خالد النفيسي المشغوف بالمسرح والثائر على التقليدية (1-2)

تميز بصفات القيادة واللباقة والفكاهة وسرعة البديهة

نشر في 13-06-2018
آخر تحديث 13-06-2018 | 00:01
تميز الفنان الراحل خالد النفيسي بصفات القيادة واللباقة والفكاهة إضافة إلى المثابرة وحب المسرح وسرعة البديهة، فمذ مرحلة الشباب شمّر عن ساعديه وتحمل المسؤولية مبكراً، حيث عمل موظفاً في ميناء الشويخ في عام 1954، مستفيداً من انخراطه في معسكر الكشافة حيث كان يتدرب على الاعتماد على النفس ورباطة الجأش، كما كان يمارس أنشطة متنوعة في مقدمتها التمثيل الذي كان يعشقه.
وعقب بضعة أعوام عُيِّن موظفاً في صندوق الجمارك ولكنه لم يستمر طويلاً حيث انتقل إلى العمل في أملاك الدولة ثم عمل عام 1962 بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أما في مجال الفنون فبدأ ممثلاً هاوياً على خشبة المسرح المدرسي عام 1953، ثم كانت له محاولات أخرى في مجال التمثيل عام 1965 مع فرقة المسرح الشعبي، وعقب عام قدم مسرحية مع مجموعة من زملائه بعنوان "ضاع الأمل" وهي من تأليف وإخراج الفنان محمد النشمي وعرضت على مسرح الصديق.
اتسم النفيسي في الدراما التلفزيونية بالبعد التربوي، لاسيما في مسلسل "إلى أبي وأمي مع التحية" فقد قدم شخصية الاب الصارم والحنون في الوقت ذاته والباحث عن تميز أولاده وتفوقهم، وإضافة إلى ذلك كان يمزج الجانب الاجتماعي بالبعد السياسي في العديد من الأعمال المسرحية، ومن أبرز أدواره شخصية "بوصالح" في مسلسل "درب الزلق" الذي يعيش قصة حب متأخرة فيغرم بجارته وتدور الأحداث ضد اتمام هذا الزواج، لكنه ينتهز فرصة سفر ولدها حسين بن عاقول ويرتبط بها بمساعدة الخال قحطة.

لا يمكن اختصار مسيرة نحو 5 عقود في شخصية أداها في التلفزيون أو على خشبة المسرح أو السينما فقد ترك إرثاً فنياً ضخماً لأنه كان يشتغل على الأعمال التي يؤديها بتكنيك مختلف يخصه وحده ولا يشبهه أي فنان آخر.

كان النفيسي أحد أبرز أعمدة المسرح الكويتي والتلفزيون منذ الستينيات من القرن الماضي ولم يتحقق له ذلك إلا بفضل الموهبة والأداء المتقن إضافة إلى الرغبة الجامحة في تطوير الأداء والاختيار الواعي للشخصيات التي يجسدها.

يصنّف الفنان خالد النفيسي أحد أبرز صانعي الابتسامة ورواد حركتها الفنية بعد ما يقارب نصف قرن مع العطاء، حيث وافته المنية عن عمر يناهز 69 عاما.

أشهر الوجوه الفنية

ويعتبر الراحل، وهو من مواليد الكويت عام 1937، أحد أبرز رواد الحركة المسرحية الكويتية والخليجية الذين واصلوا عطاءهم لدعم الحركة الفنية في المسرح والتلفزيون والسينما في الكويت وأشهر الوجوه الفنية التي رسمت الابتسامة من خلال تقديمها للعديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية.

تلقى الراحل تعليمه في المدرسة الأحمدية وكانت هوايته كرة القدم، حتى إنه كان عضوا في نادي الكويت الرياضي، ومارس التمثيل في اثناء التحاقه بمعسكر الجوالة في فترة شبابه.

ويعد الفنان الراحل عملة نادرة ونوعية مميزة استطاعت الاستحواذ على قلوب الجماهير من خلال تركته الثمينة التي خلفها من أعمال فنية تعد قمة في الفن الراقي، رسخت في ذاكرة الكويت وأهلها.

مشوار حافل

حفلت مسيرة النفيسي بنجاحات كبيرة وثرية لا سيما مع بدء انطلاق مسيرته المميزة في منتصف الخمسينيات وأدى بامتياز خلال مشواره الفني العديد من الادوار التمثيلية الكويتية محققا لذاته اسما لامعا سطع في سماء الفن الكويتي والعربي. وتألق خلال تأديته العديد من الادوار في التراجيديا والكوميديا سواء في المسرح أو في المسلسلات التلفزيونية والإذاعية. خطا أولى خطواته نحو الحياة الفنية عام 1956 من خلال مشاركته في مسرحية "ضاع الأمل" التي رافقه في تمثيلها كل من الدكتور صالح العجيري والفنان الراحل محمد النشمي وسعد القطامي، بالإضافة إلى عقاب الخطيب. تتلمذ النفيسي على يد مؤسس الحركة المسرحية في الكويت زكي طليمات، إضافة إلى رواد الحركة الاوائل وعمل معه في العديد من الأعمال المسرحية، ومن بعد مسرحية "ضاع الأمل" قدم النفيسي مع زكي طليمات عدداً من الأعمال، منها أعماله المسرحية التي لا تنسى "صقر قريش" و "ابن جلا" و"أبو دلامة"، ثم قدم مع فرقة المسرح العربي مسرحيات "عشت وشفت" و"الكويت سنة 2000" و"اغنم زمانك" ومن "سبق لبق" إلى جانب مسرحيات أنتجها القطاع الخاص مثل "حرم سعادة الوزير" و"بيت بوصالح" و"ممثل الشعب" و"دقت الساعة" و"حامي الديار" و"هذا سيفوه" و"سنطرون بنطلون". وشكل النفيسي خلال عقد الثمانينيات مع الفنان سعد الفرج والكاتب عبد الأمير التركي مثلثا قدموا من خلاله مسرحيات سياسية تضمنت مضامين نقدية سياسية ساهمت في خلق حالة من الوعي السياسي، وذلك إيمانا منهم بدور المسرح في الإصلاح والتوجيه.

ومن مسلسلاته التلفزيونية: "درب الزلق" و"أبلة منيرة" و"الحيالة" و"ديوان السبيل" و"خالتي قماشة" و"محكمة الفريج" و"إلى أبي وأمي مع التحية" و"خالتي وعمتي" و"الشريب بزة" و"عديل الروح" و"فريج صويلح".

ومن أعماله السينمائية فيلم "الصمت" وفيلم "العاصفة".

قلوب المشاهدين

وحقق الفنان الراحل خلال مشواره الفني انسجاما كبيرا في الأعمال التي قدمها مع الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، كان أبرزها "درب الزلق"، من تأليف عبدالأمير التركي وعبدالحسين عبدالرضا، والذي يعتبر من أكثر الأعمال التلفزيونية شهرة خليجيا وعربيا، وساهم في تعزيز وجود الفنان الراحل فنيا، وسهل عبوره إلى قلوب المشاهدين. جسد الراحل خلال مشاركته في ذلك المسلسل شخصية "بوصالح"... وهي الشخصية التي اكسبته محبة وشهرة وجعلت منه علما فنيا بارزا على المستويين المحلي والعربي.

مرهف الحس

وعن ذكرياته مع رفيق دربه، كان يقول الراحل عبدالحسين عبدالرضا: " الأخ والصديق والحبيب ورفيق الدرب الخالد خالد النفيسي، لا استطيع أن ارثي خالد، فالخالدون لا تكفيهم كلمات الرثاء... وخالد النفيسي ليس ممثلا فقط بل إنسان وصديق وأخ تربيت معه منذ الطفولة في مدرسة الأحمدية أثناء الدراسة وتزامنا معا في المسرح العربي في بداياتنا، وكان شفافاً مرهف الحس لا يعرف الحسد طريقا إلى قلبه".

وتابع: "لا اعرف كيف اعبر عن خسارتي فيه وكم افتقده، فكيف يرثي الإنسان نفسه؟ خالد يستحق أن نتذكره كل ساعة، فمن مثل خالد يترك فراغاً من الصعب أن يشغله احد، نجتمع هنا في ذكرى خالد وكلنا نتذكره بخفة ظله وشخصيته المميزة، فمن منا لا يذكر بوصالح في "درب الزلق" حين كان يتعمد أن يجعلني اضحك في مشاهده معي، خالد لم يكن ممثلا محترفا بل كان هاويا للفن حتى النخاع، حتى يوم رحيله كان يعشق المفاجآت ويتفنن فيها، لكن مفاجأته الأخيرة ادمت قلوبنا لكن امر الله لا راد له، وخالد النفيسي يستحق منا الكثير لأنه افنى عمره في سبيل نشر الفن الكويتي في العالم العربي".

مجابهة المجتمع

وتقول الفنانة حياة الفهد عن النفيسي: "الحديث عن بوصالح الفنان خالد النفيسي، يحتاج إلى صفحات، فالمميزات التي يتمتع بها كثيرة كإنسان أو كفنان، لو اخذنا الجانب الفني فهو من الرعيل الأول الذين رسموا الخطوة الأولى وغرسوا شجرة الفن على ارض المسرح بالكويت وتحملوا المصاعب واستنكار المجتمع لهذا اللون من العمل، فالنظرة غير السوية لم تكن للمرأة فقط بل كانت حتى للرجل، لكن إصراره هو وإخوانه على مواصلة الطريق كان عن إيمان بأن الفن رسالة لإصلاح بعض الجوانب السلبية في المجتمع".

وأضافت: "استمر بوصالح سنوات طويلة مع زملائه ممن عملوا بإخلاص وقدموا أفضل الأعمال، أعمال كثيرة ومميزة لا يمكن حصرها، ومن حسن حظي انني شاركته في بعض هذه الأعمال".

الكرم والمسرح

وفيما يتعلق بالجانب الإنساني، تسرد الفهد بعض صفاته: "كان مميزا في كل شيء، بحبه للجميع، وخفة روحه، وكرمه، لم نسمع أنه اختلف مع أحد أو تكلم عن أي إنسان في غيابه، كان مجلسه لا يمل، بعيداً عن النميمة والحسد، مرحاً، وحتى وهو بعيد يتصل ويسأل ويدعو زملاءه لزيارته، لا يحب أن يرى احدا متضايقا أو حزينا، حتى في مرضه كان ساخرا يسخر من المرض، فقال ذات مرة ما "أخلي" المرض يهزمني، أنا بوصالح. وفعلا هزم المرض، لكن المنية كانت سريعة، وهذا أمر الله".

الريادة الفنية

وعن ذكرياتها مع النفيسي، تقول الفنانة سعاد عبدالله: " هو ممثل كويتي كانت له مسيرة عطاء دامت من 1956 في مسرحية "ضاع الأمل" إلى عام 2005 في آخر أعماله "عديل الروح" و "فريج صويلح". يعد هرما ساهم في تشكيل البدايات والملامح الفنية لمنطقة الخليج، حينما كانت الريادة الفنية والثقافية كويتية بحتة، إذ قدم أعمالاً تحولت مع الزمن إلى "أيقونات" فنية على مستوى المسرح والتلفزيون والإذاعة وحتى السينما في منطقة الخليج والعالم العربي، وساهم من خلال ما جسده من شخصيات برغم بساطتها في تشكيل وعي ونظرة مجتمعه للحياة.

وأضافت: "لم أكن أفكر للحظة أنه سيرحل، فنحن لا نتخيل فكرة موت من نحب، لكن تبقى الذكريات التي قد تكون مصدرا لفرحنا وسعادتنا عندما نستعيدها، الذكريات ذاتها قد تصبح مصدراً للألم عندما تخص عزيزاً رحل عنا كخالد النفيسي".

«إلى أبي وأمي مع التحية»... المسلسل التربوي الأكثر نجاحاً

يناقش مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» في جزءين قضايا عائلية، وهو من الأعمال التي لها بصمة وما زالت تتابع بشغف الماضي. يتمحور حول عائلة «سعود» المتزوج من «عائشة» ومعه أولاده.

ويعتبر العمل الأكثر نجاحاً في الدراما الكويتية، وقد قدم العمل في جزءين كل منهما يتكون من 13 حلقة، عرض الأول عام 1979، والثاني عام 1982، كتبه طارق عثمان وأخرجه حمدي فريد، وإنتاج مؤسسة البدر للكاتبة المتميزة عواطف البدر، أبطال الجزء الأول: خالد النفيسي، وحياة الفهد، وعبد الرحمن العقل، وهدى حسين، وسحر حسين، وبدر المسباح، ومنصور المنصور، وعلي المفيدي، وحسين المنصور، وحسين المفيدي، وحسين المنصور، وعبدالمحسن الخلفان، وفيحان العربيد.

كان هذا العمل من أوائل الأعمال التي تعالج قضايا الأسرة بأبعاد تربوية جادة تحت إشراف أساتذة في جامعة الكويت بالتربية، وحاولت الحلقات أن تغطي جميع سلوكيات ومشاكل الأسرة اليومية من مشاكل الزوجين في تربية الأبناء وعلاقة الأبناء مع والديهما، بالإضافة إلى استعراض قضايا الأبناء في جميع مراحلها... النشأة، والطفولة، والمراهقة.

وتقول عواطف البدر، منتجة العمل، إن مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» حقق النجاح الأكبر بين أعمالها لعدة أسباب، أبرزها أنه تربوي كلاسيكي يصلح لجميع الأزمنة، وحتى لو تم عرضه بعد عشرين عاماً من تاريخنا هذا فسيبقى مُشاهَداً أيضاً، فعلى الرغم من أن كل عائلة في العالم العربي تشاهد نفسها من خلال العمل أيضاً، فان القضايا والمشاكل التي تمت معالجتها هي ثابتة لا تتغير عبر الأزمنة، منها تربية الأبناء والامتحانات والدراسة والتغيرات السلوكية التي تظهر على الأبناء في فترة المراهقة، مثل هذه القضايا والأمور تبقى ثابتة مع مرور الزمن والأجيال المتعاقبة.

الجدير بالذكر أن المخرج الراحل حمدي فريد تعرض لوعكة صحية بعد الانتهاء من تصوير العمل أجبرته على التوقف عن الإخراج لمدة تزيد على عام، لكن إصرار الكاتبة عواطف البدر على التمسك به كان سبب تأجيل تصوير الجزء الثاني لأكثر من مرة.

وفي الجزء الثاني يسترسل طارق عثمان في التطرق إلى معالجة القضايا التربوية، ولكن بشكل موسع أكثر وتحديداً بعد إدخال عائلة موازية إلى العائلة الرئيسية وهي الجيران، كما شهد الجزء الثاني انضمام مجموعة من الممثلين وخروج بعض الأسماء المشاركة في الجزء الأول.

النفيسي أحد أبرز أعمدة المسرح الكويتي والتلفزيون منذ ستينيات القرن الماضي

تلقى تعليمه في المدرسة الأحمدية وكان عضواً في نادي الكويت الرياضي

تألق خلال أدواره في التراجيديا والكوميديا في المسرح والتلفزيون والإذاعة

تتلمذ على يد زكي طليمات وقدما عدداً من الأعمال المسرحية

مارس التمثيل أثناء التحاقه بمعسكر الكشافة في فترة شبابه
back to top