ندى بو حيدر طربيه: المرأة الشاعرة تنقل الحبّ بطريقة أنثويّة خجولة وجريئة في آن

نشر في 23-05-2018
آخر تحديث 23-05-2018 | 00:04
ندى بو حيدر طربيه شاعرة مسكونة بالحلم، تتخذ منه ملاذاً لا لتهرب من الواقع بل لابتكار مساحة حرة تعبر فيها عن انفعالاتها كأنثى خصوصاً وكشخص عموماً يعيش حالات مختلفة من المشاعر والأحاسيس.
آخر إصداراتها سي دي «شعر موجوع»، بعد أربعة دواوين لها، أرادت من خلاله نقض مقولة تتردد على الألسن: «لا وقت لدينا لقراءة الشعر»، باعتبار أن السي دي يمكن الاستماع إليه في المنزل أو في السيارة أو في أي مكان، ويصل إلى أكبر شريحة من الناس...
حائزة ميدالية ذهبية في برنامج «استوديو الفن» (2001)، لم تكتفِ الشاعرة ندى بو حيدر طربيه بهذا الفوز بل عملت على نفسها واجتهدت في إغناء تجربتها الشعرية فحققت استمرارية وحفرت لها مكانة على الساحة الشعرية فضلاً عن احتلالها مراكز من بينها: المسؤولة الإعلامية في الملتقى الثقافي للحوار اللبناني العالمي، ومستشارة ثقافية في الصالون الأدبي في منطقة الشمال اللبناني.
آخر إصدار لك «شعر موجوع» عبارة عن «سي دي» بصوتك مع مرافقة موسيقية من إعداد فادي سعادة، فهل تعتبرين أن القرص المدمج يحقق انتشاراً أوسع للشعر من الديوان الورقي؟

يتكامل الـ«سي دي» مع الديوان الورقي، من دون أن يلغي أحدهما الآخر. فالكتاب يملك قيمة أدبيّة ويحاكي حاسّتي النظر واللمس. أمّا السي دي، فيحاكي حاسة السمع. علميّاً، تختلف الذاكرة عند الناس بين بصريّة أو سمعيّة. فالبعض يرغب بقراءة الشعر، أمّا البعض الآخر فيتمتّع بسماعه. مع الأخذ في الاعتبار، عصر السرعة الذي، للأسف، غلّب المؤثرات البصريّة والسمعيّة على مطالعة الكتب.

يتضمّن الـ «سي دي» 17 قصيدة هي مقتطفات من دواوينك الأربعة «صرخة صمت»، و«عطر الندى»، و«مراية من ورق»، و«خاتم حبر». ما الهدف من إصداره؟

الهدف من الـ«سي دي» الوصول إلى أكبر شريحة من محبّي الشعر. وبناء على رغبة الحضور في أمسياتي الشعريّة، حيث كانوا يثنون على إلقائي قصائدي وتعابيري الصوتيّة، أصدرت سي دي «شعر موجوع». يستطيع الإنسان سماعه في السيارة خلال توجّهه إلى العمل يوميّا، أو خلال أداء الأعمال المنزليّة ليكون مبرّراً أو حافزاً لمعتمدي المقولة التالية: «ليس لديّ وقت للقراءة والمطالعة». هذا ما تعتمده البرامج التلفزيونيّة الثقافيّة والوثائقيّة من خلال تحويل المعلومات المكتوبة إلى صيغة الصورة والصوت التي تحفّز المشاهد وتخلق عنده رغبة في المشاهدة.

ترسمين في دواوينك الشعرية الحب في حالاته المختلفة، فهل أنت بطلتها أم تستقين أبطالها من خيالك؟

تسكنني ألف امرأة في آن. أنا العاشقة للرجل يوماً، والمتمردة عليه والثائرة يوماً آخر. أنا الحنونة أحياناً والقاسية أحياناً أخرى. أنا الأم المضحيّة والحرّة المستقّلة. أنا الضعيفة في الاستسلام للحبّ، كما أنّني القويّة المتملّكة. أنا سند للرجل كما أنّه سند لي. أنا أحتوي الحبّ وألغي حدوده حين يحتويني، كما أنّني أرسم حدود نار إذا خيّب ظنّي. كلّ امرأة هي بطلة حبّ في مراحل معيّنة من حياتها. أمّا الشاعرة، فهي بطلة حبّ في كلّ موقف صغيراً كان أم كبيراً، ترسمه لتحوّله قصيدة خالدة. أنا بطلة الحبّ أحياناً لكنّ خيالي في القصيدة أبعد من بطولاتي الواقعيّة، وفق مقولة الشاعر هولدرلن: «الإنسان يستوطن الأرض شعريّاً».

امرأة من ورق

في وصفك الحب والمرأة العاشقة شجن وحزن وحتى إمحاء، وفي إحدى قصائدك تشبهين المرأة العاشقة بأنها امرأة من ورق. فهل الحب بالنسبة إليك معاناة وأين موقع الفرح فيه؟

أنا شاعرة أطلب المستحيل والتفاني ولا يرضيني الحبّ بنماذجه ومعاييره وقواعده الواقعيّة. الشاعرة يرضيها حبّ استثنائي وهي تدرك أنّه غير موجود على أرض الواقع. هي إمّا تعتلي عرشاً أو تخلع التاج وتمضي. يدور ذلك كلّه في فلك صراعاتها الداخليّة الروحيّة من دون أن تتشارك به في حياتها اليوميّة والتزاماتها العائليّة والزوجيّة والاجتماعيّة. فكما يقول أدورنو: «الفنّ هو مجال الحريّة في وسط الضرورة». أمّا بالنسبة إلى امرأة من ورق، فهي رسالة لعدم ترسيخ كلّ طاقات المرأة عند الشكل فحسب. ستزول الصورة يوماً في كلّ المرايا الزجاجيّة. أمّا عند الشاعرة، فتبقى مرآة الورق بعد الرحيل. أيّ الكتاب الذي يشكّل المرآة الروحيّة.

تقاربين الحب من منظار روحي، فما رأيك بالشعراء الذين يقاربونه من منظار مادي أقرب إلى الغريزة؟

عندما يقارب الشاعر الحبّ من منظار مادي أقرب إلى الغريزة، تصبح القصيدة أقرب إلى وصفة طبيّة أو فاتورة سوبرماركت، أو مسألة رياضية، أو فيزيائيّة، أو كيماويّة، أو جداول حسابيّة وماليّة، لا قيمة مضافة روحيّة فيها، ولا اهتزاز مشاعر، ما يتعارض مع مفهوم الحبّ السامي الذي يرتقي إلى أبعد من الجسد ليشكّل ثنائيّة روحيّة عاطفيّة قلّما نجدها اليوم في مجتمعات يزداد فيها الطلاق بشكل مخيف، نتيجة الارتكاز على المادة والغريزة والقشور الزائفة من دون الاهتمام بالجوهر.

لماذا تعتمدين العامية في شعرك؟

أكتب الشعر الفصيح كما أكتب الشعر العامي. أكتب القصيدة العموديّة الموزونة، كما أكتب المقالات النثريّة. أختار اللهجة وفق روح القصيدة. كما الرسّام ينوّع في اختيار رسم اللوحة الزيتيّة أو المائيّة، ينطبق الأمر على الشاعر الذي يجد نفسه أمام أفكار تترجم عاميّة أو فصحى أو شعراً أو نثراً.

رسائل هادفة

كيف تقيمين تجربتك كامرأة شاعرة في مجتمع ذكوري؟

القصيدة تنقل حالة الشاعر إلى حالة القارئ أو المستمع، ليشعر أنّ القصيدة هي ترجمة لذاته، وكأنّه هو من كتبها من دون أن يكتبها. اعتدنا أن نسمع القصائد الغزليّة الموّجهة إلى المرأة من الرجل الشاعر. وكثيراً ما طرح عليّ سؤال: كيف للمرأة أن تتغزّل بالرجل؟ المرأة تختار الرجل وفق معايير مختلفة عن اختيار الرجل للمرأة. فهو إن ارتكز على شكلها بشكل كبير، هي ترتكز على صفاته وتصرفاته، وطبعه. أهميّة المرأة الشاعرة، أنّها تنقل حالة الحبّ بينها وبين الرجل، بطريقة أنثويّة خجولة وجريئة في آن، جسديّة وروحيّة في آن، بعيداً عن تسليط الضوء على المفاتن الجسديّة عند الرجل. وهذا ما جعل جمهوري من النساء يقول لي: كلّ امرأة فينا تشعر بأنّك كتبت قصّتها في قصيدتك وعبّرت عنها في شعرك. كما جعل جمهوري من الرجال يقول لي: كلّ رجل يتمنّى أن يكون بطل قصيدتك.

لك قصائد خاصة بمناسبات عدة، برأيك هل يبقى الشعر شعراً عندما يصبح حرفة أو شعر مناسبات؟

يستطيع الشاعر أن يضمّن صوراً إبداعيّة في قصيدة المناسبة، إلّا أنّ القصيدة تبقى أسيرة بيئة معيّنة وزمن معيّن، وهذا يختلف باختلاف ظروف المناسبة. ويمكن أن يخلق إبداعاً بعيداً عن المدح الزائف والتكاذب والتزلّف ومن دون أن يضع نفسه في إطار شاعر البلاط. الشاعر المحترف، قادر أن يصنع قصيدة المناسبة، عبر إعطاء رسالة هادفة في القصيدة، إلا أنّه يبدع حين تنبع الأفكار من مشاعره الذاتيّة من دون التقيّد بمناسبات معيّنة.

ما الجديد الذي تحضرينه راهناً؟

أنا في صدد إتمام رسالة الماستر في علوم الإعلام. كما أنّي في صدد تحضير ديوان شعري جديد.

ميداليات وجوائز

فازت الشاعرة ندى بو حيدر طربيه بالميدالية الذهبية عن الشعر في برنامج «استوديو الفن» في 2001، كذلك حازت ميداليات وجوائز خلال مسيرتها الشعرية، حول دور هذه التكريمات توضح: «فزت بالميداليّة الذهبيّة عن الشعر كما جائزة المخرج سيمون أسمر التي منحت لي لأوّل مرّة كشاعرة في تاريخ برنامج استوديو الفنّ. حقّقت شهرة خصوصاً في المجال الثقافي واختصر هذا النجاح الكثير من الوقت المبذول لتصنيفي شاعرة من لجنة تتمتّع بخبرات فنيّة وثقافيّة رائدة وتشكّل مرجعيّة موثوقة على صعيد التقييم الإبداعي. ساهم ذلك في انطلاقتي بشكل سريع وجعلني أعتلي المنابر مع كبار الشعراء حيث كنت الشاعرة الأصغر سنّا بين باقي الشعراء».

تضيف: «لم تقدّم لي الحياة شيئاً على طبق من فضة. تعبت في سبيل الشعر، غسلته بدموعي، صقلته بعذابي، نعمّته بأصابعي المدمّمة، حوّلته مرآة نار ونور عبر عينيّ. زخرفته ببصمات ألمي إلى أن توهّج وجعاً ولفت أنظار من حولي، فحسدوني عليه وتمنّوه لهم، وقالوا عالياً: «يا لحظّها! حصلت على ما تريد على طبق من فضة». محبة الناس هي هديّة الله لي على طبق من فضة، فكان كلّ من وقفوا إلى جانبي، ملائكة حارسة لي، أشكر الله على مرورهم في حياتي. لا شكّ في أنّ التكريمات تعزّز الثقة لدى الشاعر بنفسه وتعطيه حافزاً للمضي قدماً، رغم أنها لا تلبّي مطالب الشعراء الحياتيّة والمعيشيّة والإبداعيّة التي تحتاج إلى دعم من وزارة الثقافة لا يزال خجولا بعض الشيء».

الشاعرة يرضيها حبّ استثنائي وهي تدرك أنّه غير موجود على أرض الواقع
back to top