تحالفات السوق النفطي... واختلال الأسواق

نشر في 15-01-2019
آخر تحديث 15-01-2019 | 00:03
No Image Caption
شهد عام 2018 نجاحات لتحالف المنتجين بقيادة منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" والدول المنتجة من خارجها، في التعامل مع وضع السوق النفطي لتحقيق توازنه، واستكمل التحالف إجراءاته في تحقيق ذلك التوازن وفي سحب الفائض النفطي بصورة متكاملة وتعافي أسعار النفط إلى مستويات عكست أساسيات السوق.

لكن تطور مستجدات على الساحة السياسية الدولية، حسب تقرير مركز "استشراف المستقبل للاستشارات والدراسات"، ساهم في إحداث تذبذب بالأسعار، مما استدعى من تحالف المنتجين محاولة التعامل معه بقصد استعادة توازن السوق، وتمثلت تلك المستجدات في وسائل التواصل وكتابة تغريدات (Tweets) تستخدم للمرة الأولى في توجيه إشارات معينة خلقت انطباعات ساهمت بفاعلية في تغير المؤثرات في السوق لأنها تصدر عن أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم، وبالفعل أفرزت هذه الرسائل أجواء أقنعت من خلالها السوق بأن إنتاج إيران سيتوقف تماماً، وأن المنتجين في أسواق النفط لا يستطيعون سد النقص مما رفع أسعار مؤشر (Benchmark) نفط خام برنت إلى 86 دولاراً للبرميل. وتعامل تحالف المنتجين مع ذلك الوضع بإقرار رفع الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً مما ساهم في اختلال السوق مع زيادة المعروض واتخذت أسعار النفط مساراً تنازلياً متسارعاً في أعقاب إعلان الإدارة الأميركية فجأة قائمة إعفاءات بأسماء ثماني دول من أكبر المستوردين للنفط من إيران تسمح لها من خلال تلك الإعفاءات بالاستيراد رغم قرار الولايات المتحدة بفرض الحظر على مبيعات إيران من النفط الخام، مما جعل التحالف يتراجع عن قراره في رفع الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً مع اختلال السوق، وذلك بتبني آلية جديدة تتمثل في خفض المعروض في أسواق النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً من شهر يناير الجاري.

لذلك، تشير كل المؤشرات إلى استمرار حالة الاختلال في أسواق النفط خلال عام 2019 خصوصاً مع تقديرات صناعة النفط والغاز، التي تشير إلى نمو أقل للطلب على النفط خلال العام مقارنة مع عام 2018، في حين سيرتفع المعروض من خارج "أوبك" بمعدلات تفوق معدل النمو في الطلب وتؤكد على ضرورة تقييد إنتاج تحالف المنتجين خلال عام 2019 بشكل كبير لإحداث التوازن، وهذه المؤشرات تعني ضغوطاً على مستويات أسعار النفط الخام خلال هذا العام.

هناك عدد من العوامل، التي ستظل تؤثر في الأسواق ترتكز على السياسات الحمائية التي تنتهجها الدول في التجارة الدولية وانعكاسها على أداء الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، وقدرة إيران على إنتاج النفط على الرغم من استمرار الحظر ومخاطر المواجهة مع القوى الدولية، وآفاق مستقبل تعاون تحالف المنتجين في التعامل مع الأسواق.

وتظهر المعطيات في السوق النفطي أن من غير المتوقع هبوط متوسط سعر بيع النفط الخام الكويتي خلال السنة المالية 2018 - 2019 عن 68 دولاراً للبرميل لمعدل للسنة المالية، وهو بذلك يفوق السعر الافتراضي للموازنة عند 60 دولاراً للبرميل، وإذا ما افترضنا إنتاج الكويت خلال السنة المالية عند 2.7 مليون برميل يومياً فإن الإيرادات النفطية تفي الموازنة وتحقق فائضاً.

وتشير التوقعات إلى أن متوسط سعر بيع النفط الخام الكويتي خلال السنة المالية 2019 - 2020 سيكون عند 57 دولاراً للبرميل واستمرار إنتاج الكويت عند 2.7 مليون برميل يومياً وفق اتفاق تحالف المنتجين.

على صعيد آخر، يبدو أن جهود تأسيس تحالف للمنتجين طويل الأجل وكان من المتوقع أن يحدث خلال الربع الأول من 2019، تحظى بمتابعة من السوق، لكنها ربما تواجه تصريحات منسوبة إلى وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، التي ربما أسيء فهمها، بأنه لا يوجد ما يدعو إلى تطوير التحالف ليتصف بالديمومة، وهو ما قد تكون له تأثيرات سلبية على السوق.

من جهة أخرى، تناقلت وسائل الإعلام، ما تم وصفه بأنه انعطافة خطيرة قد تدخلها أسواق النفط العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، وسط ما كشفه مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، التي أكد من خلالها أن إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيكون مساوياً تقريباً لإنتاج روسيا والمملكة العربية السعودية معا بحلول عام 2025، مشيراً إلى أن هذا سيكون نمواً كبيراً يغير بشكل كامل أساسيات وآليات توازن أسواق النفط مع بروز هذه التحولات.

لكن بالنظر إلى التوقعات الطويلة الأجل عام 2018 التي تصدرها سنوياً وكالة الطاقة الدولية، فإن العالم يحتاج إلى تطوير إنتاج 16 مليار برميل من النفط التقليدي الجديد بين الآن وعام 2025 لضمان سد احتياجات تنامي الطلب على النفط خلال هذه الفترة، وبافتراض عدم استمرار ضمان تدفق الاستثمار لتطوير حجم الإنتاج من النفط التقليدي الذي تحتاجه الأسواق، فإنه يمكن بحث آفاق سيناريو يفترض إمكانية أن يرتفع إنتاج النفط الصخري الأميركي بمعدل يفوق ما تم افتراضه في سيناريو الأساس، بحيث تكون الزيادة المتوقعة بدلاً من أن تكون 4.8 ملايين برميل يومياً في عام 2017 إلى 9.8 ملايين برميل يومياً في 2025، ستكون 15 مليون برميل يومياً في 2025.

ويحمل هذا الافتراض في طياته بلا شك استمرار مخاطر التحديات امام أسواق النفط التقليدي، وتتوقع الدراسة في سيناريو الأساس أن يصل إجمالي انتاج الولايات المتحدة من النفط وسوائل الغاز إلى 18.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025 فيما إنتاج روسيا يصل إلى 11.5 مليون برميل يومياً، وإنتاج السعودية من النفط عند 12.2 مليون برميل يومياً.

الخلاصة، أن ارتفاع المعروض يشكل ضغوطاً على أسعار النفط، مما يؤكد ضرورة الاستمرار في تبني استراتيجيات تضمن تنويع مصادر الدخل والاقتصاد لضمان التأقلم مع المستقبل.

وتستنج الدراسة أنه بحلول عام 2040 لن تكون الصين فقط أكبر مستورد للنفط في العالم، بل أكبر مستورد للنفط في تاريخ صناعة النفط.

كما أن التحرك المشترك بين السعودية والكويت باتجاه وضع حلول عملية لبدء الإنتاج من المنطقة المقسومة، يدخل ضمن مصالح منظومة مجلس التعاون الخليجي ولابد من أخذ اعتبارات السيادة في الحسبان، والوصول إلى قرار بهذا الشأن يطمئن الأسواق حول أمن الإمدادات في السوق وانطلاقا من اعتبار الأمن الاستراتيجي، الذي تمثله منطقتنا بالنسبة لأسواق العالم.

back to top