الرئيس الصيني يقايض مجموعة مخاطر بأخرى

نشر في 06-03-2018
آخر تحديث 06-03-2018 | 00:00
 ستراتفور . عندما لم يكشف مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني عن أي خلف واضح للرئيس شي جين بينغ في شهر أكتوبر عام 2017، لم يحقق أي هدف غير تعزيز الشكوك في أن شي يخطط لتخطي حدود السنوات العشر التقليدية التي يخضع لها منصبَا الرئيس ونائبه في الصين، وفي 25 فبراير تأكدت هذه الشكوك عندما عمل الحزب على إلغاء حدود الولاية هذه، فاتحاً في المجال أمام شي البالغ من العمر 64 سنة للبقاء في السلطة بعد عام 2023، ويشكّل إلغاء حدود مدة الولاية إحدى الخطوات الأخيرة في خطة الرئيس الصيني لترسيخ سلطته السياسية.

للسياسة الصينية اليوم خصوصيتان بارزتان: الأولى نموذج قيادة جماعي يقوم على التوافق، وتُتخذ فيه القرارات الأساسية من خلال تسويات داخلية وصفقات غير رسمية. طُبّقت هذه المقاربة بغية تفادي عدم الاستقرار الناجم عن قادة أفراد متهورين يتمتعون بشخصية قوية مثل ماو. ثانياً، تعمل الصين بدأب على نقل السلطة السياسية من حكومة مركزية إلى حكومات محلية. لذلك مُنحت الولايات، والبيروقراطيات، والكيانات الصناعية درجة عالية من الاستقلال الذاتي في قراراتها الاقتصادية، مما حفّز السكان المحليين على تحمّل مسؤولية ازدهارهم الاقتصادي الخاص، وسهّل بالتالي تطبيق استراتيجية الصين الأشمل لتعزيز النمو.

بروز شي

عادت كلتا هاتين الآليتين السياسيتين بالفائدة على الصين خلال فترة نموها الاقتصادي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، فصانتَا سلطة الحزب الشيوعي مع السماح في الوقت عينه بتحقيق الازدهار الاقتصادي، ولكن مع انتهاء القرن العشرين ودخولنا القرن الحادي والعشرين، بدأت وتيرة التغيير الاقتصادي والاجتماعي تتخطى التطور السياسي. نتيجة لذلك، نشأت مشاكل عدة، منها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية المناطقية، وكثرة الاستثمارات القائمة على المضاربة، وفرط القدرة الصناعية، والتراجع البيئي.

علاوة على ذلك كان للتباطؤ الاقتصادي العالمي في عام 2008 انعكاس سلبي كبير على الصين خصوصاً، وهكذا بدأ هذا البلد يدرك حاجته إلى التحوّل من اقتصاد قائم على النمو إلى نموذج تنمية أكثر توازناً وديمومة، لكن نظامه السياسي المرتكز على التوافق لم يُصمَّم لتطبيق التغييرات بسرعة.

دخل شي هذا المشهد السياسي في عام 2012، وأمضى السنوات الخمس الماضية في السعي إلى إعادة تشكيله بطريقة تتيح للصين معالجة تحدياتها الجديدة. في الخارج، رسم شي لنفسه صورةً كقائد عالمي وأعرب عن التزام بتحسين وجود الصين ونفوذها على المسرح العالمي، أما في الداخل فأحكم قبضته بلا رحمة على خصومه السياسيين وقواعد السلطة المختلفة في الحزب الشيوعي، والحكومة، وقطاعات الصين الصناعية.

المخاطرة

قد تولّد إزالة حدود ولاية الرئيس إحساساً بالاستمرارية السياسية بالنسبة إلى جهود الإصلاح الكبرى في هذا البلد، مع الحد في الوقت عينه من قدرة الخصوم ومجموعات الضغط المختلفين على الاكتفاء بالانتظار خمس سنوات إضافية وتهديد أجندة شي. فمع دولة بحجم الصين وشعب بضخامة شعبها لا يمكن تحقيق أي إصلاحات ملموسة في غضون فترة زمنية قصيرة. بالإضافة إلى ذلك من الممكن لهذا القرار أن يرفع دور الرئيس إلى موضع سلطة يضاهي من وجهة نظر الشعب دور رئيس الولايات المتحدة، سواء داخل الصين كرمز للأمة أو خارجها كصوت قيادي يدافع عن مصالح الصين على المسرح العالمي. ويُعتبر هذا الجزء الأخير من دور الرئيس بالغ الأهمية فيما تسعى الصين لتصوّر نفسها لاعبا عالميا فعليا لا يقل شأناً عن الولايات المتحدة.

رغم تكديسه كل هذه السلطة، لا يتمتع شي بالضرورة بحرية أكبر لاستخدامها، ويترافق سعيه المتواصل لترسيخ سلطته السياسية وتعزيز دور الدولة مع مخاطر متجذرة مهولة، فضلاً عن أن هذه الخطوة لا تضمن النجاح الأكيد. احتاجت الصين إلى 30 سنة لترى تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية، وقد يستغرق تصحيح عواقب هذه الجهود وقتاً أطول بعد. علاوة على ذلك سيصطدم السير المتواصل نحو سلطة مركزية لا محالة بمقاومة ونقاط جدل كثيرة، وهكذا بحشده الحزب حول شخصه، عزز شي المخاطر التي قد يواجهها في حال أخفق، فإذا فشلت سياساته (إما نتيجة أسباب داخلية أو اضطرابات خارجية)، فقد ينهار بسهولة الدعم الذي عمل شي طوال خمس سنوات على اكتسابه.

نتيجة لذلك سيشتعل الكره الذي يعتمل تحت الرماد داخل الحزب الشيوعي، متحدياً قدرة الدولة على تفعيل التغييرات التي عملت جاهدة على تطبيقها.

back to top