المدة الزمنية غير المحددة لتشكيل الحكومة فراغ دستوري وعرف غير دستوري

نشر في 28-11-2017
آخر تحديث 28-11-2017 | 00:10
 يوسف ناصر الشايجي تعيش البلاد هذه الأيام ومنذ فترة «فراغا دستوريا» حقيقيا بعد أن قدمت الحكومة استقالتها إثر الاستجواب الأخير لوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الصباح، وقبول سمو الأمير الاستقالة وتجديد الثقة برئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وقد مضى على هذا التكليف أكثر من أسبوعين، ولم يتم تشكيل الحكومة.

بدأت فترة «الفراغ الدستوري» منذ اليوم الأول لما بعد هذه المدة (الأسبوعين) وما زالت إلى أجل غير مسمى، وقد تمتد إلى شهرين أو حتى سنتين، ذلك طالما أننا قبلنا بالرأي الذي تفضل به بعض أساتذة القانون الدستوري بأنه لا توجد مادة أو نص دستوري يحدد تلك المدة.

من هنا أبدأ بطرح وجهة نظري المتواضعة لهذا الأمر من جانب سياسي استرشاداً بالمبادئ الديمقراطية التي أكدها الدستور الكويتي، وعلى المادة (87) منه تحديداً، والتي تنص على: «استثناء من أحكام المادتين السابقتين يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات. فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة اعتبر المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين مع مراعاة حكم المادة السابقة... إلى نهاية المادة». هذا النص وحسب ما أفهم منه أنه يقودنا لأحد أمرين:

أولهما: أنه بإمكان المجلس أن يعقد جلساته بدون حضور الحكومة التي لم يشر إليها إطلاقاً.

ثانيهما: أن تكون دعوة المجلس متضمنة دعوة الحكومة، حيث «يعتبر الوزراء غير المنتخبين أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم». (الماده 80) من الدستور، وعليه يتم تشكيل الحكومة خلال تلك المدة لصدور مرسوم الدعوة لأول اجتماع للمجلس وهي (الأسبوعين) بحد أقصى، وذلك للحاق بهذا الاجتماع.

بالنسبة إلى الأمر الأول فهو غير مجدٍ، حيث من الصعوبة بمكان الفصل بين الحكومة والبرلمان، خصوصا في الشق الرقابي للمجلس، ذلك كون الحكومة هي المهيمنة على مصالح البلاد، فماذا يمكن أن يقدم البرلمان في غياب الحكومة. أما بالنسبة إلى الأمر الثاني الذي أعتقد أنه الأرجح والأقرب للصحة والواقع، وذلك لتضمنة عدة اعتبارات:

أولها وأهمها: ضرورة وجود الرقابة الشعبية المتمثلة بالبرلمان واستمرارها وعدم تغييبها إلا في حالات الضرورة وفي أضيق الحدود «أسبوعين» لما تمثله هذه الرقابة من ركن أساسي ومهم في النظام الديمقراطي الذي لا يكتمل إلا بها.

ثانيها: تأكيد هذه الضرورة التي لا يقف حائلاً دون استمرارها المرسوم الأميري متى ما تجاوز «الأسبوعين».

ثالثها: جاء نص المادة المذكورة، كما تأتي النصوص المعتادة في الدساتير والقوانين واللوائح المنظمة للعمل لتعالج الأوضاع العامة الطبيعية والسائدة؛ لذلك هو معنيّ في ما يلي الانتخابات البرلمانية من إجراءات معتادة لاستئناف البرلمان أعماله التي تعطلت أثناء إجراء الانتخابات، مثل(تشكيل الحكومة ودعوة المجلس للاجتماع)، وعند وقوع الأوضاع «المستثناة» كتقديم الحكومة استقالتها وإعادة تشكيلها أثناء أدوار الانعقاد كما هو حاصل حالياً، فيتم تقييمها والتعامل معها في ضوء هذه المادة (87) والمواد الدستورية الأخرى المنظمة لتشكيل الحكومة، دون تجاوز لذلك وخلق أعراف من خارج رحم الدستور، والقاعدة القانونية تقول: «إن العام يجبُ الخاص».

إضافة إلى أن تشكيل الحكومة بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية قد يستغرق وقتاً بانتظار معرفة النتائج ومعرفة توجهات نواب البرلمان الجديد، وضم واحد أو أكثر منهم للتشكيل، لكن لا مبرر إطلاقاً للتأخير في التشكيل الحكومي الحالي، حيث يأتي وقد مضى على المجلس سنة برلمانية ودوريّ انعقاد، وحتماً اتضحت توجهات نوابه لدى رئيس الحكومة، وحسب ما يتردد، فرغم مرور هذه الفترة الطويلة نسبياً و»اللادستورية» لتشكيل هذه الحكومة فإن التغيير فيها لن يشمل أكثر من 3 إلى 4 وزراء بحد أقصى، فهل يستحق هذا التغيير الجزئي كل هذا الوقت.

ومن جانب آخر يرى بعض المراقبين للأوضاع السياسية أن هذا التأخير، وإن جاء بقصد أو بدونه، فهو مناسب لتبريد أجواء الساحة السياسية المحلية الساخنة حتى تكون مهيأة للتعامل مع الأجواء الإقليمية الحرجة وبالغة الصعوبة، قد يكون في هذا الرأي شيء من الصحة بإعطاء المزيد من الاهتمام والتقدير للظروف السياسية الخارجية، ولكن ليس على حساب تعطيل أعمال البرلمان ووقف الرقابة الشعبية.

رابعها: بعد كل ما تقدم، هل من الجائز والمنطقي أن يتاح للحكومة (الجهة الخاضعة) لرقابة البرلمان تعطيل أعماله، استناداً إلى عدم وجود نص دستوري يحدد مدة تشكيل الحكومة، وفي المقابل ومن المبدأ نفسه يبرز سؤال مهم: هل هناك نص يتيح للحكومة مدة لتشكيلها تتجاوز الأسبوعين؟ حيث لم يتح للمرسوم الأميري أكثر من ذلك، فهل يعقل أن يتاح للحكومة ما لم يتح للمرسوم؟! وفي حالة «عدم وجود النص» يؤخذ ويعمل، بتفعيل الاجتهاد في تفسير المواد والنصوص الدستورية المرتبطة وذات العلاقة بالمدد الدستورية.

أقترح على الأفاضل رئيس ونواب مجلس الأمة الحريصين منهم على تفعيل وتعزيز الدور التشريعي والرقابي للمجلس ومن أجل تطوير الممارسة الديمقراطية، أن يبادروا وفي أول جلسة قادمة بالتقدم للمحكمة الدستورية بالاستفسار منها عن «المده الدستورية» لتشكيل الحكومة؟ وما حكم المادة (87) في هذا الجانب؟ كما أسلفنا حتى يتم تلافي «الفراغ الدستوري» الحاصل وعدم تكراره عند أي تشكيل حكومي قادم.

back to top