مؤامرة تخريب الانتخابات الرئاسية الأميركية

نشر في 29-09-2018
آخر تحديث 29-09-2018 | 00:01
No Image Caption
خلال نحو عامين حاول الأميركيون استيعاب تفاصيل الهجوم الذي وقع في سنة 2016– قرصنة بريد إلكتروني وخداع مواقع التواصل الاجتماعي– ومزاعم الرئيس دونالد ترامب عن أن ذلك كله كان مجرد خدعة.

بعد ظهر أحد أيام شهر أكتوبر وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في سنة 2016 ارتفع علم ضخم من فوق جسر مانهاتن في نيويورك، وكان يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع علم روسي في الخلف وكلمة «صانع السلام» تحتها، كانت يومها مناسبة عيد ميلاد بوتين الذي بلغ الرابعة والستين من العمر.

وفي شهر نوفمبر، وبعد وقت قصير من فوز ترامب الذي عملت موسكو على المساعدة في تحقيقه ظهر علم أكبر، ولكن فوق جسر أرلنغتون في واشنطن هذه المرة: كان يحمل وجه الرئيس السابق باراك أوباما فوق جملة تقول «وداعاً أيها القاتل» بأحرف حمراء كبيرة.

ولم تتمكن الشرطة من معرفة الجهة التي رفعت العلمين، ولكن كانت هناك أدلة، جهات ترويج للصور على «تويتر» لحسابات استطلاع أميركية شملت ليرويل يحب الولايات المتحدة والتي عرضت في ما بعد على شكل مزيفين روس كانوا يعملون من سانت بطرسبرغ بغية التأثير على الناخبين الأميركيين.

ثم بدا أن الكرملين قد وصل الى التراب الأميركي في نيويورك وواشنطن، وربما كانت تلك الأعلام تهدف الى إظهار نصر بصري لأكثر تدخل خارجي فعالية في الانتخابات الأميركية في التاريخ.

وبالنسبة الى الكثير من الأميركيين كانت قصة ترامب- روسيا كما انتشرت خلال العامين الماضيين حلقة مشوشة لأسماء غير مألوفة ضاعف غموضها تلويح سياسيين بقبضات الأيادي. ولا يزال من غير المؤكد ما الذي توصل اليه المستشار الخاص المكلف بالتحقيق في هذه القضية روبرت مولر.

ولكن بالعودة الى عام 2016 وتعقب خطوط التآمر الرئيسية للهجوم الروسي يتعين أن نبرز ما نعرفه الآن على وجه اليقين: نفذت روسيا تدخلاً لافتاً ومثيراً سيتم التحقيق فيه لعقود عديدة مقبلة، وقد تحقق ذلك وفقاً لعداء بوتين والأدوات العامة والخاصة الروسية التي تحركت بجرأة وبراعة لتسخير السياسات الأميركية الراهنة، وقد عملت مجموعات مؤثرة من الروس بقوة لتجنيد أشخاص داخل حملة ترامب.

هجوم مباغت

وبالنسبة الى الكثير من الأميركيين بدا ذلك التدخل على شكل هجوم مباغت يشبه الهجوم الذي وقع على بيرل هاربر في الماضي، ولكن بتنفيذ روسي شرير، وعلى أي حال، وبالنسبة الى الرئيس بوتين كانت عملية مستحقة منذ زمن طويل وردة فعل مبررة على سنوات من عمليات وصفها بـ»الاستفزازات» من جانب الولايات المتحدة.

من جهة أخرى يوجد احتمال في أن يكون الرئيس الروسي قد نجح في ضمان الرئاسة لترامب على الرغم من أن ذلك لا يمكن إثباته أو دحضه أيضاً، وفي انتخابات من هامش ضيق بصورة استثنائية فإن رسائل البريد الإلكتروني المتكررة من جانب حملة هيلاري كلينتون والتي نشرت عبر ويكيليكس وخصوم كلينتون وأنصار ترامب وتشاطرها الملايين من الناخبين ربما كانت السبب في حدوث الفارق الذي ينفيه ترامب بشدة.

ومع ظهور دونالد ترامب في ربيع عام 2016 كمرشح مفضل للحزب الجمهوري تسارعت العملية الروسية على ثلاث جبهات تمثلت في قرصنة وتسريب وثائق عن الحزب الديمقراطي واحتيال كبير على فيسبوك وتويتر والتقرب من أنصار حملة ترامب.

ولننظر الى عشرة أيام بدأت في الخامس عشر من شهر مارس من تلك السنة عندما فاز ترامب في خمسة انتخابات أولية في ترشيحات حزبه والحشد الذي أصبح «أكبر قصة سياسية في أي مكان من العالم»، وفي ذلك اليوم نفسه في العاصمة الروسية بدأ قرصان محنك يدعى إيفان يرماكوف وهو ضابط استخبارات روسي في وحدة سرية تدعى «وحدة 26165» بدأ بتحري شبكة كمبيوتر تعود الى اللجنة الوطنية الديمقراطية. وفي سانت بطرسبرغ نشر عمال على مواقع فيسبوك وتويتر مقاطع زعموا أنها تخص مواطنين أميركيين ويتبعون تعليمات تدعو الى مهاجمة السيدة كلينتون.

فريق ترامب للسياسة الخارجية

وفي 21 مارس في العاصمة الأميركية أعلن ترامب عن فريقه للسياسة الخارجية الذي كان يتكون من مجموعة من الشخصيات التي تدعو الى علاقات أفضل مع روسيا، وفي غضون ذلك، كانت «الوحدة 26165» تدرس الحصيلة المجزية لهجوم مستقل نفذته واشتمل على 50 ألف رسالة بالبريد الإلكتروني سرقت من رئيس حملة هيلاري كلينتون.

في 24 مارس كان أحد أفراد فريق ترامب للسياسة الخارجية ويدعى جورج بابادوبولس يجلس في مقهى في أحد فنادق لندن مع امرأة روسية قدمت نفسها على أنها ابنة أخت الرئيس بوتين، وعرضت تقديم المساعدة في ترتيب اجتماع بين بوتين وترامب، ثم تبادلت المرأة والمستشار الكثير من الرسائل خلال الأسابيع التي تلت ذلك اللقاء، ولا يشعر بابادوبولس بثقة بأن تلك الرسائل كانت من المرأة التي قابلها في المقهى المذكور.

التدخل الروسي

كان التدخل الروسي يتمثل بشكل أساسي في سرقة معلومات عبر شركات أميركية مثل فيسبوك وتويتر عن مشاعر ومواقف مواطنين أميركيين ازاء قضية الهجرة والعرق التي يتوق الصحافيون الأميركية الى التحدث عنها، اضافة الى الطموحات الساذجة لمستشاري ترامب، وكان عدد القراصنة الروس لا يتجاوز المئة شخص، وكان هدفهم توجيه الملايين من الناخبين الأميركيين، وكانوا يعلمون أن تخريب الانتخابات في الولايات المتحدة يتطلب عدداً أكبر بكثير على أي حال.

الروس أو العملاء الروس بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي وضباط الجيش السابقين والوسطاء الخفيين كانت لديهم العشرات من الاتصالات خلال الحملة الانتخابية مع جماعة ترامب، وكانوا يعملون عبر البريد الإلكتروني وفيسبوك وتويتر، وقد سعوا الى التعريف عن طريق وسطاء أعمال موثوقين لدى مؤسسات ترامب الأكاديمية ومجموعات المحنكين وجمعية السلاح الوطنية.

ثم التقوا عدداً من مساعدي حملة ترامب في موسكو ولندن ونيويورك ولويزفيل، وزعم أحدهم أن الروس شتموا كلينتون، وفي شهر مايو ويونيو فقط تقدمت حملة ترامب بأربع دعوات على الأقل للاجتماع مع وسطاء أو مسؤولين روس.

وفي كل حالة على وجه التقريب أظهر مساعدو ترامب حماسة إزاء اتصالاتهم مع الروس، وخلال أشهر من هذا الاستقصاء يبدو أن أحداً لم يحذر مكتب التحقيقات الفدرالي من هذه العروض الخارجية.

تطور موقف ترامب

شهد موقف ترامب ازاء الاتصالات الروسية تطوراً مع مرور الوقت تمثل في المقام الأول في غياب مثل تلك الاتصالات في السابق، ثم أنها لم تصل الى حد التواطؤ، وبعدئذ لم يكن التواطؤ في أي حال جريمة، كما أن المؤامرة هي تعبير قانوني حول تحريض الروس على انتهاك القوانين الأميركية كما حدث في قرصنة الحواسيب وحظر المساعدة الخارجية الى حملة انتخابية.

وما اذا كان ترامب أو أي طرف من فريقه قد تآمر مع الروس هي مسألة رئيسة في تحريات مولر الذي سبق أن اتهم 26 مواطناً روسياً وحصل على ادانات أو اقرار بالذنب من جانب مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الرئيس السابق للحملة بول مانفورت ونائبه ريك غيتس اضافة الى جورج بابادوبولس والمحامي الشخصي لترامب مايكل كوهن الذين أقروا بالذنب في قضية منفصلة.

ولكن لم تشتمل أي ادانة حتى تاريخه على سمة المؤامرة، ويوجد تفسير بديل لنظرية التواطؤ وهو أن مساعدي ترامب الذين لم يكونوا متأكدين من فوزه كانوا سعداء بلقاء الروس لأنهم ظنوا أن ذلك قد يفضي الى تحقيق مردود مادي بعد الانتخابات، وكانت جملة «الكافيار الأسود» هي عنوان رسالة بالبريد الإلكتروني تلقاها مانفورت في شهر يوليو 2016 من زميله في العاصمة الأوكرانية كييف، وتشير الى إمكانية نيل هبة سخية جديدة من النخبة الحاكمة في الروس الذين كانا يقيمان علاقات عمل معهم.

وقالت نينا خروتشيفا وهي بروفيسورة في الشؤون الدولية في نيو سكول وحفيدة رئيس الوزراء الروسي الأسبق نيكيتا خروتشوف إن ما حصل عليه الروس عن طريق الإبداع والحظ كان موضع حسد من الحكام الذين سبقوا بوتين في تأكيد تفوق روسيا ومكانتها في العالم.

وأضافت خروتشيفا أن «هذه المسألة كانت تهدف الى أن تظهر للأميركيين أنهم مثل الروس في فسادهم وقد حقق بوتين حلم كل قائد روسي، في تأكيد ذلك الى الأميركيين، وأنا أظن أن ذلك سوف يكون موضع دراسة من جانب أجهزة الاستخبارات الروسية لوقت طويل جداً».

back to top