سبتمبر ماكرون الأسود... كيف سقط الرئيس الفرنسي إلى الأرض؟

نشر في 02-10-2018
آخر تحديث 02-10-2018 | 00:00
 نيو ستاتسمان لم يحمل فصل الخريف تطورات جيدة لحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، إذ اعتاد الرئيس مخاطبة الأمة في خطاب محدد وعرض رؤيته للمستقبل، لكن ماكرون كسر هذا التقليد هذه السنة وأرجأ خطابه إلى شهر أكتوبر، ويبدو جلياً أن ماكرون يحاول شراء الوقت ليعالج سلسلة من الأزمات غير المتوقعة التي نشأت في أواخر الصيف، فلا يقر أحد في قصر الإليزيه بهذا الواقع، غير أن الجو العام يسوده اليوم الذعر والحيرة.

يتمحور التحدي الأكبر الذي يواجهه ماكرون حول التعاقب السريع لاستقالة ثلاثة وزراء، فكان أول الراحلين نيكولا هولو، وزير البيئة الذي يبلغ من العمر 63 سنة، والذي استقال نحو نهاية شهر أغسطس، وما كان ماكرون يملك أدنى فكرة عن أن هولو، وهو ناشط من الخضر رفض عروض عمل عدة قدمها له رؤساء سابقون، سيستقيل، والأسوأ من ذلك أنه استقال مباشرةً على هواء محطة إذاعية عامة، معلناً أن ما تقوم به حكومة ماكرون لمعالجة التغير المناخي ضئيل أو حتى معدوم.

تلت هذه الاستقالة بعد أسبوع استقالة وزيرة الرياضة لورا فليسيل وسط شائعات عن سوء إدارة مالية، ليأتي أخيراً الإعلان الأكثر ضرراً من وزير الداخلية جيرار كولومب البالغ من العمر 71 سنة والذي قرر ترك الحكومة للترشح لمنصبه السابق كعمدة ليون في عام 2020.

لاحظ الشعب الفرنسي جلياً أن الحكومة "تفتقر إلى التواضع"، وفق كولومب، من خلال تفاعل ماكرون مع فضيحة بينالا المتعلقة باعتقال أحد مسؤولي حراسه الشخصيين، ألكسندر بينالا، لانتحاله صفة رجل شرطة وضربه المتظاهرين في مسيرة يوم العمال، فمن الألغاز التي لم تُحل: لمَ تكتم ماكرون إلى هذا الحد على مسألة معاقبة بينالا، الذي لا ينفك يبدل روايته الغريبة أساساً عن دوره في فريق الرئيس؟

اتخذت مارين لوبان موقع الهجوم، محذرةً من أن فضيحة بينالا قد تتحول إلى فضيحة ماكرون، لكن الرئيس وعد أخيراً بالتطرق إلى هذه المسألة في خطابه في شهر أكتوبر، معطياً الانطباع أنه هو نفسه غير واثق، في أفضل الأحوال، من الوقائع.

بالنسبة إلى العالم الخارجي، ما زال ماكرون، الذي يُعتبر في سن الأربعين أصغر قائد لفرنسا منذ عهد نابليون، يُعدّ ناجحاً إلى حد ما، وفي الاتحاد الأوروبي خصوصاً، يُعتبر دبلوماسياً عنيداً وماهراً، فكما أظهر إذلاله تيريزا ماي في قمة سالزبورغ، يبدو مرتاحاً جداً في مواجهته حكومة المملكة المتحدة ومشروع خروجها من الاتحاد الأوروبي.

لكن استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجرتها شركة YouGov، أظهرت أن شعبية ماكرون قد تراجعت إلى 23% فقط، منخفضةً تحت معدل الـ27% الأدنى القاتم الذي سجلته في شهر أغسطس.

لا شك أن هذا ينبئ بالسوء للمنقذ الفرنسي "الرائد" المزعوم، فهذا أكثر سوءاً حتى مما واجهه سلفه الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي اعتُبر سابقاً الرئيس الفرنسي الأقل شعبية في التاريخ، وفي الوقت عينه، عاود اليمين الفرنسي المتطرف تقدمه ليصبح الخط السائد، فيحقق حزب لوبان نتائج معادلة تقريباً لما يسجله ماكرون في استطلاعات الانتخابات الأوروبية لعام 2019.

علاوة على ذلك أصبح خصم الرئيس اليساري الأبرز، جان-لوك ميلونشون، القائد السياسي الأكثر شعبية في البلد.

يؤكد الكثير من داعمي ماكرون أن أعماله تعكس انطباعات سلبية إنما خاطئة. على سبيل المثال، بما أنه كان مصرفياً سابقاً في بنك روتشيلد، يُعتبر "رئيس الأغنياء" الذي يحتقر المواطن العادي، لكن هذا خطأ بكل بساطة، حسبما يصرون، مشيرين إلى أنه أعلن أخيراً "حرباً على الفقر" بقيمة ثمانية مليارات دولار هدفها مساعدة تسعة ملايين فرنسي يعيشون في فقر مدقع.

يبقى السؤال الملح: هل يواجه الرئيس أزمة قاتلة أم مجرد كبوة تقليدية، ولو حادة، في منتصف ولايته؟ يتمتع ماكرون بموهبة الارتجال وتحويل الأوضاع التي تبدو معقدة لتخدم مصالحه، ورغم ذلك سيصطدم بصعوبات بالغة كي يستعيد زخم عام 2017 حين فاز بالرئاسة بعد سنة فقط من تأسيسه حزبه، أما عزاؤه الوحيد فهو أنه لن يواجه الانتخابات مجدداً قبل عام 2022.

ولكن حتى داعمو ماكرون الأكثر وفاء يخشون أن تظل صورته مشوهة إن لم يقدِم على عملية إعادة بناء جذرية لهذه الصورة، قد يكون الرئيس الفرنسي "ملكياً جمهورياً"، إلا أن الناخبين يتوقون إلى ما يتخطى الأنفة النبيلة.

* أندرو هوسي

*«نيوستايتمانت»

back to top