عوائل مغضوب عليها

نشر في 02-12-2017
آخر تحديث 02-12-2017 | 00:04
 تهاني الرفاعي أكثر الأشياء المحفزة لتكوين أسرة صغيرة، هو الرباط المقدس الذي يجعلك ترتبط بشخص ما، فيصبح شريكا لك في كل شيء، بل يصبح أغلى من أهلك دون تنسيق منك أو تخطيط.

كنا نسافر كثيرا إلى كندا، وكان لعائلتنا علاقة صداقة بعائلة كندية، كنت معجبة جداً بالقيم التي غرستها تلك العائلة الكندية في بيتها، والتي أصبحت تلقائية تصدر من أفرادها بعفوية دون تظاهر أو تمثيل، كان الأب يساعد زوجته بحب في إعداد الطعام لنا، وكان الأبناء يرتبون طاولة الغداء باهتمام دون توجيه من والديهم.

كان الحب بينهم يعطيك شعوراً بالدفء والاطمئنان، لذا تشعر بأنك لا تريد مغادرة منزلهم الخشبي المتواضع، كانت أشياء بسيطة، لكنها كفيلة بأن تبقيك سعيدا عُمراً .

في مقارنة أخرى، عُزِمت الأسبوع الماضي على الغداء في بيت أحد الأقرباء، وكان الأب يدخن سجائره بشراهة في ملحق المنزل، والأم منهمكة بين إعداد الطعام وضيافتنا، وبين تأديب أبنائها الذين لم يكن لديهم أي اكتراث بمساعدتها.

كان الجو العام بارداً، لا يوحي لك بالانتماء، بل يجعلك في رغبة جامحة ما بين تكملة تلبية الدعوة كفرض واجب، وما بين اختلاق عذر مزيف للمغادرة بأسرع وقت ممكن كضرورة حتمية... المؤسف أنني ما رأيت يوما عائلة سعيدة هنا، وإن وجد فذلك نادر جدا يكاد يكون غريبا على مجتمع اعتاد أن يكون الفرد ملتزماً بأسرته لا محباً لها، وكأن عائلته عبء عليه لا أكثر.

يتزوج المرء هنا لأنه ملّ "العزوبية"، أو لأن أمه تريد رؤية أطفاله، وتتزوج هي خوفاً من العنوسة الزائفة أو تنافساً مع صديقاتها، أما ما بعد ذلك، ففوضى عارمة لا تليق بمكانة الزواج، ولا بالميثاق الغليظ كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم.

وإذا أردت التنزه في الخارج فسترى نماذج غريبة عجيبة لمتزوجين يكاد أحدهما يقتل الآخر، وكأنهما مجبوران على الخروج معا أو مضطران، كلاهما مشغول بهاتفه، أو سارح في المارة، بالكاد يتبادلان أطراف الحديث، تود لو كان باستطاعتك سؤالهما: بالله عليكم لِمَ تزوجتما؟ وحتى مسؤولياتهما موكلة إلى أفراد لا ينتمون إليهم، الأهم أنهم اجتازوا شريط سباق الزواج، وأنجبوا أطفالاً.

الأمر لا يقف عند هذا الحد، فجدران بيوت أولئك الناس من ثلج وفراغ، فهم متزوجون اسماً، فلا هي تشعر بأنها زوجة، ولا هو يشعر أنه زوج، مشاعرهما باردة، لا يمكنها إلا أن تدل على أنهما من العوائل المغضوب عليها! سيلد زواج كهذا أبناء يشبهون جمود أبويهما، وسط بيوت لا تقي من البرد والمطر.

وبديهي بعد أن تشاهد كل تلك الصور من حولك، أن ترد على كل من يسألك عن الزواج: "أعوذ بالله"!

back to top