اختلاف طهران وموسكو حول سورية ومشاركة مصالح في دول أخرى

نشر في 08-02-2019
آخر تحديث 08-02-2019 | 00:00
قد لا تكون هناك حلول يمكن أن تحقق سلاماً دائماً بين إسرائيل وإيران في الظروف الراهنة على الأقل، وفي ظل قيادتي البلدين، ولكن ما دامت موسكو توافق على القيام بدور المعاقب ويحافظ المسؤولون الروس على دبلوماسية المكوك توجد فرصة في أن يستمر النزاع على شكل توترات متوسطة الشدة.
في 28 يناير الماضي وصل المبعوث الروسي الخاص إلى سورية ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين إلى القدس لإجراء محادثات مع نظيريهما الإسرائيليين حول القضية السورية، وكان يوفال روتم وهو مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية أول من استضاف المسؤولين الروسيين.

وكتب روتم على «تويتر» يقول «أجرينا مناقشات ذات معنى ومعمقة حول طائفة من القضايا الإقليمية»، كما وصف هذه المحادثات بالبناءة، واجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين أيضاً بالوفد الروسي، وتركزت المحادثات حول إيران والوضع في سورية إضافة إلى «تقوية آلية التنسيق الأمني بين الجيشين الروسي والإسرائيلي لمنع حدوث أي احتكاك»، وقال نتنياهو بعد الاجتماع على «تويتر»: «لقد كرر الوفد الروسي التزام موسكو بالحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي «.

وأثناء مناقشة الوفد الروسي للوضع في سورية وإيران تلقى وزير الخارجية الروسي لافروف مكالمة من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وقال الجانب الروسي إن «وزيري الخارجية ناقشا التطورات الراهنة في فنزويلا ولاحظا استعدادهما المشترك للمساعدة في تسهيل التفاهم المتبادل بين القوى السياسية المسؤولة في فنزويلا إزاء المصالح المتعلقة بالحفاظ على السلام الداخلي، وإيجاد حلول للتحديات الضاغطة الاجتماعية والاقتصادية في أقرب وقت ممكن».

وفيما تناولت البيانات الروسية بشكل مختصر العلاقات المشتركة فإن وزارة الخارجية في موسكو لم تذكر قط ما إذا كانت المحادثات تطرقت إلى الوضع في سورية بشكل مفصل.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن الاجتماع في القدس جرى وسط مزيد من التقارير عن خلافات بين موسكو وطهران حول سورية، وتهتم روسيا بتسوية القضايا السورية وتسعى الى عودة اللاجئين واستعادة الأمن والنظام في ذلك البلد، وتهدف إيران الى جعل سورية موطئ قدم ضد إسرائيل، وسوف تسستخدم كل إمكاناتها من أجل تحويل سورية الى دولة شيعية، كما أن القيادة الإيرانية تسعى إلى منع عودة اللاجئين ومعظمهم من السنّة، وقد عزز هذا التكهن بوجود خلافات بين موسكو وطهران.

من جهة أخرى تظهر القراءة الروسية في التركيز على قضية فنزويلا في مناقشات لافروف– ظريف أنها تهدف الى إخفاء الخلافات حول سورية، ولكن يمكن أن تطرح بالمثل وجود أجندة تعاون تشمل تقديم الدعم إلى حكومات تعارض الولايات المتحدة.

وفي غضون ذلك، تقدم الوفد الروسي من القدس إلى رام الله في الضفة الغربية لمقابلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتركزت مناقشات الجانبين حول اتفاقية ممكنة إسرائيلية– فلسطينية (مبادرة سلام عربية) واستعادة الوحدة الفلسطينية، وستركز روسيا على مشروع الوحدة في شهر فبراير الجاري عندما يتوجه وفد فلسطيني الى موسكو لإجراء محادثات، وكان الاجتماع في فلسطين يفترض إظهار أن الأجندة الروسية– الإسرائيلية في المنطقة ليست مقتصرة على إيران.

وعلى أي حال فإن نزع فتيل التوترات الإسرائيلية– الإيرانية لا يزال الشغل الشاغل لروسيا في هذه المرحلة، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية في 23 يناير الماضي «نحن لا نغير مواقفنا في هذا الخصوص وهي مبنية على مبادئ القانون الدولي»، مضيفاً أن على إسرائيل التوقف عن مهاجمة دولة ذات سيادة (سورية) بشكل عشوائي، ثم إن تصعيد العداء في المنطقة في تقديرنا لا يلبي المصالح الوطنية لأي دولة في الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل طبعاً، كما أن من الضروري أيضاً منع سورية التي عانت بشدة من سنوات الحرب الطويلة من تحويل المنطقة الى ساحة لتسوية حسابات جيوسياسية.

وبعد ثلاثة أيام أبلغ نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف وكالة «سي إن إن» بأن المسؤولين الروس لا يقللون من أهمية الإجراءات التي تضمن أمن إسرائيل، وقال إن هذه تمثل أولوية قصوى بالنسبة الى روسيا، ورداً على سؤال حول ما اذا كان ثمة تحالف بين موسكو وطهران في سورية قال ريابكوف «نحن لا نستخدم هذا التعبير لوصف وضعنا مع إيران».

وفي حين تبدو هذه التصريحات مطمئنة بالنسبة الى إسرائيل فقد أثارت موجة غضب يمكن فهمها في إيران، وعلى الرغم من ذلك يتعين ألا يكون ذلك مفاجئاً، وفي شهر أكتوبر الماضي حذر حسين جابري أنصاري وهو مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإيرانية من سوء وصف العلاقة بين موسكو وطهران وقال «روسيا ليست حليفنا الاستراتيجي».

وأضاف «لا نملك علاقة تحالف استراتيجي مع روسيا بل شراكة استراتيجية في مشاريع محددة مبنية على مصالح مشتركة محددة، وعلى الرغم من الاختلافات بيننا نستطيع الاستمرار في هذه العلاقة في المستقبل أيضاً».

وقام أنصاري بزيارة الى موسكو بعد شهرين من هذه المقابلة من أجل إجراء محادثات مع لافرنتيف وفيرشنين حول الجهود الرامية الى تشكيل لجنة دستورية سورية، ولذلك يتعين ألا يعتبر بيان ريابكوف تغيرا في النبرة ناهيك عن كونه مؤشراً على علاقة روسيا مع إسرائيل وإيران، ولكنه يعكس بالتأكيد تحدياً حول الحفاظ على التوازن الهش بين خصمين.

التركيز على كل تضارب في المصالح بين روسيا وإيران لن يوفر الكثير من الأدلة حول درجة الاختلاف بينهما، على الرغم من أنه يظهر وجود ذلك الاختلاف، كما أن العامة تعرف طبيعة تلك الاختلافات منذ زمن طويل ولا تنكر موسكو وطهران ذلك، والأكثر من ذلك أن مثل هذه الخلافات يحتمل أن تزداد في العدد والشدة مع اختلاف نظرة موسكو وطهران إزاء وضع سورية بعد الحرب.

وبالمثل فإن استياء إيران من تردد موسكو في منع الضربات الإسرائيلية على المواقع المفترضة لحزب الله في سورية لن يمنع روسيا من التوسط لمنع حرب واسعة، وتتوخى استراتيجية روسيا وإيران الحذر إزاء العلاقات الثنائية، وتسعى الدولتان إلى تفادي الالتزام السياسي والأخلاقي كما ينص على ذلك «التحالف» بينهما، ولا تتفاديان مصالحهما المشتركة في التعاون في طائفة واسعة من القضايا الجغرافية من آسيا الوسطى وأفغانستان الى سورية وبحر إيجة.

قد لا تكون هناك حلول يمكن أن تحقق سلاماً دائماً بين إسرائيل وإيران في الظروف الراهنة على الأقل، وفي ظل القيادتين في البلدين، ولكن ما دامت موسكو توافق على القيام بدور المعاقب ويحافظ المسؤولون الروس على دبلوماسية المكوك توجد فرصة في أن يستمر النزاع على شكل توترات متوسطة الشدة، وحتى تفاقم هذه الشدة على الأقل.

مكسيم سوخوف

روسيا تهتم بتسوية القضايا السورية وتسعى إلى عودة اللاجئين واستعادة الأمن والنظام في ذلك البلد
back to top