صورك عبر الإنترنت...

كيف ترسم انطباعات الآخرين عن شخصيتك؟

نشر في 21-09-2018
آخر تحديث 21-09-2018 | 00:00
No Image Caption
توصّلت دراسات عدة إلى أن الأحكام التي نطلقها على الآخرين مستندين إلى صورهم عبر الإنترنت تتنبأ بكيفية تصرفنا تجاههم شخصياً.
في هذه اللحظة، ينظر شخص ما إليك، إلى إحدى صورك عبر الإنترنت. ربما يتصفّح ملفك الشخصي في {لينكدين} أو {فيسبوك}. قد تكون زوجتك في المستقبل، أو رئيسك المقبل، أو عميلك الجديد، أو صديقك الجديد. لذا سواء كنت ترغب في ذلك أو لا، يُطلق هذا الشخص الأحكام عليك، استناداً إلى تلك الصورة.

تشكيل التقييمات الفورية حول الناس على أساس النظر إلى ملامح وجوههم جزء لا يتجزأ من الإدراك البشري. ضمن هذا السياق، يقول عالم النفس في برينستون ألكسندر تودوروف، مؤلف {قيمة الوجه}: {تأثير الانطباعات الأولى الذي لا يقاوم يؤكد حاجتنا إلى إنشاء الأحكام المفاجئة، إذ انتقلنا من العيش في مجموعات صغيرة، حيث كان من الممكن الحصول على معلومات مباشرة عن شخصية الجميع في محيطنا، إلى مجتمعات أكبر وأكثر تعقيداً. وأصبح التقييم السريع للغرباء وسيلة فاعلة للبقاء على قيد الحياة. في الواقع، تبقى الثقة واحدة في أحكام عدة نطلقها سريعاً على أشخاص جدد كثيرين. وتؤدي هذه الانطباعات بالثقة دوراً في محاولتنا معرفة نوايا شخص ما، هنا والآن}.

صارت نظرتنا الأولى إلى الآخر تتشكَّل راهناً، وفي معظم الأحيان، من خلال صورة له عبر الإنترنت وليس عبر رؤيته شخصياً أو التحدث إليه وجهاً لوجه. وتشير الأدلة إلى أن الدافع الشديد إلى تشكيل الأحكام الاجتماعية يجعل الأخيرة تنتشر بسرعة البرق.

تجارب

في سلسلة تجارب، وجد تودوروف أن الأحكام الشخصية بعد النظر إلى صورة ما نحو عشر واحد من الثانية كانت نفسها التي قدمت عند النظر إليها من دون التقيد بالوقت.

ويظهر بحث جديد أن التقييمات التي نقوم بها حول شخص ما في الصورة تتماشى بشكل ملحوظ مع كيفية رؤيتنا له أو لها، والتفاعل معه أو معها في نهاية المطاف في الحياة الحقيقية.

وفي دراسة نشرت الخريف الماضي، عرض باحثون في جامعة كورنيل الأميركية على 55 مشاركاً صوراً لأربع نساء كن يبتسمن بالتناوب أو لا يبتسمن أبداً، وطلبوا منهم تقييم الصفات مثل الإعجاب، والفرح، والاستقرار العاطفي، والثقة، والانفتاح على تجارب جديدة. بعد فترة امتدت بين شهر وستة أشهر، التقى كل مشارك امرأة كان شاهدها سابقاً في إحدى الصور الفوتوغرافية (رغم أن معظمهم لم يتذكر أنه شاهد المرأة سابقاً). طلب من المشاركين إكمال لعبة الأسئلة مدة 10 دقائق مع المرأة، والتعرف إليها مدة 10 دقائق أخرى. بعد ذلك، قدّم المشاركون انطباعاتهم حول صفات المرأة كالإعجاب، والجاذبية، والشخصية القوية. وجاءت النتائج متوائمة بشكل وثيق مع كيفية تقييمهم النساء عند رؤيتهن لأول مرة في الصور الفوتوغرافية.

وتقول فيفيان زاياس، إحدى الباحثين في كورنيل: {يتفاعل أشخاص مختلفون مع الشخص نفسه ويخرجون بآراء متنوعة عنه ومختلفة}، ولن تغادر هذه التصوّرات تفكيرهم تجاهه لاحقاً سواء كانت إيجابية أو سلبية. وتشير الدراسة إلى أن الانطباعات الأولى ليست مجرد أحكام عابرة ننقحها لاحقاً في الحياة الواقعية، بل هي في بعض النواحي نبوءات لإرضاء الذات.

كذلك تعزّز دراسة كورنيل فهمنا الانطباعات التي نشكلها استناداً إلى الصور، مشيرة إلى عامل واحد أقل صلة مع الصورة نفسها عنه مع الشخص الذي التقطها. في مقالة نشرت هذا العام في مجلة {علم النفس}، وجد الباحثون أن الناس في الصور السيلفي يعتبرون أقل ثقة، وأقل انفتاحاً على تجارب جديدة، وأكثر نرجسية من الناس في الصور التي التقطها آخرون لهم، وهذا التصور السلبي يكون أقوى، إذا كان من أخذ الصورة الشخصية رجلاً وليس امرأة.

أهمية لغة الجسد والتعابير

كذلك يؤثر تموضع الجسم في كيفية تقييم الشخص الذي يظهر في الصورة. في دراسة قام بها باحثون في جامعة كاليفورنيا الأميركية، رأى المشاركون أن الأشخاص الذين اتخذوا في صور على موقع تعارف إلكتروني وضعية التفكير، والذراعين المفتوحتين، والجذع الممدود، مرغوب بهم عاطفياً أكثر من أصحاب الوضعيات المنغلقة.

للتعابير أهمية خاصة أيضاً. وجدت دراسة في جامعة سنترال فلوريدا الأميركية أن مدى الابتسامة يؤثر في حكمي الدفء والكفاءة اللذين نطلقهما على الشخص: إذ دفعت أوسع ابتسامة المشاركين إلى تقييم صاحب الصورة على أنه أكثر دفئاً ولكن أقل كفاءة من صاحب أصغر ابتسامة. أما في جامعة يورك، فقيّم المشاركون صور أكثر من ألف شخص بحسب عشرات من سمات الوجه، بما فيها إمالة الرأس، وشكل الحاجبين، وفتحتا الأنف، ودرجة لون الجلد. وتبين أن الخصائص الخمسة التي تربطها أقوى علاقة بالإحساس بالتقرب من الشخص لها علاقة بأشياء محددة في شكل الفم، كانحناء الشفة السفلية وفتحة الفم التي تتركها الابتسامة المفتوحة.

نصائح وتعديلات

تقترح بحوث عدة حول الصور على الإنترنت طرائق تمكِّن أي شخص من أن يظهر أكثر ثقة ومحبوباً في صوره، ما يسهم من ثم بتشكيل انطباع أولي إيجابي حوله في الواقع. مثلاً، تشجعنا صورة لشخص يبدو فيها منفتحاً ويوحي بالثقة، على التصرف بدفء تجاهه، وهو أمر متبادل. توضح الباحثة زاياس في هذا المجال: {نعلم أن افتراضاتنا توجه سلوكياتنا، وأن الناس يتأثرون بالأخيرة. من ثم، نستخلص من الآخرين سلوكيات تؤكد هذه الانطباعات الأولية}.

رغم ذلك، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار أن من خلال تقييم الوجوه في الصور، كما هي الحال في الحياة الحقيقية، يطرح تشكيل الانطباع في المقام الأول السؤال التالي: هل يبدو هذا الشخص كأنه من الناس الذين اعتدت رؤيتهم؟ تبين بحوث تودوروف أن أكثر الوجوه جديرة بالثقة هي تلك التي نعتبرها {نمطية}، أي التي نلتقيها عادة. وتشير نتائجه إلى أن {النمطية ترتبط بما هو مألوف وما خبرناه في الماضي}، كما يقول تودوروف. {وفي معظم الظروف، فإن ما نعتبره نمطياً سيكون مرتبطاً بقوة بالمجموعات الداخلية والجماعات الخارجية}. وبدلاً من إعطائنا معلومات دقيقة عن شخصية الشخص أو طبعه، فإن الانطباعات الأولى تعكس إلى حد كبير انحيازاتنا وقوالبنا النمطية.

كيف يفيد ذلك كله في صورة ملفك الشخصي؟ الابتسامة العريضة ولغة الجسد المفتوحة يساعدانك على التحكم بتشكيل انطباع الآخرين عنك، ولكن في نهاية المطاف، ثمة ما هو أبعد بكثير مما تراه العينان.

الصور «السيلفي» تظهر الأشخاص أقل ثقة وانفتاحاً على تجارب جديدة

أكثر الوجوه الجديرة بالثقة هي ما نعتبرها {نمطية}
back to top