ألكسي نافالني المرشّح ضّد بوتين... لماذا استبعد؟

نشر في 18-01-2018
آخر تحديث 18-01-2018 | 00:00
استُبعد زعيم المعارضة ألكسي نافالني أخيراً من الترشح ضد فلاديمير بوتين في الانتخابات المقرر عقدها في مارس المقبل في روسيا. والسبب واضح: ليس مرحباً بسياسي حقيقي على خلفية ديمقراطية هذا البلد الزائفة. لا شك في أن إدارة ديمقراطية ليست بالأمر السهل. ولكن تخيل كم من الصعب على الأرجح تقليد ديمقراطية. يجب تعديل المشاهد وتعيين الأدوار السياسية باستمرار. يلزم أيضاً أن تكون الإضاءة ممتازة، وعلى الجميع أن يحفظوا حوارهم جيداً. لكن الأهم دراسة النص بعناية وتحديد شكله للمستقبل البعيد لأن الأدوار لا نهاية لها.

تشكّل الطريقة التي تنتخب بها روسيا رئيسها مثالاً لهذا النوع من الديمقراطية الزائفة. {شبيغل} عرضت التفاصيل.

استبعدت أخيراً لجنة الانتخابات المركزية في روسيا ألكسي نافالني من الترشح للانتخابات هذه السنة، علماً بأنه السياسي المعارض الوحيد الذي خاض حملة جدية. تذكر اللجنة أن لهذا المرشح سجلاً إجرامياً، وذلك يجعله غير مؤهل لتحدي الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

على غرار أية ديمقراطية زائفة أخرى، يُعتبر قرار منع نافالني من الترشح صحيحاً رسمياً لأنه يملك فعلاً سجلاً إجرامياً. لكن المنطق في هذه الحالة معكوس: لمنع نافالني من الترشح، أُدين قبل بضع سنوات في محاكمة غريبة بتهمة اختلاس مزعومة، مع أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان انتقدت إجراءات هذه المحاكمة. ولما كانت روسيا تفتقر إلى الفصل بين السلطات، فإنها لا تتمتع أيضاً بقضاء مستقل. وهكذا سيتمكن بوتين مجدداً من الترشح ضد خصوم مختارين بعناية.

يسم استبعاد نافالني نهاية تجربة مثيرة للاهتمام. قضت خطته الجريئة بالعمل كسياسي حقيقي في حملة انتخابات صورية. وعلى غرار ذلك الفرد من الحضور الذي يقفز فجأة على المسرح، أراد نافالني شق دربه بالقوة إلى السياسات الروسية الرسمية. لذلك كان الوحيد الذي أدار حملة حقيقية. فقام بجولات حول البلد شملت خطابات شغوفة، وفريق عمل ثابتاً، ولقاءات جماهيرية.

اعتقد نافالني أن الكرملين، إذا استبعد المنافس الحقيقي الوحيد، سيفضح مهزلة الانتخابات وزيفها. ولا شك في أن القيادة الروسية ترغب في تفادي سيناريو مماثل.

لكن الكرملين اتبع مساراً مختلفاً ومنع السياسات الفعلية من التطفل على ديمقراطيته الزائفة. فعلى مسرح مليء بالممثلين الرئيسين والثانويين الذين يدّعون أنهم سياسيون، من الخطير السماح بدخول سياسي حقيقي.

الديمقراطية الزائفة كيان سياسي معقد لا يتضمن انتخابات حرة وعادلة أو برلماناً وقضاء مستقلين. لكنه لا يترافق أيضاً مع الحشد الجماهيري أو القمع الجماعي اللذين يميزان الأنظمة المستبدة. إذاً، ترتكز الديمقراطية الزائفة على الخداع لا على العنف.

تبدو إحدى مزايا الديمقراطية الزائفة واضحة: تُعتبر أسرع من الديمقراطية الفعلية. على سبيل المثال، حقق مجلس الدوما أخيراً رقماً قياسياً جديداً في السرعة. فمن جلسة عامة إلى أخرى تخللتهما نهاية الأسبوع، بدل بالكامل تعامل هذا البلد مع وسائل الإعلام الأجنبية. بدأت هذه القصة في أحد أيام الجمعة في نوفمبر الفائت. في مبنى رمادي يقع في أخوتني رياد في قلب المدينة، حيث كان مقر لجنة التخطيط في الدولة السوفياتية سابقاً، اجتمع أعضاء البرلمان الروس لجلسة عامة.

تُعتبر هذه مجموعة متنوعة جداً تضمّ أول امرأة سافرت إلى الفضاء الخارجي، وأحد أبطال العالم في لعبة الشطرنج، وملاكماً من الوزن الثقيل استُقدم له خصوصاً كرسي أكثر عرضاً. أضف إلى هؤلاء مستكشفاً لمنطقة القطب غرس العلم الروسي في قاع المحيط المتجمد الشمالي تحت القطب الشمالي ومغنياً مسناً يضع شعراً مستعاراً ويُعرف عموماً بفرانك سيناترا روسيا. ويجب ألا ننسى بالتأكيد الرجل الذي سمم عميل الاستخبارات الروسية المنشق ألكسندر ليتفينينكو بالبلوتونيوم في لندن وكوفئ على جهوده هذه بمقعد في مجلس الدوما.

يوم الجمعة ذاك، بدا الجو في الجلسة العامة مضطرباً. تشكّل المسألة المطروحة مثار خلاف مع واشنطن. فقد طلبت وزارة العدل الأميركية لتوها من شبكة البث الأجنبية الروسية RT (عُرفت سابقاً بـ{روسيا اليوم}) التسجل كوكالة أجنبية.

كان المشرعون في مجلس الدوما غاضبين مع مطالبة هذه الهيئة بمواجهة هذا الاعتداء على حرية الصحافة برد {موازٍ}. وخلال استراحة الغداء، توافق زعماء الأحزاب الممثلة في ذلك المجلس على الرد المنشود. وما هي إلا ثلاثة أيام عمل حتى مرر البرلمان مسودة قانون كاملة. ولم يقدم أي من الأعضاء على الاعتراض أو حتى الامتناع عن التصويت، علماً بأن نسبة الحضور بلغت يومذاك 91% مع مشاركة 411 مشرعاً من أصل 450.

بفضل هذا القانون الجديد، صار بالإمكان تصنيف كل وسيلة إعلام أجنبية {وكالة أجنبية}. ولكن نظراً إلى السرعة التي عمل بها، أغفل مجلس الدوما عن تحديد الوكالة التي ستُصدر تصنيفات مماثلة، والمعايير التي ستعتمد عليها، والعواقب التي ستواجهها وسائل الإعلام المعنية.

لا شك في أن السرعة التي مُرر بها القانون تشكّل نتيجة لواقع أن مجلس الدوما ليس ما يدّعيه. يشير الدستور الروسي إلى أنه يتمتع بالصلاحيات ذاتها كما الجمعية الوطنية الفرنسية. وعلى غرار فرنسا، تُعتبر روسيا جمهورية رئاسية. لكن الوقائع تؤكد أن المشرعين الروس يملكون تأثيراً محدوداً جداً في الحكومة ومعدوماً تماماً في الرئيس، الذي يُنتخب مباشرةً من الشعب. علاوة على ذلك، يتحكم الكرملين في مجلس الدوما كما لو أنه دمية بيد محرّكها.

لكن مجلس الدوما لم يكن طيعاً دوماً. ففي تسعينيات القرن الماضي، هدد الرئيس آنذاك بوريس يلتسن بسحب الثقة منه، ورفض مرشحه لرئاسة الوزراء، وأدخل تعديلات كبيرة إلى الموازنة. كذلك كانت الأكثريات في هذه الهيئة محدودة، فضلاً عن أن المجلس الأعلى في البرلمان، المجلس الفدرالي، اعترض على واحد من كل ثلاثة قوانين كانت تُمرر. لكن تلك المرحلة انتهت منذ زمن بعيد. في عهد بوتين، تحوّل مجلس الدوما إلى برلمان صوري.

سمعة مشوهة

لكن فياتشيسلاف فولودين، الذي تولى رئاسة مجلس الدوما في عام 2016، يبذل قصارى جهده راهناً ليحسّن سمعة هذه الهيئة التشريعية المشوهة. إلا أن مسعاه هذا لا يعود إلى رغبته في تعزيز الديمقراطية في البلد. على العكس، هو كان عضواً أساسياً في إدارة الكرملين. ويُعتبر تعيينه رئيساً لمجلس الدوما خفضاً لمكانته في روسيا اليوم. لذلك يعمل فولودين جاهداً لتعزيز نفوذ منصبه الجديد. ولكن لا سبيل إلى هذا الهدف إلا بزيادة نفوذ مجلس الدوما بأكمله.

حمل فولودين أسلوب القيادة الاستبدادي معه عندما انتقل من الكرملين إلى البرلمان. حرص أولاً على استبعاد مسودات القوانين السخيفة قبل أن تُطرح للمناقشة والحد من السرعة التي تعبر بها مشاريع القوانين هذه الهيئة التشريعية. علاوة على ذلك، زاد نسبة المشاركة في الجلسات العامة، مهدداً مَن يمتنعون عن حضور جلسة من دون عذر بخصم من الراتب بقيمة 870 يورو.

يسخر فاليري راشكين، ممثل الحزب الشيوعي في هذا المجلس، من تدابير الحضور هذه، معلناً: {نحصي اليوم ساعات الجلوس. يقول الناس إن فولودين منح مجلس الدوما وجهاً لأننا صرنا كلنا نشارك راهناً في الجلسات العامة. إلا أن حضورك أو غيابك لا يؤثران في القوانين. يشكّل مجلس الدوما في مطلق الأحوال خط تجميع روسيا الموحدة}، مشيراً إلى حزب بوتين السياسي.

راشكين مصيب بالتأكيد. يشغل هذا الحزب 343 مقعداً من أصل 450 في البرلمان، أي أكثر بنحو ثلاثة أضعاف من مجموع مقاعد الأحزاب المعارضة مجتمعةً.

راشكين عضو بارز في حزبه. يحتفظ بتمثال نصفي لمؤسس البوليس السري السوفياتي فيلكس دزيرجينسكي في مكتبه. عندما انتُخب راشكين لمجلس الدوما أول مرة قبيل عهد بوتين عام 1999، كان الحزب الشيوعي لا يزال نافذاً ويسيطر على رئاسة مجلس الدوما بصفته الأكبر في البرلمان.

ولكن منذ ذلك الحين، بدأت الأوضاع تتقهقر بالنسبة إلى الشيوعيين والديمقراطية البرلمانية على حد سواء. في عام 2010، نُشر شريط مصوّر يُظهر بضعة نواب يركضون في الصالة العامة الفارغة وهم يضغطون على أزرار التصويت. كان القانون الذي يصوّتون عليه سياسة عدم التسامح عند القيادة تحت تأثير الكحول. ويشير جهاز التصويت الإلكتروني في مجلس الدوما إلى أن 449 مشرعاً من أصل 450 كانوا حاضرين.

ازداد الوضع تدهوراً خلال مجلس الدوما السادس، الذي تشكّل عام 2011. فقد مرر البرلمان الروسي بسرعة البرق قوانين قمعية تسمح للكرملين بإسكات التظاهرات المناهضة لبوتين. في تلك المرحلة، كانت المعارضة تملك عدداً أكبر من المقاعد في مجلس الدوما مقارنةً باليوم، لكن هذا المفهوم لا يحمل معنى حقيقياً في روسيا. فلم تنجح المعارضة الفعلية مطلقاً في دخول هذا المجلس، فلا يُسمح لها أساساً بالمشاركة في الانتخابات وتوضع عقبات عدة في دربها. على سبيل المثال، من شبه المستحيل تأسيس حزب جديد في روسيا من دون موافقة الكرملين. وقد تجلى ذلك بوضوح عندما حاول داعمو نافالني عبثاً تسجيل حزب جديد يُدعى «حزب التقدم».

غياب المناظرة السياسية

على العكس، تخضع المعارضة في مجلس الدوما لسيطرة الكرملين الفعلية. وينطبق ذلك على فصائل المعارضة الثلاثة كافة: الحزب الشيوعي (42 مقعداً)، والحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي الوطني برئاسة فلاديمير جيرينوفسكي (40 مقعداً)، وحزب روسيا عادلة (23 مقعداً) الذي أسسه الكرملين كبديل يساري لحزب روسيا الموحدة.

يذكر دميتري غودكوف (37 سنة): {ما عاد مجلس الدوما يضمن أي مشرّع معارض فعلي}. وهو يدرك جيداً ما يقوله. كان غودكوف ممثلاً لحزب روسيا عادلة في هذا المجلس قبل أن يُطرد من هذا الفصيل في عام 2013 لتمرده. لكنه ظل في البرلمان حتى عام 2016، حين أخفق في ضمان إعادة انتخابه. يشكّل غودكوف راهناً جزءاً من {المعارضة خارج النظام} وانطلق مجدداً كسياسي محلي في موسكو.

يفتقد غودكوف عدداً من زملائه السابقين في مجلس الدوما، إلا أنه يؤكد أن المناظرة السياسية الحقيقية غائبة تماماً عن هذه الهيئة التشريعية. يضيف: {لا يخشى مَن في القمة الثورة فحسب، بل يخافون أيضاً المناقشة الحيوية}. ولما كان الكرملين يمسك بيد من حديد الأحزاب المعارضة في البرلمان، متحكماً في إطلالاتها التلفزيونية ولوائح مرشحيها، فإنها تبقى خاضعة إلى حد كبير.

اتضحت حدود السلوك المقبول على نحو جلي في أبريل الماضي. ولا عجب في أن ألكسي نافالني كانت له يد في ذلك، وإن بشكل غير مباشر. خلال التقرير السنوي الذي قدّمه رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف لمجلس الدوما، تجرأ الشيوعيون على سؤاله عن تهم الفساد التي وجهها إليه نافالني في شريط نُشر على موقع {يوتيوب} في شهر مارس السنة الماضية.

شاهد نحو 16 مليون روسي هذا الشريط الذي ركّز على مجموعة ميدفيديف من المنازل الفاخرة وغيرها من ممتلكات. لم نسمع حتى سؤالاً كاملاً بل ما بدا أشبه بتمتمة خجولة. إلا أن انتقاد رئيس الوزراء ممنوع، شأنه في ذلك شأن أي ذكر إيجابي لنافالني. لذلك سارع رئيس مجلس الدوما إلى توبيخ المشرّع الذي طرح السؤال.

يعود أكبر فضل في أي خرق خلال جلسات المناقشة العامة رغم الضوابط المتشددة إلى أناس مثل فلاديمير جيرينوفسكي. تتطلب الديمقراطية الزائفة في النهاية معارضة زائفة. ولا شك في أن جيرينوفسكي ممثل موهوب يوهم الناس باستمرار أن مجلس الدوما يشهد مناظرات حقيقية. لكن الوقائع تُظهر أنه وفي بالكامل للكرملين، كما يتضح من سجل تصويته.

صاح ذات مرة من على المنبر، مشيراً بإصبعه إلى مشرّعي روسيا الموحدة: {سأصل في مارس المقبل إلى الكرملين. وسأعمد عندئذٍ إلى شنقكم وإطلاق النار عليكم أيها الفاسقون والأوغاد}. لكنه شدد لاحقاً على أنه لم يقصد توجيه أية إهانة شخصية. كان الوضع أشبه بالوقوف على مسرح، كما يوضح. فعندما يوجّه الممثل إهانات للجمهور، لا أحد يشعر بأنه أُهين.

السماح للشعب بالكلام

يملك جيرينوفسكي مكتباً جانبياً فسيحاً في مبنى البرلمان. وتشير اللافتات المعلقة على الجدران إلى مدى هوسه بالنظافة: {العناق، والمصافحة، والقبل ممنوعة من فضلكم}.

عندما سئل عما يمارسه بالتحديد، السياسات المعارضة أو التمثيل المسرحي، أجاب: {لا شك في أننا نتصرف بطريقة مدروسة قبل التصويت، غير أننا نعارض الحكومة والرئيس. نشبه الإنفلونزا قليلاً. أتريدون أن نتحول إلى سل؟}. المعارضة مرض معدٍ؟ يا له من تشبيه مثير للاهتمام!

في يونيو الفائت، حدثت هفوة خطيرة على مسرح السياسة الروسية، هفوة قدّمت معلومات قيّمة عن الدور الذي يؤديه الدوما. وضع عمدة موسكو سيرغي سوبيانين خطة لهدم المباني السكنية كافة التي تتألف من خمسة طوابق وشُيّدت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته لإعادة إسكان نحو 1.5 مليون نسمة في موسكو في أبراج سكنية عصرية. اعتُبر هذا المشروع، الذي تبلغ كلفته 47 مليار يورو، هدية للناخبين ولمجموعة ضغط قطاع البناء. وسارع البرلمان إلى تمرير القانون، مانحاً العمدة مطلق الحرية لنقل السكان وبدء أعمال البناء. لكن هذه الخطة اتخذت منحى مختلفاً عندما بدأ مالكو المباني الغاضبون بالاحتجاج على محاولة سلبهم ممتلكاتهم.

لم يتوقع أحد داخل البيروقراطية الهرمية الروسية رد الفعل هذا على ما يبدو. نتيجة لذلك، دعا رئيس مجلس الدوما فولودين مجموعة مختارة من أولئك المتضررين من هذه الخطة إلى {جلسة استماع برلمانية}. كذلك سُمح لبعض مَن يعارضون خطة الهدم بالتعبير عن رأيهم، وردّ عليهم العمدة بكل احترام. أما قادة التظاهرات، فلم يُسمح لهم بالدخول بل تُركوا ليحتجوا في الخارج.

بُثت جلسة الاستماع هذه مباشرةً على شاشات التلفزيون، واعتُبرت الحدث الأكثر إثارة للاهتمام الذي شهده الدوما منذ زمن. لكنها شكّلت في الواقع مسرحية ناجحة بالفعل: صوّرت الدوما كمكان يصغي فيه مَن في السلطة إلى عامة الشعب. لكن العكس هو الصحيح: إذا كان من الضروري استبدال الشعب بممثلي الشعب قبل أن يصبح مَن في السلطة مستعدين للإصغاء، فهذه إشارة إلى أن خطباً ما قد أصاب الديمقراطية التمثيلية.

حمل قانون التجديد هذا بصمات مجموعة ضغط قطاع البناء، التي وحدت القوى مع شركات الإسكان العام لتشكّل إحدى أقوى مجموعات المصالح في السياسات الروسية، وفق عالمة السياسة إيكاترينا شولمان. تتابع موضحة: «لا يكترثون بالانتخابات ولا يفكرون في بوتين، بل يسحقون كل مَن يقف في طريقهم».

تملك مجموعات المصالح الأخرى (البيع بالتجزئة، والزراعة، والدفاع) ووكالات الاستخبارات المتنافسة ممثليها في البرلمان أيضاً. بالنسبة إليها، لا يشكّل الدوما مجرد زينة. تشدد شولمان: {يشبه هذا سياسة تشكيل مجموعات الضغط التي تُمارس في الديمقراطيات. ولكن ثمة وجه اختلاف مهم: بين المصالح التي يمثلها أعضاء المجلس، تغيب مصالح الناخبين أنفسهم}. وهكذا يكون للجميع مجموعة ضغط باستثناء المواطن الروسي.

استيقاظ من السبات

يمكننا تخيّل مجلس الدوما كبورصة أو مكان تعقد فيه الطبقة البيروقراطية الروسية المفاوضات بشأن كيفية تطبيق التعليمات الصادرة عن الكرملين، ومَن يُسمح له بجني المكاسب، ومقدار الأخيرة. لا يُرى خلال جلسات المناقشة في مجلس الدوما سوى الجزء اليسير من هذه المفاوضات. ويعتمد هامش التحرك بالكامل على هوية مَن يقف وراء مسودة قانون معينة. يتطلب الوقوف في وجه الحكومة الجرأة، وتحتاج مواجهة أجهزة الاستخبارات إلى جرأة أكبر. أما معارضة الرئيس، فغير واردة البتة.

ولكن إن كان مجلس الدوما أكثر من مجرد زينة ويشبه حقاً الأسواق المالية، يحمل إذاً نظامُ الديمقراطية الزائفة هذا في داخله جنين سياسات فعلية وصراع مصالح مفتوحاً يستحق اسمه. أو هذا على الأقل ما تعتقده شولمان، التي تؤكد أن تمتُّع هذه النسخة من مجلس الدوما برئيس طموح مثل فياتشيسلاف فولودين يعزز هذا المسار. وتضيف: {لا أستبعد أن يطمح فولودين إلى الرئاسة}.

لا شك في أن روسيا ستحصد الفوائد من استيقاظ مجلس الدوما من سباته واضطلاعه أخيراً بدوره الدستوري، خصوصاً أن هذه الخطوة تمنح روسيا مكاناً يتجلى فيه الصراع السياسي.

أما إذا لم نشهد أي تغيير، فسيتواصل صراع القوى في مكان آخر: إما يبقى مخبأً خلف جدران الكرملين أو يدور وسط الفوضى المحتملة التي قد تنجم عن التظاهرات في الشوارع والصدامات بين المتظاهرين والشرطة. وقد ازداد احتمال تجدد التظاهرات مع استبعاد نافالني من الانتخابات الرئاسية. دعا هذا السياسي المعارض إلى {اضراب الناخبين} وتظاهرات في مختلف أرجاء البلد في 28 يناير رداً على استبعاده.

ذكر نافالني: {تصويتٌ من دون منافسة لا يكون تصويتاً}. ويبدو أن الروس سيضطرون إلى تحمّل ديمقراطيتهم الزائفة هذه لفترة أطول بعد.

* كريستان إيش

نافالني السياسي المعارض الوحيد الذي خاض حملة جدية

بوتين سيترشّح مجدداً ضد خصوم مختارين بعناية

الديمقراطية الزائفة ترتكز على الخداع لا العنف
back to top