إشهار التنظيمات السياسية... مرة أخرى

نشر في 16-04-2018
آخر تحديث 16-04-2018 | 00:09
 د. بدر الديحاني لا جدال حول أهمية وجود قانون ديمقراطي لإشهار الأحزاب السياسية، (تُسمّى في دولنا الخليجية هيئات أو جمعيات سياسية نتيجة غياب التداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية)، وذلك، كما ذكرنا من قبل، على قاعدة مدنية ديمقراطية كي تُعرف نوعية برامجها، وعدد أعضائها على أن تكون عضويتها مفتوحة للمواطنين كافة من دون تمييز، فضلاً عن ضرورة معرفة مصادر تمويلها.

بكلمات أخرى فإنه يجب ألا يُسمح للجماعات التي تقوم على أساس ديني أو عِرقي بممارسة العمل السياسي لسبب بسيط، وهو أن وجود هذه الجماعات في الساحة السياسية ثم وصولها إلى سُلطة صنع السياسات واتخاذ القرارات العامة يتعارض مع الأسس والمبادئ والمنطلقات التي يقوم عليها النظام المدني الديمقراطي، فهي جماعات ذات اتجاه واحد، لا تعترف بحق الآخر المُختلف ولا تُعير أدنى اهتمام لقيم الديمقراطية والحريات والتعددية والتنوع وفصل السلطات، ودخولها الساحة السياسية هدفه استخدام هامش الحرية وآليات الديمقراطية، وبالذات صندوق الاقتراع، من أجل الوصول إلى السُلطة ثم احتكارها، إما مباشرة وبشكل سافر أو بتعديل القوانين لمنع وصول أي طرف سياسي آخر عن طريق الانتخابات.

وفي السياق ذاته، فإنه لا توجد في الديمقراطية الليبرالية في أوروبا أحزابٌ دينية مسيحية مثلما يزعم البعض، فالأحزاب السياسية الأوروبية التي تحمل اسم "مسيحية" وبعضها في السلطة الآن، مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا الذي ترأسه المستشارة أنجيلا ميركل، ليست أحزاباً دينية ترفع شعارات دينية مثل "المسيحية هي الحل" أو "التصويت لنا هو تصويت للمسيحية"، وما شابه ذلك من شعارات دينية ترفعها جماعات الإسلام السياسي (سنية وشيعية) في بلداننا.

كما أنها لا تعمل، عندما تصل إلى سُلطة القرار، على تغيير مواد الدستور من أجل نسف النظام الديمقراطي وإقامة الدولة الدينية مثلما تفعل جماعات الإسلام السياسي لدينا التي تحاول دائماً تعديل المادة الثانية من الدستور، وحينما تفشل تستبدلها تكتيكياً بتعديل المادة (79) من الدستور كي يكون هناك سلطة دينية فوق السلطات العامة كافة، وهو أمر شبيه بما هو موجود في الدولة الدينية في إيران، وغير ذلك من القوانين في الاتجاه ذاته، مثل ما أطلق عليه "قانون المُسيء".

الأحزاب التي تحمل اسم المسيحية في الغرب هي أحزابٌ مدنية ديمقراطية تسترشد بالمبادئ العامة للمسيحية كمرجعية عامة في عدد من القضايا الأخلاقية، ولكن برامجها السياسية وطنية عامة تُعبّر عن مصالح قوى اجتماعية، إذ إنها لا تقدم برامج أو رؤى أو تتخذ مواقف سياسية تتناقض مع مدنية الدولة ومبادئ النظام الديمقراطي، كما أنها لا تفرض وصايتها على سلوكيات الناس وتصرفاتهم وحياتهم الخاصة مثلما تفعل جماعات الإسلام السياسي في مجتمعاتنا.

إن وجود قانون لتنظيم العمل السياسي وإشهار التنظيمات أو الهيئات السياسية مطلب وطني مُستحق لأنه لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية، والوضع الحالي هو الفوضى بعينها التي لا ينتج عنها أي تقدم أو تطوير في العمل السياسي والبرلماني، ولكن التنظيم والإشهار يجب أن يكونا على قواعد وأسس مدنية ديمقراطية وبرامج وطنية عامة، لا تقنين الوضع الحالي السيئ، وذلك باشهار جماعات الإسلام السياسي (سنية وشيعية) والمجاميع الفئوية والطائفية، لأن ذلك يتناقض مع قواعد النظام المدني الديمقراطي الذي وضع الدستور إطاره العام، ويمهد الطريق لإقامة الدولة الدينية.

back to top