مستقبل قاتم يواجه اتفاقية الشنغن الأوروبية

نشر في 07-07-2018
آخر تحديث 07-07-2018 | 00:00
No Image Caption
انطلق خمسة من رجال السياسة على متن قارب سياحي وكانت هناك صورة واحدة معروفة عن تلك الرحلة في سنة 1985 عندما وافقت بلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وألمانيا وهولندا على إنهاء قيود مراقبة حدودها. يومها كانت بداية عادية لما أصبحت تعرف بواحدة من أشهر اتفاقيات الاتحاد الأوروبي. اتفاقية شنغن التي سميت تيمناً باسم القرية الواقعة في لوكسمبورغ التي شهدت حفل توقيع تلك الاتفاقية التي تقضي بإقامة منطقة واحدة في العالم تخلو من استخدام جوازات السفر في التنقل والإقامة. وتغطي هذه الاتفاقية الآن 26 دولة بما في ذلك 4 من خارج دول الاتحاد الأوروبي، وقد احتاجت القرية نفسها التي تقع على مقربة من الحدود مع فرنسا وألمانيا إلى فترة للتكيف مع الإمكانات التي وفرها لها التاريخ، ولكنها تقدم إلى السياح اليوم طائفة من معالم الجذب تشمل وجود متحف وتماثيل مصنوعة من الصلب المحلي وأجزاء من جدار برلين، بحسب مارتينا كنيب وهي مديرة ذلك المتحف. وفي حقبة الـ2000 قام سكان أوروبا الشرقية بزيارات الى القرية التي أصبح اسمها مرادفاً للحرية التي حرموا منها طوال عقود من الزمن، ويكتب السياح الأتراك الذين لم يتخلوا عن حلمهم البعيد المنال في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ملاحظات عاطفية مؤثرة في سجل الزوار.

وتجسد «شنغن» حلم حركة التوافق والانسجام في شتى أنحاء السوق الواحدة في الاتحاد الأوروبي، وهي تسهم في تسهيل نقل البضائع وتشجيع السياحة وتمكن انتقال عمال ما يدعى «حدود» الاتحاد الأوروبي الـ1.7 مليون شخص في معظم بلدانه، ويستذكر رئيس بلدية «شنغن» ميشال غولدن متاعب التدقيق في جوازات السفر والجمارك في فترة شبابه، ويقول إن حرس الحدود في ألمانيا الغربية كانوا يشيرون للزوار بالتقدم والدخول من دون عقبات فيما كانت القوات الفرنسية المجهزة بأسلحة أوتوماتيكية أشد قسوة وصرامة.

وتلائم الترتيبات الحالية هوية قريته المتعددة الجنسيات، وقد وضعتها على خريطة العالم، وهو يقول «عندما تقول إنك من لوكسمبورغ لا يعرف الناس ماذا يعني ذلك، ولكن عندما تقول إنك من شنغن يعرف الكل ما يعني ذلك حتى في أستراليا».

متاعب «شنغن»

ولكن على الرغم من كل ذلك تتعرض «شنغن» إلى متاعب، ويرجع ذلك إلى أن المسؤولين الذين أطلقوا تلك العملية لم تكن لديهم فكرة واضحة حول ضرورة تقوية الحدود الخارجية بعد إزالة الحدود الداخلية. ولكن منطق النظام دفع إلى الشعور بالندم مع تفاقم ضغوط الهجرة غير الشرعية الى المناطق الجنوبية في أوروبا، وحدثت الهزة الأولى في سنة 2011 مع هروب اللاجئين من بلدان الربيع العربي، وبعد عدة سنوات غدت «شنغن» أقرب الى التفجر نتيجة استغلال أكثر من مليون مهاجر غياب الحدود هناك وسعيهم الى الحصول على لجوء في تلك المناطق. وكادت اليونان وهي نقطة الدخول الى منطقة الشنغن بالنسبة الى معظم اللاجئين أن تتعرض الى الطرد، وبدلاً من ذلك عمدت بعض الدول الى فرض قيودها الخاصة على القدوم.

وقد شهد الأسبوع الماضي هبوطاً حاداً في عدد طالبي اللجوء والهجرة غير الشرعية، ولكن الأعداد التي كان القادة يتحملونها في الماضي أصبحت غير مقبولة، كما قامت ست دول في الشنغن بفرض إجراءات تفتيش خاصة بها على الحدود، وكان البعض أكثر تشدداً من البعض الآخر، وكان ركاب السيارات بين بلجيكا وفرنسا أقل مضايقة من المسافرين العابرين لجسر أوريسند بين كوبنهاغن ومالمو في السويد، لكن التدقيق شمل الكل على أي حال، وعندما كانت الحكومات تشعر أن عليها الاختيار بين تطبيق الأمن القومي وبين اتباع قوانين الاتحاد الأوروبي كانت تختار دائماً الحفاظ على أمنها، بحسب رافائيل بوسونغ من مركز التفكير «إس دبليو بي» في برلين، وتتوقع قلة فقط أن يتم رفع الرقابة في الدول الست عندما يفترض أن تنتهي في شهر نوفمبر المقبل.

دول أوروبا الشرقية

ويتملك الغضب حكومات أوروبا الشرقية– مثل المجر وسلوفينيا- التي تخشى أن يفضي انهيار اتفاقية الشنغن الى إعادتها إلى شريحة ثانية جديدة في الاتحاد الأوروبي، ولكن تلك الاتفاقية غدت ضحية لأزمة الثقة في الاتحاد الأوروبي، ولا تعتقد دول أوروبا الشمالية أن اليونان وإيطاليا تعملان على حراسة حدودهما بشكل ملائم، كما أن الثورات السياسية المضادة للهجرة في الداخل تجعل التسوية أكثر صعوبة، وهو ما تعلمته مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل.

ويتطلب إصلاح هذا الوضع التغلب على مأزق اللجوء في مناظرات الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، وهو ضغط من جانب طالبي اللجوء يمتد من دولة إلى أخرى في الشنغن وقد دفع رجال السياسة الى هدم الجدران، وأوشك وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر أن يفجر ائتلاف بلاده بسبب اقتراح يدعو الى إعادة طالبي اللجوء عند الحدود الألمانية إذا تم تسجيلهم في أماكن أخرى من الاتحاد الأوروبي.

وكانت خطته تتضمن إغلاق الحدود بما فيها ممر برينر بين إيطاليا والنمسا، ويمكن للضغط أن يصدر عن الاتجاه الآخر أيضاً، وعلى سبيل المثال تشير الأرقام المتوافرة الى وجود نحو نصف مليون شخص من المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا، كما أن الحكومة الجديدة في ذلك البلد– التي تعدت بتسفيرهم– قد تجد أن من الأسهل بدلاً من القيام بتلك الخطوة توجيههم نحو الشمال.

أسوار لا جسور

إذا كانت عمليات التفتيش والتحقق اليوم تثير مشاعر قلق لا مشاعر تدمير فسيلوح في الأفق مستقبل أكثر قتامة، وتوجز اليزابيث كولكت من معهد سياسة الهجرة الأوروبية في بروكسل ثلاث إمكانات في هذا الصدد، وتتمثل الإمكانية الأولى بالانتشار البطيء لإجراءات الرقابة على الحدود عبر دول الشنغن والتي تتقبلها بروكسل بهدوء، وتتمثل الإمكانية الثانية بتوسيع الرقابة من خلال التقنية مثل تحديد أرقام لوحات السيارات ونقاط التفتيش (وكانت الشرطة الفرنسية طوال سنوات تفتش القطارات العابرة من فنتيميغليا وهي بلدة حدودية إيطالية وتقوم بإعادة المهاجرين غير الشرعيين)، وتتمثل الإمكانية الثالثة بالتراجع إلى أعداد أصغر إلى مناطق تخلو من استخدام جوازات السفر مثل بينلوكس ودول الشمال وآيبيريا.

والمخرج الوحيد من هذا الوضع هو قيام قادة أوروبا بطريقة ما بحل خلافاتهم حول تسوية قضية المهاجرين غير الشرعين، ويتم ذلك عن طريق فرض رقابة تامة على كل الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويريد البعض تحقيق اتفاقات مع دول في إفريقيا الشمالية تفضي الى خفض عدد المغادرين فيما يريد البعض الآخر إقامة معسكرات لطالبي اللجوء في دول البلقان، وسيقوم القادة بمناقشة هذه الأفكار في قمة الاتحاد الأوروبي خلال أيام.

ويتعين أن يوفر الهبوط في عدد المهاجرين فرصة للتوصل الى اتفاق ولكن الاتحاد الأوروبي يسعى الى التخلص بدلاً من ذلك من متاعب وذيول الهجرة، وتشبه إليزابيث كولكت هذا الوضع بفترة التشويش قبل حدوث عاصفة رعدية تثير تداعيات لا حصر لها.

back to top