«هذا مطاطو؟» *
الصورة قاتمة ولكن الإصلاح لا يزال ممكناً، إلا أن الإصلاح لا يتجزأ، فتطبيب هذا النزيف التعليمي يتطلب إيقاف كل نزيف آخر في أطراف جسد الدولة، والتي لن يصح عضو من أعضاء جسدها وبقيته معطوبة.

عندما يستتب الأمر للفساد بفعل الزمن يصبح الفاسدون أبطالاً، تصبح الوقاحة هي السمة العامة، حيث يُحتفى بالفساد في العلن ويُدافع عنه بملء الأفواه ويستميت من أجله مناضلوه، ويتحول مقاومو الفساد إلى أعداء يستحقون الضرب والخنق والتهديد، وتصل القضية إلى القضاء، هذه القضية المبدئية، القضية المنطقية، ليفصل هو فيما لا يحتاج إلى الفصل، ويمتلئ المجتمع بهؤلاء الأبطال الفاسدين، وتصبح هناك مشاكل غريبة عجيبة مثل مشاكل الشهادات المزورة ومشاكل خريجين لا تعكس معدلاتهم، بأي شكل واقعي، تقييمهم العلمي، ويمسك هؤلاء بعد زمن بسدة التعليم، فيصنعون مخرجات على شاكلتهم، ويدورون وندور معهم، حتى تغلق علينا دائرة الفساد تماماً، ويتحول الإصلاح الى عملية نضالية خطرة تتطلب سترة واقية وخوذة فولاذية. الصورة قاتمة ولكن الإصلاح لا يزال ممكناً، إلا أن الإصلاح لا يتجزأ، تطبيب هذا النزيف التعليمي يتطلب إيقاف كل نزيف آخر في أطراف جسد الدولة، والتي لن يصح عضو من أعضاء جسدها وبقيته معطوبة. يجب ألا نختلف كمجتمع على هذه القضية، يجب ألا يكون بيننا من هو قادر، وعلناً، أن يدافع عن الغش والغشاشين، وفي حال وصولنا إلى هذه المرحلة فنحن فعلاً في خطر حقيقي، خطر يتضخم لا من انتشار فساد ما، بل من القبول به والدفاع عنه. دعواتكم في هذا الشهر الفضيل ألا تختفي هذه القصة مثل سابقاتها، ألا يردمها سكوتنا وقصر أنفاسنا في محاربة الفساد، ألا يقبرها نهائياً المستنفعون مطاطو الأخلاق في سراديب فسادهم التي لا نهاية لها، دعواتكم في هذا الشهر الفضيل ألا ننسى سريعاً، قولوا آمين.* من منا يستطيع أن ينسى قصة "المطاطو" في مسرحية "باي باي لندن"؟ رحمك الله أبا عدنان، فراقك خلق أزمة وجودية لا تريد أن تنتهي.