وجهة نظر : إلى الوزير الجديد

نشر في 01-01-2019
آخر تحديث 01-01-2019 | 00:30
 د. عبدالسميع بهبهاني لوزير النفط في القطاع النفطي مسؤوليته القانونية أمام المواطن والدولة، وأرى أن رسم استراتيجية الدولة لهذه الغلة الثمينة وحمايتها -أعني النفط- لا تزال بيده. وأنطلق بنصيحتي من هذا المنظور فأقول: إنه رغم أن المخزون النفطي الكويتي العملاق (104 مليارات) لا يتناسب مع مساحة دولة الكويت (17 ألف كيلو متر مربع)، فهو فائض عن تعداد السكان (أربعة ملايين نسمة)، مما يشعر المواطن بالطمأنينة له ولأجياله.

في الوقت نفسه، فإن هذا الشعور ترتب عليه إهمال أمور فنية وإدارية للقطاع، مما سبب دماراً لبعض الحقول وهدرا لجدوى مشاريعها الاستراتيجية. إن مخزون النفط مضمون ومؤمن من ناحية الكم، ولكن برأيي هناك قيمة إضافية لمخزونات نفط الكويت تستوجب «تثبيت الإنتاج، الحالي، ورفع قيمته». إن إنتاج الكويت 2.7 مليون برميل يومياً، بقدرة احتياطية حوالي 500 ألف برميل (20%) قد حقق احتياج الميزانية منذ عشر سنين مضت، بل جعله فائضاً. فزيادة الإنتاج عن هذا الحد وتحوله الى كاش نقدي يحتاج الى استراتيجية استثمارية من الدولة لا يقل مردودها عن 20%، وإلا تحولت الى حساب جارٍ (2-1%) أو إلى مشروعات فاشلة. وحينئذ، فإن بقاء النفط في الأرض يعطي مردودا أعلى، حيث ارتفاع سعره قادم لزيادة الطلب عليه. وفي تصوري أن الدولة بحاجة إلى زيادة قيمة النفط الخام قبل استخراجه، عن طريق:

● تحويله إلى منتج ذي قيمة أعلى، كالبتروكيماويات ومشتقات الطاقة النظيفة والمشتقات ذات الطبيعة الاستهلاكية؛ حيث ما زال هناك شح عالمي لهذه المصادر يقدر بـ 40% من احتياج العالم إليها. ورغم إلمام المؤسسة بهذه الحاجة، فإن عدم الجدية أفقد الكويت فرصاً كثيرة لإنتاجها أو تسويقها، ولا أدل على ذلك من مشاريع الداو وفيتنام والدقم وغلق ميناء الشعيبة وتأخير مجمع الزور... إلخ.

● كلفة برميل النفط الكويتي: فرغم أن كلفة البرميل الكويتي هي الأقل في العالم (8 دولارات)، فإن 80% من رخص الكلفة هو نتيجة طبيعة مكامن المخزون وسهولة استخراجه. فلو راجعنا الكلف الرأسمالية للمشاريع النفطية فسنجدها مضخمة جدا بالنسبة للمقياس العالمي؛ من مسوحات مكررة ومعدات لا داعي لها وأخطاء تشغيلية سببت أعباء مالية مضخمة، وغيرها الكثير كتجارب الانتاج الثانوي والثلاثي وكالاستشارات غير ذات النفع وكشبكة الأنابيب الموصلة نفط الشمال إلى المصافي الجنوبية، الأحمدي وميناء عبدالله!

● الكلف التشغيلية: إذ إن نسبته فاقت نسبة نظيره البرميل الروسي، على وعورة إنتاج البرميل الروسي، حيث ان تضخم النسبة يأتي من كلف الحفر وكلف ازدواجية التوظيف لعمالة اجنبية لا داعي لها، مع أن المواطن الكويتي يمكنه القيام بذلك. ولعل الكوارث التي حدثت في المصافي ومنصات الحفر أهم مصاديق الاخطاء البشرية في تضخيم الكلفة التشغيلية للبرميل.

● تقصير مدد الإنجاز: حيث إن الإطالة بدءا من الدورة المستندية، في أكثر الاحيان، مقصودة من جانب المقاول، باستغلال المتغيرات في الخطط ليضيف مبالغ مضاعفة. هذا العامل أفسد جدوى كثير من المشاريع المهمة، كمشروع وقود الطاقة النظيف. ويمكن تحاشي الاخطاء المؤخرة للمشاريع بمستشارين حرفيين منبثقين من لجان مجالس الادارات التي يفترض انها تحوي ذوي الخبرة الكافية لتداركها قبل حدوثها.

● حماية المخزونات النفطية الاستراتيجية من الفلتان والهجرة، فلدينا حقول مشتركة في الشمال والجنوب معرضة للهجرة والكهولة نتيجة عدم التنسيق والتباطؤ في حمايتها وإهمال إرجاعها!

● استراتيجية تمويل المشاريع من المؤسسات المالية الخاصة: هو عامل جديد دخل على مشاريع النفط الكويتية، فمن الناحية النظرية هي فكرة ذات جدوى إذا أنجزت المشاريع في الطريقة النظرية دون تدخل العوامل التي ذكرناها سابقا؛ لكن في واقع فكرة تمويل المشاريع تحولت إلى أعباء مالية اضافية على قيم المشاريع، للعراقيل التي ذكرت، مما يقلل جدواها بصورة فاحشة! والأدلة على ذلك المحطات والمصافي الخارجية في أوروبا ومشروع «كوفبك» الأخير لزيادة انتاجها 31 ألف برميل يوميا فقط بتمويل مليار دولار!!

إن النفط الكويتي والمشاريع ذات الصلة قد فقدت جدواها وفشلت، نتيجة فقدان عامل السبق، رغم جودة افكارها، مما سبب فقدان الثقة لتحالفات مع شركات عالمية تفرض الكويت عن طريقها نفسها في الأسواق العالمية. تتكرر الأخطاء سنة بعد أخرى، وتتكرر معها الوعود البراقة التي سرعان ما تنسى.

*خبير واستشاري نفطي

back to top