عندما تقيِّد الحكومة سلطة القضاء

نشر في 02-03-2018
آخر تحديث 02-03-2018 | 00:15
No Image Caption
عادة تتوجه التشريعات الحديثة في النصوص الجزائية إلى توسعة السلطة التقديرية للقضاء في إيقاع العقوبة الجزائية أو تخفيف شدتها أو الامتناع عنها إذا وجد القاضي من ملابسات الدعوى أو ظروف المتهم ما يستوجب إعمال الرحمة بما يحقق العدالة والغرض من النص التشريعي المُجرِّم، إلا أن الحكومة بمشروع قانونها المقدم أخيراً إلى اللجنة التشريعية بمجلس الأمة تبتر سلطة القضاء التقديرية في قضايا أمن الدولة، بل تلغي تلك السلطة تماماً، مولّية ظهرها لأبسط مبادئ الأصول التشريعية وأحكام القضاء عبر تحويلها القضاء، بما له من طبيعة إبداعية، إلى قضاء جامد وقاسٍ لا مكان فيه لممارسة القاضي سلطته التقديرية بإعمال التوازن بين النص التشريعي وملابسات الدعوى أو ظروف المتهم.

مثل هذا التطبيق الآلي للقانون يجعل مهمة القضاء تشبه سرير «بروكرست» مارد الأسطورة اليونانية، الذي كان يقطع أطراف ضحاياه أو يمدها كي تناسب حجم السرير، وهكذا يبدو ما تريده الحكومة بموجب مشروعها الأخير، فهي تقيد سلطة القضاء وتنفيها، بحصر مهمته في وضع القضية محل المحاكمة على سرير النص، دون أدنى مراعاة لظروف القضية أو أحوال المتهم.

المذكرة الإيضاحية للمشروع المقدم من الحكومة بررت هذا التشدد بأن جرائم أمن الدولة «تشكل خطراً على النسيج الاجتماعي وتختلف في طبيعتها عن العادية»... والسؤال الآن: أين الجديد الذي طرأ على «النسيج الاجتماعي» كي تطرح الحكومة مثل هذا التشدد والقسوة غير المعقولة؟ وهل كانت نصوص قانون أمن الدولة يوماً غير كافية في تطبيقها حتى تتقدم بمثل هذا المشروع المعيب؟!

حشْر تلك التعديلات المقدمة من الحكومة في نصوص قانون الجزاء وأمن الدولة يظهر توجهاً سلطوياً للدولة ويشكل انتقاصاً لسلطة القضاء، والأجدر بالحكومة أن تبادر إلى سحب مشروعها قبل نقاشه في اللجنة التشريعية أو المجلس، فهو مشروع سيئ صيغ بعجالة ويناقض حريات البشر وحقوقهم، ويخفي وجهاً قاتماً للتشريع ليست الدولة في حاجة إليه اليوم، في وقت تضع على صدرها وشاح الإنسانية.

الجريدة

back to top