سماح

نشر في 25-01-2019
آخر تحديث 25-01-2019 | 00:02
 دانة الراشد "آسف" هي كلمة الشجعان، أولئك الذين تخلوا عن رعونة (الأنا) في سبيل الحفاظ على المودة. "آسف" هي كلمة من راجع نفسه فأدرك أنه ليس إنساناً كاملاً. "آسف" تسمو بنا ما فوق الجدال العقيم وتلك اللحظات التي قد تطغى فيها غريزتنا البدائية على مشاعرنا الإنسانية، قد نعتذر أحياناً حتى لو لم نكن مخطئين، لكننا نقولها على أية حال لأن قيمة تلك العلاقة أعلى من كوننا على حق أم لا.

"آسف" كلمة رقيقة تحمل ما بين طياتها الكثير من الأمل والتقدير لمشاعر الطرف الآخر، وباطنها الندم ومراجعة الذات. "آسف" هي محاولة لمّ شتات ما تبعثر من خواطر مكسورة. أحياناً قد تأتي متأخرة جداً، ولكن ذلك خيرٌ من ألا تأتي أبداً، فرفقاً بالمتأسفين! فما أندرهم في زمن الفردانية المفرطة التي يعتقد أبناؤها أنهم دائماً على حق، وما أشجعهم في زمن المتهربين عشاق زر "البلوك"! لذا سامح من تأسف منك، حتى إن اضطررت للبحث عن ذلك السماح بداخلك مطولاً.

التسامح رقي لا سذاجة، التسامح حالة سامية جوهرها تقبل هذه الحياة المجنونة بتقلب أحوالها، وإيقان أننا– بني البشر- بعيدون عن الكمال كثيرو الأخطاء والعيوب، بل رؤية الجمال في هذا الضعف الإنساني، فكل منا قطعة فريدة في هذا الفسيفساء البشري؛ لذا فلنرتقِ فوق تلك القوالب الرتيبة وقيود توقعاتنا عما يجب أن تكون عليه الأمور.

التسامح تخطٍّ للألم، وما أصعب التغاضي والنسيان كلما كانت العلاقة أكثر قرباً! لكن الأصعب من ذلك هو التعايش مع الأحزان والحقد، لذا فإن التسامح هو المنفذ الوحيد. سامح وافتح صفحة بيضاء جديدة، لكن استفد من تجاربك السابقة كي تكون أكثر حكمة في اختياراتك. سامح، فما أصعب العيش بقلبٍ مثقلٍ بالأحقاد. سامح كي تستطيع السير قُدُماً.

إن الإنسان العظيم فعلاً هو من يمد يد العون لمن عاداه، ليس ضعفاً بل انطلاقاً من قيم عُليا سامية كالسلام والعطاء لأجل المصلحة العامة، فهل لك القدرة على التعايش مع أعدائك، بل مسامحتهم وإدراك الحكمة من وجودهم في حياتك؟ وهل تملك القدرة على الاعتذار إن أخطأت؟ أم هل تصب جل وقتك في الإسقاط ولوم الطرف الآخر؟

قُم بدورك بالاعتذار الصادق والنقي، لكن كن على دراية بأن هنالك مياهاً قد لا تعود إلى مجراها، وأن هنالك جسوراً يُفضل عدم زيارتها مجدداً. نعم، تحمل مسؤولية تصرفاتك، لكن لا تحمل على عاتقك عبء إصلاح العلاقة في كل مرة والاعتذار في غير محله مراراً وتكراراً فيراك الآخر ضعيفاً، ويرى لطفك وجهودك كحقوق مكتسبة.

سامح، فذلك أسلم لقلبك، وتذكر أن التسامح لا يُلغي حدود الاحترام، فلا ضير من جلسة مصارحة متمدنة تبين فيها أسباب انزعاجك من الطرف الآخر، ستجد أنه في معظم الأحيان لا تكون نيته إيذاءك، بل هو سوء تفاهم فحسب.

"آسف" هي اليد الممتدة التي تطلب السماح، فلا تخذلها.

* "بمجرد ما نؤجل تقديم الاعتذار يصبح الأمر أكثر صعوبة إلى أن يصير في النهاية مستحيلاً". (مارغريت ميتشل)

back to top