أحببت حورية

نشر في 18-01-2019
آخر تحديث 18-01-2019 | 00:00
No Image Caption

صدفة أم قدر« 1 »

الحب، العشق والهوى، هي ما جاءت به الصدفة إليّ، أما عن «الصدفة» فمنها بدأت أحداث قصتي، فهي تشعل فانوس الحياة لتضيء أرواحنا، وتنبت زهور الحياة بداخلنا وتلونها بألوان الطيف السبعة، وتغير مسارات حياتنا كليًّا، فكل شيء يصبح معها أجمل وأعذب.

عندما يسكنك الحب تشعر بنبضات قلبك بل ويمكنك سماعها بوضوح وكأنها ما خُلقت إلا من أجل الحب، تستمع لتلك النبضات كأجراس ساعة بدأت تعمل للتو، فتبتسم وقد أصبحت ابتسامتك في حلة جديدة أكثر جمالاً وصدقاً، فبهجة الحياة تغمرك لتحلّق في سماء الكون الفسيح من نافذة غرفتك، ولترقص وأنت تقف مكانك. هذا التغيير ليس وحدك من تلاحظه، فجميع من حولك يبدون استغرابهم عمّا حل بك وكأن تصرفاتك أصبحت مراقبة وتدعو للريبة، لكنهم لا يعلمون من يختبئ في قلبك ومن هو سر بهجتك وسر عنفوانك. كل شيء كنت تفعله في السابق الآن بطعم الحب أصبح أجمل، حتى أن نظرتك إلى الأشياء من حولك تغيرت عما هي عليه في السابق، أهي الحقيقة؟ فكل شيء جميل! أم أن عين المحب لا ترى إلا الجمال!؟

لا أعلم لماذا؟

أهو ضربٌ من الجنون كما قال أفلاطون عنه: «ما أدري ما الهوى غير أنه جنون»، فبالرغم من ذلك هو يعلم أن هذا الجنون «يجعل الاثنين واحداً»..

جميع الذين عاشوا الحب أقبلوا على الحياة بوجوده، وأقدموا على إنهائها عندما علموا أن الحب رسم طريقه بعيداً عن مساراتهم، متخلياً عنهم. تساؤلات عديدة تراودني وكثيراً ما تثير فضولي، كيف يصيبنا الحب..؟ كيف نؤمن بوجوده في عالمنا ونحن لا نعرف حقيقته وهل ما نشعر به هو الحب ذاته الذي نسمعه بكلمات أم كلثوم ونراه في أفلام الأبيض والأسود، أم هو شيء يفوق كل ذلك؟ هل يتطلب أن نسقط في حفرة ما لنُعلن وقوعنا به، أم أن هنالك فيروساً يتسلل إلى أجسادنا فنصابُ بداء الحب؟ أهو شيء يؤكل أو حتى يُشرب لنضع القليل منه في كأس حتى نرتوي به، ونصبح من بعده مغرمين؟!

عجيب هو الحب: يشبه القمر، مهما بلغ استمتاعنا بجماله يظل جانب منه مظلمٌ محير، كلما اقتربت لاكتشافه والتعمق به سلبك ما استمتعت به، فلو خُلقت في زمن الرومان لحملتُ مظلتي فوق رأسي وارتديت درعاً حديدياً على صدري، خوفاً من أن يصيبني كيوبيد بسهامه تلك، فأضل طريقي وأصبح تائهةً في معابر الحب، فاقدةً السيطرة على نفسي، فلا يهدأ لي بال ولا تغفو عيناي. حينها أرتاد معبد فينوس متوسلة إليها أن تزيدني جمالاً حتى لا ترى عيناه سِواي ولا يبتعد عني، ولبتُّ طالبةً من فورتونا أن تمنحني الحظ في مسار هذا الحب، ولأكملت ما تبقى من حياتي ألعن كيوبيد وأتلمس رضا فينوس وفورتونا .

لكني أحمد الله بأني ولدتِ في زمن بعيداً عن تلك الآلهات وخرافاتها، فلا احتاج لحظ فورتونا ولا لجمال فينوس ولا أخشى من كيوبيد وسهامه، مؤمنة بأن ما يحدث معنا هو من تدبيرات الله لنا وما حدث إلا بسبب ولسبب.

اختياراتنا، قراراتنا، حتى مشاعرنا وأفكارنا، تأخذنا حيثُ تريدُ أقدارنا.

قد يحدث شيء يغير حياتك فجأة، ويجعلك تغير نظرتك إلى المستقبل وتعيد التفكير فيه من جديد، إما أن يكون درساً قاسياً من دروس مدرسة الحياة يترك فيك أثراً لن تنساه ما حييت. وإما أن يضيف شيئاً جميلاً إلى عالمك، كأن تلتقي بأحدهم على مقاعد محطة الانتظار، أو على طاولة أحد المقاهي، وينتهي هذا اللقاء حال مغادرتكما، ظاناً منك أنه «لقاء اللحظة» لقاءٌ استمر للحظات وانتهى.

لكن!!

يحدث أحياناً أن تكتشف بمضي الوقت أن هناك شخصاً يلازمك، يلتصق بك وبأفكارك.

يختبئ بين أحلامك ويظهر جلياً في تقاسيم ملامح مستقبلك.

من يدري علّ ذلك نصيبك ساقه الله إليك كما تريد!!!

أنا من أولئك الذين يعشقون الصدف لأنها قدر منظم يأتينا بكل ما نتمناه..

على سبيل الصدفة « 2 »

الساعة تشير إلى الثامنة وخمس وأربعين دقيقة صباح يوم الخميس. عم الهدوء أرجاء المنزل، بالكاد تسمع موسيقى اليوغا الصادرة من غرفة حور الموجودة في أقصى ركن من المنزل، تلك الغرفة التي تقع في الواجهة الخلفية منه، ذات التصميم العصري؛ فهي تجمع بين دفء الأنوثة وسحرها بتدرجات الأزرق البحري الذي غطى جدرانها، وبواجهتين زجاجيتين تطل إحداهما على حوض السباحة، وتظهر أغصان شجرة الـصفصاف من الواجهة الأخرى تتخللها أشعة الشمس باعثةً بخيوطها الذهبية على أرضية الغرفة الرمادية، أسدلت ستائر الشيفون عليها باللون الأبيض لتوحي بصفاء الروح والسلام.

بعد أن أنهت تدريبات اليوغا بدأت جلسة التأمل، أبقت نوافذ غرفتها مفتوحة كعادتها لا تستمع لشيء عدا صوت الطبيعة مكتفيه به، استلقت على الأريكة وأغلقت عينيها لتبدأ بالتفكير في اللاشيء، لكن صباح هذا اليوم كان مختلفاً إلى حد ما فقد تبادر لحن أنغام فيروز إلى ذهنها، أخذت تستمع لها علها تجد بين كلماتها تفسيراً للأحاسيس التي سكنتها منذ ليلة البارحة، تلك الأحاسيس التي أخذتها إلى بلاد ما وراء الشمس، إلى أرض الأحلام العجيبة لتسبح بخيالها هناك، وهي في قمة تركيزها بدأ صوت فيروز ينخفض رويداً رويداً حتى بدأت تفقد سيطرتها على خيالها وبدأ يتلاشى، هنا أحست بخطوات تقترب منها، أخذت نفساً عميقاً وأطلقته بهدوء ثم فتحت عينيها ببطء، وإذ بها ياسمين جاءت لترحب بها بعد عودتها من السفر.

– فيروز منذ الصباح الباكر!!

– أهلاً ياسمينتي، أتيت بوقتك لنحتسي القهوة معاً.

قالتها والبسمة تملأ محياها.

– متى وصلتِ من ميونخ؟

– البارحة، العاشرة مساءً.

– حمداً لله على سلامتك، وكيف كانت رحلتك؟

– كل شيء حدث كما رتبت له، منذ لحظة وصولي إلى المطار والفندق وحتى مغادرتي من هناك.

– مخططة بارعة كما عهدتك.

قاطعهما صوت جانيت قائلة:

– آنسة حور لقد أحضرت القهوة لكما.

– حسناً جانيت، ضعيها هنا.

– حور! رائحة القهوة هذه تذكرني بالتي تذوقناها في ميونخ.

– نعم لأنها من ذلك المقهى القريب من متحف بيناكوتيك، لقد اشتريت منها وأخبرت جانيت أنْ تعدَّها لنا.

– يا لروعتها، ما زال طعمها بفمي منذ ذلك اليوم. كم أحبك يا فتاة!

قالتها ياسمين وهي تحتضن حور، وتابعت: كيف كانت زيارتك للمتحف؟ فأنا متشوقة جداً لسماع ما حدث معك هناك.

– على مهلك ياسمين سأخبرك، تجولتُ في المتحف بين لوحات روبنز، وكأنِّي أجده يقف بجوار كلِّ لوحةٍ، ويشرح لي متى وكيف رُسمت تلك اللوحات، وما المناسبة الَّتي رسمها فيها، كأنِّي أزور المتحف للمرة الأولى، وكالمرة السابقة تعلمين ما اللوحة التي وقفت أمامها طويلاً.

قالت ياسمين وهي تهزُّ رأسها بالإيجاب:

– لوحته هو وزوجته، عرفتُ بأنك ستجعلينها اللوحة الأخيرة لأن وقوفك سيطول أمامها.

– نعم بالفعل هذا ما حدث، لكن..

– لكن.. ماذا؟

– التقيت بأحدهم هناك صدفةً.

– وهل لذلك اللقاء علاقة بفيروز، التي ما زالت تغني لنا منذ أن أتيتُ إليك وحتى الآن؟

وهي تشير بيدها للجهاز اللوحي.

– يبدو ذلك.

– يا فتاة ذهبتِ لزيارة المتحف، ولتقضي أوقاتاً سعيدة لا أن تُغرَمي!!

ردت حور وهي تضحك، وتسكب القهوة في الأكواب:

– الحبُّ يأتي صدفةً يا عزيزتي.

– انظري لقد توردتْ وجنتاكِ وأنت تتحدثين عنه وعن سيرة الحب، ما كلُّ هذا الخجل؟ هل أنتِ حور ابنة عمي!؟ لم أعرفك وأنتِ عاشقة!!

– ياسمين، يبدو أنِّي التقيت بقدري يا فتاة.

– يا للعجب!

قالت ياسمين وهي تغمز بعينها اليسرى وأكملت: «دعيني أَستجوبك إذاً».

– تفضَّلي، حضرة المحققة.

– هل يبدو وسيماً؟

– نعم.

– عريض المنكبين؟

– اممم لا أعلم ما أعلمه أنه يروقني فقط.

– هل تبادلتما الأحاديث الشخصية، سألكِ عن اسمكِ، عمركِ، من أي بلد أنتِ؟

– لا، حديثنا لم يكن شخصيًّا.

– كيف علمتِ أنَّه قدرك من لقاءٍ واحدٍ، حتى دون أن تعرفي من يكون؟

قالتها وهي ترفع حاجبيها باستنكار.

– كنا منسجمين في الحديث معاً، وقبل أن أغادر قدم لي بطاقته الشخصية وبها اسمه ومعلومات للتواصل معه، في الحقيقة لا أعلم ما هذا الشعور الَّذي جعلني أهتمُّ لأمره لهذا الحد، فهو يشغل تفكيري ولم يغادرني منذ لقائي به، فقد أحسستُ بشيءٍ ما تغير بداخلي منذ اللحظة التي وقف فيها بجواري، كأنَّ حبلاً ترابطت خيوطه، ووصل بيننا.

– مهلاً... مهلاً، بدأتِ تتحدثين بألغازٍ لا أفهمها، لكن منحهُ لكِ بطاقة أعماله تعني أنَّه يبادلك المشاعر، أو دعينا نقول إنه مهتمٌ لأمركِ أيضاً.

– لا عليك منِّي الآن، أخبريني ما سرُّ العقد الذي يحيط بعنقكِ؟

– ماذا به؟

قالتها وهي تمسك بالعقد بيدها اليمنى.

– إنَّه في عنقكِ منذ عدة أيام، أهو يعجبك لهذا الحد، أم إنَّه هدية من أحدهم؟

قاطعتها ياسمين قائلةً بصوتٍ هادئ:

– نعم يعجبني لأنه من عمار.

– عمار! وما المناسبة التي أهداه لكِ فيها؟

– «ألا توجد هدايا تقدم بدون مناسبة» هذا ما قاله لي عندما قدمه لي.

ياسمين هي أقرب شخص إلي في هذا العالم، بالرغم من ذلك لم تفهمْ ما أشعر به تجاهكَ، فمن أُخبر بعدها؟!

لا أحد غيرك... صدقني هناكَ شيءٌ بداخلي يخبرني أنَّك تختلف عن الجميع، فكلُّ الذين التقيتُ بهم منذ وجودي في هذه الحياة، وإلى يوم لقائي بكَ لم أشعر تجاههم بكل هذا الانجذاب الذي حصل بيني وبينك، كأنَّنا اندمجنا داخل هالة واحدة من شدَّة تشابه الجزيئات المكونة لطاقاتنا، والتي تحيط بأجسادنا.

لم نلتقِ عبثاً... صدقني.

نحن على موعدٍ محددٍ من قبل أن نُخلق، فهي صدفة بالنسبة إلينا لأنَّنا لا نعلم بمجريات الغيب، وما هي إلاَّ من ترتيباتِ القدر لنا لنجتمع، ويحدث ما حدث بيننا. لم يكن الشعور الَّذي نشأ بيننا حبًّا من النظرة الأولى بل شيءٌ أعمق أقوى وأصدق، للمرة الأولى ألتقي بكَ في حياتي لكنَّك لست بغريبٍ عنِّي، وكأنَّ روحي أَلفت روحك، والتقت برفيقها الأزليِّ هناك في تلك اللحظة، لتكون أجمل حبٍّ ساقه الله إلى قلبي.

شعورٌ غريبٌ عندما تلتقي بأحدهم للمرة الأولى، لا تريد أنْ ينتهي الوقت، ولا أن يتغير اليوم وتاريخه. تحب الأماكن التي جمعتك به وتشتاقها، ترى اسمه في كل الأماكن، والدنيا تتلون بلونه المفضل. قد تكون جميعها رسائل كونيَّة إليك لتدركَ تماماً بأنَّ هذا الشخص سيشاركك أيامكَ القادمة بتفاصيلها، ويدخل حياتكَ كقدرٍ أتت به الصدفة إليكَ.

back to top