل"، وتضيف مقدمة "العروة الوثقي" أن الأفغاني ولد في قرية "أسعد آباد" من قرى "كنر" سنة 1254 هجرية 1838م، وانتقل بانتقال أبيه إلى مدينة كابل، ودرس علومه الأولية في أفغانستان قبل أن يستكمل دراسته في الهند، ليأتي بعد ذلك إلى الأقطار الحجازية لأداء فريضة الحج، ثم رجع إلى بلاده ليغادرها بعد ذلك، وتقول المقدمة : "أما مذهب الرجل فحنيفي حنفي، مع ميل إلى مذهب السادة الصوفية رضي الله عنهم".

(طبعة القاهرة 1984، المركز العربي للبحث والنشر).

وضع د. محمد عبدالقادر أحمد كتاباً بعنوان "المسلمون في أفغانستان" 1984، فالكتاب إذاً كان ضمن الجهد الدعائي والدعوي للإسلاميين، وربما الإخوان المسلمين في أوج القضية الأفغانية وصعود الأفغان العرب وسطوع نجم المجاهد عبدالله عزام الذي رسخ وجود الإخوان في بلاد الأفغان، وسهل تدريباتهم وطور خبرتهم العسكرية، ولا نعرف بما أمدّ هذا كله تنظيم القاعدة فيما بعد وغيره.

وقد خصص د. أحمد فصلاً في الكتاب للحديث عن "الأفغاني"، إذ كما يقول، "ما أشبه اليوم بالبارحة، فالمسلون في أفغانستان في حاجة إلى أن يعوا آراء ابنهم السيد جمال الدين في الثورة من الداخل على الاستعمار ويقظة الشعوب الإسلامية". وقال كذلك إن ما جعله يضيف هذا الفصل إلى الكتاب الذي أعده في أثناء وجوده في مجال تعليمي ببيشاور في باكستان، تلك "الدعاوى التي أثيرت في الشهور الأخيرة على صفحات الجرائد المصرية والتي تشكك في شخصيته وأفغانيته ومذهبه، وتصفه بالعمالة لروسيا".

ويقول د. أحمد إن "الأفغاني" قد ولد في "أسعد آباد" بمديرية "كنر" بالقرب من كابل من أسرة حنفية المذهب، يتصل نسبها بالحسين بن علي من جهة، لذلك لقب بالسيد، وقد حقق اتصال نسبه بالنبي (صلى الله عليه وسلم) المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي. وينقل عن أقارب جمال الدين أنه لم يتزوج، وأنه "أحب منذ صغره دراسة الفلسفة والعلوم الرياضية". وعندما كان في إسطنبول، يقول د. أحمد اتهمه شيخ الإسلام إثر محاضرة بعنوان "فائدة الفنون والصنائع" بأنه عدّ النبوات من الصناعات، فترك الآستانة إلى القاهرة، ولكن لم يهنأ له المقام كذلك، رغم أن الحكومة المصرية أجرت عليه 12 ألف قرش سنوياً، ولم توكل إليه عملاً معيناً، "فبدأ يعقد الندوات للشباب المصري ممن كانوا يترددون على بيته في الفلسفة والدين والأدب، والكتابة والسياسة". (ص319).

ويضيف الباحث أن القلاقل بدأت من حوله، فبعض علماء الأزهر لم ترضهم آراؤه الفلسفية، كما أن الممثل البريطاني في مصر عارض جهوده السياسية، وأخيراً تم إخراجه نفياً الى الهند.

ويورد الباحث هنا معلومة تستوقف القارئ، ولا مجال لبحثها، حيث يقول إن الأفغاني "خرج من الهند إلى باريس، حيث التقى تلميذه الشيخ محمد عبده، وفي باريس كان يحرر بالاشتراك مع الشيخ عبده جريدة "العروة الوثقي" وكان يصدرها نفر من الهنود المسلمين. ولم يصدر من هذه الصحيفة سوى 18 عدداً.

وفي زيارته الثانية لطهران اصطدم ببعض إصلاحات الشاه، واعتصم بضريح له مكانة خاصة في إيران ويدعى" شاه عبدالعظيم" بالقرب من طهران، وكان يعد ملجأ لا تنتهك له حرمة، وأقام فيه سبعة شهور، ولكن جنود الشاه، يضيف الباحث، "انتهكوا حرمة الضريح وأخرجوه مكبلاً بالأغلال في مستهل عام 1891، وساقوه في الشتاء البارد إلى "خانقين" على التخوم بين فارس وتركيا وألقوا به".

ويقول الباحث إن الأفغاني سافر من تركيا إلى إنكلترا، ثم عاد حيث نزل ضيفاً على السلطان عبدالحميد الذي أرسل له دعوة، وهناك أجرى عليه السلطان معاشاً شهرياً قدره 75 جنيهاً تركياً وأسكنه منزلا جميلاً بالقرب من قصر يلدز السلطاني، فعاش عيشة الأمراء، وقضى في هذا القصر السنوات الخمس الأخيرة من عمره، لكنه كان يعيش في قفص من ذهب. ويضيف أن الأفغاني توفي في الآستانة في مارس 1897 إثر سرطان أصابه في ذقنه ثم جاوزها إلى سائر وجهه، وقيل إن عدوه "أبا الهدى" حرض على دس السم له.

ويقول د. أحمد إن قبر "الأفغاني" ظل مجهول المكان في إسطنبول، تائهاً بين ملايين قبور المسلمين في الجبانة بلا معالم، إلى أن نقّب أميركي عن القبر وتعرف على البناء المقام على القبر، وأتى ملك الأفغان السلطان محمد ظاهر شاه ونقل جثمانه من تركيا إلى كابل.

يتبع غداً...

السلطان عبد الحميد أجرى معاشاً شهرياً قدره 75 جنيهاً عثمانياً للأفغاني وأسكنه منزلاً جميلاً بالقرب من قصر يلدز السلطاني

مجلة «العروة الوثقي» تذكر أن الأفغاني ولد في «أسعد آباد» سنة 1838م وانتقل مع أبيه إلى مدينة كابل
back to top