الشاعرة هيام التوم: الوظيفة الأرقى للشعر التوعية والتثقيف

• ترى أن على الرواية تصوير الواقع القبيح لتصلحه

نشر في 23-12-2018
آخر تحديث 23-12-2018 | 00:11
في ديوانها الجديد «على ذمة الخيانة» تحلّق الروائية والشاعرة هيام التوم في فضاءات من التأملات استخلصتها من تجارب حياتية وعبرت من خلال الصور الشعرية إلى عوالم النفس الخفية تسبر بعضاً مما فيها من خفقات والتماعات ونبضات فرح حيناً وألم أحياناً.
للّغة عند هيام التوم مكانة رئيسة، فهي ملمة بها في جوانبها كافة، لكنها اختارت قصيدة النثر وسيلة تعبير، لأنها تحلق بواسطتها في المدى اللامتناهي من دون التقيد بالعروض، مع العلم أنها ملمة بها، لذا تبدو في كتاباتها، سواء الروائية (غرام مع حبيب سابق 2015) أو الشعرية (نزوات ذاكرة 2004)، كأنها تسكن الكلمة، وتشهر من خلالها سلاحها بوجه السنين والانتظار والخيبات والإخفاقات والخيانات...

«على ذمة الخيانة»، ماذا وراء هذا العنوان؟

وراء هذا العنوان قرار جريء جداً بالخيانة. ها أنا أفتح ذراعي نحو السماء وأقول بكل جرأة سأخون الطريق المعدة مسبقاً وأشقّ واحدة لي، سأخون انتظارات الآخرين وأكون أنا، سأخون كل التوقعات بالانهيار والاستسلام أضمد جراحي بنفسي بعد كل طعنة وأقف، سأخون الفتور وأرحل مع الشتاء القارس أو مع الصيف الحار، سأخون أنصاف الحلول لأضحك عالياً أو أبكي بحرقة، سأخون الرداءة وأبحث عن الأصالة في الفكر والإبداع في الحبر. سأبقى على ذمة الخيانة...

أما في الديوان، فـ«على ذمة الخيانة» هي قصيدة تصور فيها الخيانة اعتدادها بنفسها وكيف أنها مغرية وجميلة ولكنها فانية.

تعتمدين قصيدة النثر، هل تقصدين بها الحرية في التعبير من دون التقيّد بصناعة اللغة؟

أؤمن بأن بالقصيدة هي روح الدهشة وقد تلبس أجساداً متعددة أو أثواباً مختلفة. ربما أعشق الحرية واللعب في فضاء الكلمة الرحب من دون التقيد بوزن أو بقافية، على حساب المعنى. لا شك أن ذلك الأصعب، لأن علي إيجاد لمعات بكر للتعويض عن انتفاء الوزن، وربما غيري يجيد إلباس دهشاته ثوباً مقفى رائع الجمال من دون أن ينتقص من قوتها، ولكني لست مع التقيد الذي ينقص من قيمة الجوهر.

لغة الحياة

تعتمدين البساطة القريبة من الحياة اليومية، فهل تعتبرين أن الشعر هو لغة الحياة؟

طبعاً الشعر ابن الحياة وعليه أن يتطور معها، فلا نستطيع أن نتحدث مع جيل اليوم بلغة الأمس البعيد، كأننا نلبس طفلاً ولد لتوه ملابس كانت تصلح من مئة عام. لغتي بسيطة وأسلوبي سهل ممتنع، وليس على القارئ أن يعاني لفك طلاسم وأحجيات اللغة العربية ليكون الشعر شعراً.

تزخر القصائد بصور شعرية نابعة من عمق التاريخ ومستوحاة من الطبيعة، فهل تقصدين بذلك إعطاء هوية وانتماء إلى القصائد؟

الشاعر يرى ما لا يراه الآخرون، وأنا أبحث عن كل جديد في مضامير مختلفة، في الدين والجغرافيا والتاريخ والطبيعة والطب وحتى الأمثال والحكم، وأستغلّ ثقافتي المتنوعة لأحول كل ما هو عادي ويومي إلى جديد مدهش. القصيدة لا تنتمي إلا إلى الجمال الذي علينا أن نشير إليه ونظهره في أي مكان، مهما كان جامداً.

من يقرأ قصائدك يشعر بأن ثمة تناغماً موسيقياً فيها.

ربما لأن كلماتي تنساب بارتياح تمسك الواحدة بيد الأخرى، كما في رقصة عاشقين، تدفعها إلى الرقص منفردة على رؤوس أصابع الدهشة أو تعيدها إلى حضنها وتضمها بحب، لذا يشعر القارئ بسلاسة الموسيقى ويودّ لو يرقص مع الحبر على أنغامها من دون نفور. هي موسيقى داخلية كتلك التي تخرج من عيني حبيبين في لقائهما بعد اشتياق.

أبعاد وذاتية

تتنوّع قصائد الديوان بين الغزل والتأمل والحكم، فهل تقصدين من خلالها إعطاء شعرك أبعاداً فلسفية؟

يقارب بعض ومضاتي الحكم، أسميتها في الديوان «إضاءات»، وذلك نابع من خبرتي في الحياة، على غرار الحكم التي توارثناها جيلاً بعد جيل. في رأيي، حين يتعدى الشعر كونه فناً لمجرد الفن يؤدي وظيفته الأرقى والأسمى التي تختصر بدوره في التوعية والتثقيف، وأظن أن ما يتبقى من الشعر، بعد مرور الزمن، هو الأثر الذي يتركه في القارئ.

أين أنت في قصائدك؟

أنا القصيدة أو القارئ أو البطلة أو الصورة الشعرية أو الموسيقى... أنا هنا دائماً... مررت بالحالة أو بالقرب منها أو ذرفت دمعتين على وجع صديق عاشها أو رأيت فرحاً يطل من وجه قريب شعر بها أو التقطها مصادفة وأنا أتأمل في أسرار الحياة أو توقعتها ووثقتها ليفكر بها المتأملون... أنتمي إلى قصيدتي وكل شاعر غريب عن قصيدته لا يكتبها بشغف كمن يبني بيتاً يعرف أنه لن يسكنه فلا يهتم بتفاصيله.

تعتمدين في بعض قصائدك على موروث ديني، فهل مرد ذلك إلى تأثرك ببيئتك أم حرصك على التمسك بالقيم؟

أنا بطبيعة الحال شخص متدين ومتمسك بالقيم الأخلاقية، وهذا الموروث الديني لا بد من أن يظهر في كتاباتي لأن الإناء ينضح بما فيه، ولكنني أجيد توظيفه في جمالية القصيدة وسيرها على طريق الإبداع. ففي كثير من القصائد أستعير المشهد وألبسه حالة من حالات الحب.

تراكم ثقافي

هل يجب أن تقوم القصيدة على تراكم ثقافي كي توصل الرسالة المتوخاة من الشعر؟

كل كتابة تأتي من فراغ تكون فارغة ومن لم يمتلئ لا يستطيع أن يفيض بشيء، وكل كاتب مدعو إلى أن يقرأ كثيراً. عليه أن يقرأ الكتب والناس والعيون والتصرفات وحتى الكتمان والمشاعر. عليه أن يقرأ الكون والطبيعة والمناخات وأن يتماهى معها ويمتزج فيها ليخرجها بقالب آخر، قالب القصيدة.

تكتبين الرواية إلى جانب الشعر، فهل تتطرقين في الرواية إلى قضايا تختلف عن الشعر أم أن كليهما يكملان بعضهما بعضاً؟

أتطرق في الرواية إلى مواضيع مختلفة، ربما أكتب بطريقة شعرية. أظن الفرق أن على الرواية أن تصور الواقع القبيح كي تصلحه فيما على الشعر أن يجسد الخيال الجميل كي ينسينا بشاعة الواقع.

ما الجديد الذي تحضرينه راهناً؟

الجديد هو رواية وهي هذه المرة رواية واقعية حقيقية أضيف إليها الكثير من النكهات الرومانسية، تتمحور حول شاب ترك في طفولته فريسة لقساوة الحياة وإهمال الأهل، فذهب إلى أقاصي الوحشية والإجرام، وكيف تغيرت كل حياته بسبب إنسان التقاه مصادفة.

المرأة والغزل

كيف يمكن أن تتعامل المرأة مع القصيدة الغزلية اليوم؟ حول هذا السؤال تجيب الشاعرة والروائية هيام التوم: «في الماضي، كانت القصيدة الغزلية تتغنى بأوصاف الحبيب والشوق إليه. أما أنا فأكتب قصيدة الغزل بمفهومها الجديد أو ما أسميه قصيدة الحب التي تتطرق إلى المشاعر والأحاسيس التي يعيشها المحبون، كالشوق والوله والغيرة والألم من الفراق والانفصال واللوم والعتب والجرح و... وتصل إلى الوجدانيات».

تضيف: «بنظري الحب هو لغة عالمية وأنا اتخذت هذا الاتجاه في كتاباتي واعتمدت هذا اللون، لأني أؤمن بالحب علاجاً لكل المشاكل والأمراض».

ليس على القارئ أن يعاني لفك طلاسم وأحجيات اللغة العربية ليكون الشعر شعراً
back to top