أثر تفسير قرارات فحص الطعون

نشر في 13-02-2018
آخر تحديث 13-02-2018 | 00:17
 أحمد عبدالله المطوع حكمت لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية في الطعن الدستوري رقم 14/2017 الصادر في 15/11/2017 بقبول طعن أحد المتهمين شكلاً ورفضه موضوعاً بعدم دستورية المادة 275 من قانون الجزاء، التي تنص على أن «... كل من حصل بغير حق على خاتم الدولة أو خاتم إحدى المصالح الحكومية أو خاتم أحد الموظفين العامين، واستعمله استعمالاً ضاراً بالمصلحة العامة أو بمصلحة أحد الأفراد».

وأرى أن تفسير لجنة فحص الطعون للمادة لم يتطرق إلى أمور جوهرية تتعلق بمسائل دستورية مهمة، وأنه ولئن كانت المحكمة الدستورية قد حسمت نهائياً أن الحكم الصادر من لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية له مطلق الحجية في مواجهة سلطات الدولة (الطعن الدستوري رقم 1/1994 الصادر في 17/5/1994)، إلا أن ما سيتضمنه هذا المقال هو رأي فني لا يقدح بحجية واحترام الأحكام التي تصدر من المحكمة بكل درجاتها ومختلف دوائرها، ويأتي التعليق على الوجه الآتي:

إن البين من المادة المحكوم بدستوريتها سالفة البيان أنها لا تعاقب على مجرد الحصول بغير حق على خاتم الدولة أو خاتم إحدى المصالح الحكومية أو خاتم أحد الموظفين العامين، إنما تعاقب على استعمال هذا الخاتم استعمالاً ضاراً بالمصلحة العامة، إذ هو صلب الركن المادي في هذه الجريمة.

كما أن عبارة «واستعمله استعمالاً ضاراً بالمصلحة العامة» من تلك المادة صيغت مفتقرة إلى عناصر الضبط والإحكام الموضوعي، وإلى التحديد الجازم لضوابط تطبيقها لانطوائها على خفاء وغموض، وهو ما لم يقف عليه الحكم بتفسير هذه العبارة، أيضاً لم يبين الحكم ماهية المصلحة العامة التي باستعمال هذا الخاتم بشكل ضار بها يتحقق التجريم.

أضف إلى ذلك أن الاستعمال الضار مصطلح فضفاض قد يندرج في طياته أي فعل يبدر من الجاني مهما كانت طبيعته، ولو لم يكن له علاقة بالمصلحة العامة، لاسيما أن ما قررته المحكمة الدستورية أن من الأصل في النصوص الجزائية هو أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكماً على نحو لا يؤذن بتداخل معانيها أو تعدد تأويلاتها، والمقصود بغموض النص الجزائي هو أن يُجهل المشرع بالأفعال التي أثمها...» (الحكم الصادر في الدعوى رقم (3) لسنة 2016 «دستوري» – جلسة 11/5/2016).

وعبارة «المصلحة العامة» يمكن قبولها في الجرائم التي تمس أمن الدولة بشقيه الخارجي والداخلي، أما والحال ليس كذلك في المادة 275 جزاء، إذ لا علاقة لها بأمن الدولة، لا سيما أن الأصل في تجريم الأفعال أن يعمد المشرع إلى تحديد الأفعال التي تنطوي على مساس مباشر بالمصلحة المحمية إلا أن هذا التجريم لا يسوغ للمشرع أن ما اتخذه نموذجاً للعقاب أن ينفلت به من عقال الضوابط الدستورية المُحكمة التي تضبط شرعية الجريمة والعقوبة فيها.

لذلك فالنص سالف الذكر لم يحدد جملة الأفعال المجرمة حصراً مما يجعل النص يشوبه الغموض ويكتنفه الإبهام ويحمل في ثناياه التجهيل، وأن ما يستقر عليه القضاء الدستوري المصري أنه لا يتصور وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنيها المادي والمعنوي، ولازم ذلك أن يعين القانون كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية مناط التأثيم، وإلا كان مخالفاً لأحكام الدستور. (في هذا الشأن الطعن المحكمة الدستورية العليا رقم 97/28 قضائية دستورية صادر في 4/2/2017). لذلك كان لزاماً على المشرع تعديل هذا النص وإعادة ضبطه وإحكامه بما يتوافق مع أحكام الدستور ومبدأ الشرعية الجنائية الذي يقتضي تحديد حاكم جازم لماهية الأفعال المجرمة.

back to top