هل تنجح الكوريتان الشمالية والجنوبية في تضييق الفجوة بينهما من خلال التبادل الإعلامي؟

نشر في 10-12-2018
آخر تحديث 10-12-2018 | 00:00
 ذي دبلومات الكوريتان الشمالية والجنوبية منقسمتان منذ 70 عاماً، وطوال هذه الفترة، تطورت أنظمتهما العقائدية والثقافية باتجاهات مختلفة.

تُعتبر بيئتهما الإعلامية وتغطيتهما الإخبارية أحد الأمثلة لذلك، مع أن الكوريتين تنطقان باللغة ذاتها، لكن المفاجئ غالباً أن نرى مدى الاختلاف في تقاريرهما الإعلامية من حيث الأسلوب، والنبرة، والمحتوى.

رغم الاختلافات الكثيرة، يتشاركان في وجه واحد على الأقل: يستعمل الشمال والجنوب غالباً وسائل الإعلام كوسيلة لمهاجمة بعضهما وزعزعته من خلال نشر الشائعات المغرضة.

في حالة كوريا الشمالية، يدير هذا البلد أكثر من 160 موقعاً دعائياً على شبكة الإنترنت، من بينها مواقع إخبارية وسياحية، فضلاً عن مواقع للتواصل على شبكة الإنترنت، صحيح أن هذه المواقع تقدّم معلومات إخبارية وسياحية، إلا أن هدفها الرئيس الترويج لكوريا الشمالية وعقيدتها وتحويل العدد الأكبر من الناس إلى متعاطفين مع كوريا الشمالية. تشكّل تغطية فرار نحو 12 نادلة كورية شمالية إلى الجنوب في عام 2016 مثالاً جيداً لكيفية عمل وسائل الإعلام الكورية الشمالية.

غادرت النادلات الاثنتا عشرة ومديرهن مطعماً تديره الدولة الكورية الشمالية في الصين إلى كوريا الجنوبية في شهر أبريل عام 2016، وفي تلك المرحلة، سارعت الحكومة الكورية الجنوبية إلى إعلان أن فرارهم جاء طوعاً، لكن بيونغ يانغ أعلنت أن النادلات تعرضن للخطف على يد عملاء كوريين جنوبيين وطالبت باستردادهن.

استخدمت مواقع الدعاية الإلكترونية الكورية الشمالية تغطيتها هذا الخبر كي تزعزع كوريا الجنوبية وعملية الفرار الجماعي النادرة هذه، فأفاد أحد أبرز المواقع الدعائية الكورية الشمالية على شبكة الإنترنت، أريرانغ-مياري، في شهر مايو عام 2016 أن إحدى النادلات الاثنتي عشرة "المخطوفات" ماتت خلال إضراب عن الطعام خاضته للمطالبة بإعادتها إلى الشمال، كذلك ذكرت الصحيفة الموالية لكوريا الشمالية في الولايات المتحدة Minjok Tongshinalso في الشهر عينه أن وكالة تجسس كورية جنوبية احتجزت إحدى النادلات وتركتها لتموت جوعاً.

تبين بالتأكيد أن كلا هذين الخبرين عارٍ عن الصحة. لا تدّعي كوريا الشمالية أنها تدير جهازاً إعلامياً حراً ومستقلاً، لذلك من المتوقع أن تعكس مواقعها الإخبارية أصداء الخط الحكومي، بما فيه نشر المعلومات الكاذبة، ولكن رغم الاختلاف الكبير في أنظمة البيئة الإعلامية، نرى سلوكاً مماثلاً في كوريا الجنوبية أيضاً.

كانت الشائعة الأخيرة التي انتشرت في كوريا الجنوبية أن الشمال يستعد للحرب، واستندت هذه الشائعة إلى واقع أن الجيش الكوري الشمالي بدّل أخيراً زيه الرسمي، وأعيد نشر ذرة الحقيقة هذه مرات كثيرة في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، التي اعتبرت هذه الخطوة جزءاً من استعدادات بيونغ يانغ "للحرب" مع الجنوب. في هذه الأثناء، وجهت أيضاً دراسة دعمتها الحكومة إصبع الاتهام إلى وسائل البث الكورية الجنوبية، ذاكرةً أن سلوكها في تغطية الأخبار يشجّع الصراع بين الكوريتين بسبب تقديمها معلومات "متحيزة" و"مثيرة للخلاف".

أُجريت هذه الدراسة خلال عهد إدارة الرئيسة السابقة بارك غوين-هاي، وحللت برامج أربع شكبات بث عامة وأربع شبكات بث عبر الكابل في كوريا الجنوبية. أشارت الدراسة خصوصاً إلى أن شبكات الكابل الأربع، TV Chosun، Channel A، JTBC، MBN، تميل خصوصاً إلى بث برامج تحمل وجهات نظر متحيزة، ومثيرة للخلاف، ومفاجئة عن كوريا الشمالية. استخلصت الدراسة أن شبكات البث هذه تميل إلى تأجيج الصراع بين الكوريتين وتطرح وجهات نظر خاطئة عن الشمال بين أهل الجنوب. ولكن بعد عقد قادة هاتين الدولتين ثلاث قمم هذه السنة، بلغت الكوريتان مرحلة لم تكتفيا فيها بالإقرار بهذه المشاكل، بل اتفقتا أيضاً على تطبيق تدابير بغية علاجها كجزء من الجهود الأشمل الرامية إلى تحسين التبادل بين الكوريتين.

نتيجة لذلك، ناقشت الكوريتان الشمالية والجنوبية احتمال تأسيس هيئة تحكيم إعلامية بين الكوريتين، ستؤدي هذه الهيئة دوراً أساسياً في تفادي أي سوء فهم عميق قد ينشأ بين الكوريتين بسبب التقارير الإعلامية التي قد تصدر عنهما، فضلاً عن أنها ستمثل قناة للتبادل بين الكوريتين في مجال الصحافة، وفق لجنة إعلان 15 يونيو المشترك. تشير أيضاً المجموعة المدنية "منتدى كوريا للسلام"، التي تتخذ من سيول مقراً لها، إلى أن القصر الرئاسي الكوري الجنوبي يدعم تبادل الصحافيين بين الكوريتين.

مع كثرة الإشارات إلى تحسّن العلاقات بين الكوريتين، تبدو الأفكار والخطط المذكورة أعلاه واعدة، ولكن تبقى بالتأكيد عقبات كثيرة من الضروري تخطيها.

التقت مجموعة من الصحافيين الكوريين الجنوبيين في مركز سيول للصحافة في الرابع من ديسمبر لمناقشة كيفية تفادي نقل وسائل الإعلام في كلا الكوريتين أخباراً كاذبة والطرق التي يمكن اعتمادها لكي تحسّن هاتان الدولتان ممارسات إحداهما الأخرى في مجال تغطية الأخبار. وشملت المواضيع التي نوقشت في هذا المؤتمر احتمال إنشاء منظمة تحكيم بين الكوريتين في مجال نقل الأخبار.

وافق كل المشاركين تقريباً على أهمية منظمة مماثلة، إلا أنهم أجمعوا على فكرة أن الوقت ما زال مبكراً لتأسيسها، فيتوقع الصحافيون عقبات كثيرة أمام إنشاء هيئة التحكيم هذه، منها الاختلاف في السياسات المتبعة في مجال الصحافة والقواعد والتنظيمات المتبعة.

يذكر شين سويك-هو، صحافي في الصحيفة الكورية الجنوبية اليومية Dong-A Ilbo، أن وسائل الإعلام الكورية الشمالية تخضع كلها لإدارة الحكومة وسيطرتها، وأنها كلها تعمل لخدمة مصالح القائد كيم يونغ أون والحزب الحاكم.

يضيف: "يُظهر هذا أن كوريا الشمالية تملك وجهة نظر مختلفة عن مفهوم الصحافة الأساسي، فيؤدي تعزيز التبادل في مجال الصحافة المزيد من الانفتاح والتواصل، مما يُعتبر عدواً مشتركاً للحكومة المستبدة".

لذلك يقترح شين اتباع مقاربة أكثر حذراً تتماشى مع وجهة نظر طويلة الأمد، فمن الممكن لقرار متسرع بشأن زيادة التبادل بين الكوريتين في مجال الصحافة أن يدمر حرية التعبير والإعلام في كوريا الجنوبية، فضلاً عن ممارساتها في تغطية الأخبار.

* تاي جون كانغ

* «ديبلومات»

بعد عقد قادة الكوريتين ثلاث قمم هذه السنة اتفق الطرفان على تطبيق تدابير تهدف إلى تحسين العلاقة بينهما
back to top