استراتيجية ترامب بعد الاستدارة

نشر في 21-11-2017
آخر تحديث 21-11-2017 | 00:04
 ذي دبلومات وسمت جولة ترامب، التي ضمت خمس أمم في آسيا في شهر نوفمبر عام 2017، بداية استراتيجية الولايات المتحدة ما بعد الاستدارة، فمن خلال مؤتمرات القمم والخطابات، حدد ترامب رؤيته الواسعة للحفاظ على السلام والازدهار عبر منطقة شاسعة إنما كثيرة التفاعل تُعتبر بالغة الأهمية بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة الوطنية. صحيح أن رؤية ترامب لـ"منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمنفتحة" تتأصل في التاريخ وتركّز على التفاعل الآسيوي، إلا أن الدافع الرئيس وراءها النظر إلى الأمام، فقد أعلن الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى السيطرة بل إلى الشراكة مع أمم قوية مستقلة مستعدة للتقيد بالقواعد.

ولكن بتخليه عن اللهجة المدروسة والعبارات الدبلوماسية التي استخدمها في اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، ذكّر الرئيس العالم بأن قيادته تنبع من أسلافه من كلا الفريقين، فقد ذكر أن "عدم التوازن التجاري الحالي غير مقبول" و"أننا بدءاً من هذا اليوم فصاعداً سنتنافس على أسس منصفة وعادلة"، وقال ترامب أيضاً إن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة اليدين فيما تعمد أمم أخرى إلى "إغراق الأسواق بالمنتجات، ودعم السلع، والتلاعب بالعملة، وتطبيق سياسات صناعية عدائية".

بالإضافة إلى ذلك يسعى ترامب إلى تعزيز الروابط مع شركاء جدد، فتشير كلمة "هندية" في "منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمنفتحة" إلى طريقه لرفع العلاقات الأميركية-الهندية إلى مستوى جديد. في الوقت عينه يعرب ترامب عن نوع من إعادة الضبط في عملية إدارة التحالفات مع الفلبين وتايلند التي تكون أحياناً صعبة، كذلك يأمل أن يوسّع العلاقات مع شركاء آخرين في جنوب شرق آسيا، مثل فيتنام، وإندونيسيا، وماليزيا، فضلاً عن ذلك تظل العلاقة مع سنغافورة والتحالف الأميركي الرئيس مع أستراليا بالغة الأهمية بالنسبة إلى الاستراتيجية الإقليمية.

ثانياً، تشدد سياسة منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمنفتحة على النمو الاقتصادي إنما من خلال التجارة والاستثمار الثنائيين لا الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف، ولا شك أن التزام إدارة أوباما بنظام العالم الحر كان أقوى وأقل ريبة مقارنةً بإدارة ترامب. لكن اللافت للنظر مدى تركيز ترامب على تعزيز النمو الاقتصادي، فقد أُعلن عن استثمارات وصفقات تجارية كبرى في كل من المحطات الثلاث في زيارة ترامب لشمال شرق آسيا، منها سلة من الصفقات مع الصين تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار.

يسعى ترامب إلى تعميق التعاون مع الصين قدر المستطاع، علماً أنها الشريك التجاري الأميركي الأكبر في المنطقة، إلا أن الرئيس الأميركي ليس مستعداً للتخلي عن مصالح الولايات المتحدة القديمة لمجرد أن تشي جين بينغ يعتقد أن الصين يجب أن تحتل مركز المسرح العالمي نحو منتصف هذا القرن. ينصب تركيز واشنطن راهناً على ضمان احتفاظ الولايات المتحدة بقدرتها التنافسية في وجه منافسة الصين الشرسة والمتنامية، وقد شهدنا إصرار الصين الجديد بوضوح خلال مؤتمر الحزب التاسع عشر، حين اكتسب تشي صلاحية واسعة مع التركيز المتجدد على رأسمالية الدولة والتأكيد على مركزية الحزب الشيوعي والسيادة الصينية.

باختصار، يقوم جوهر سياسة إدارة ترامب على صون القوة الأميركية والاستثمار في تلك القدرات التي تتيح للولايات المتحدة الاحتفاظ بتأثير استراتيجي عبر منطقة المحيط الهادئ الهندية الشاسعة والكثيرة التفاعلات، وشكّلت زيارة الرئيس الأولى إلى آسيا فرصة ممتازة لتحديد الإطار العام لهذه السياسة، وفي الأشهر والسنوات المقبلة سترسم إدارة ترامب سياسات أكثر دقة على هذا الإطار الأساسي. ورغم الميل الأكبر إلى التجارة الثنائية لا المتعددة الأطراف، تفوق الاستمرارية في موقف الولايات المتحدة في آسيا أي تغيير قد نلاحظه، ولا شك أن هذا تطور مرحّب به.

* باتريك م. كرونين

* «ذي ديبلومات»

back to top