هيلاري كلينتون: أتمنى العيش حتى أرى امرأةً رئيسة في البيت الأبيض

نشر في 19-11-2017
آخر تحديث 19-11-2017 | 00:06
في مقابلة مؤثرة وصريحة تحدثت هيلاري كلينتون إلى الصحافي نيك بريانت عن كابوس الخسارة، والألم الذي أعقبها، والمساعدة التي نالتها من إرث والدتها وعائلتها المميزة لتستعيد ابتسامتها.
بدأت تلك الأمسية بمطاردة هيلاري كلينتون حفيدتها شارلوت في جناح فندق في مانهاتن. شكّلت هذه المطاردة مصدر الإلهاء المناسب فيما أقفلت صناديق الاقتراع حول الولايات المتحدة وبدأ إحصاء الأصوات في انتخابات ساد الاعتقاد أنها ستوصل إلى سدة الرئاسة المرأة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة. وكان أنصارها يحتشدون.
كانت هيلاري كلينتون تخطط لارتداء بزة بيضاء خلال حفلة الانتصار. كان خطابها سيتخذ طابعاً شخصياً أكثر من المعتاد لأنها كانت تنوي سرد القصة المروعة لوالدتها دوروثي، التي تركها والداها وهي بعد في الثامنة من عمرها ووضعاها مع أختها الصغرى على متن قطار في رحلة عبر البلد إلى كاليفورنيا، رحلة كانت ستضني حتى البالغين. تتخيل هيلاري العودة بالزمن إلى تلك الفترة وركوب عربة القطار مع دوروثي. كانت ستقول لها: «أصغي إليّ. ستصمدين، ستؤسسين عائلة مميزة، وستحظين بثلاثة أولاد. وستكبر ابنتك لتصبح رئيسة الولايات المتحدة».

«بدا ذلك غريباً». إلا أنه شكّل بالتأكيد صدمة. «في رأسي، رحت أسمع العبارة البشعة: اسجنوها. فقد أعلن ترامب أنه إذا فاز، سيرسل بي إلى السجن. وها قد فاز! ما كنت أعلم ما علي توقّعه».

في الليلة السابقة، كان أول رئيس أسود في الولايات المتحدة قد أخبرها أنها توشك أن تحقق انتصاراً لا يقل أهمية عن انتصاره من الناحية التاريخية. وهمس أوباما في أذنها فيما كان يعانقها: «أحسنت. أنا فخور بك».

ولكن في تلك الأمسية في جناح فندقها في جادة «فيفث أفينيو» على مقربة من برج ترامب، لم تبشّر الإشارات الأولى بالخير. لم تحقق هيلاري النتائج المرجوة في ولايات أساسية، مثل فلوريدا. راح مساعدوها يجرون الاتصالات بهلع. كذلك ازداد بيل كلينتون توتراً. ولكن رغم هذا التوتر كله، نجحت هيلاري في الحصول على قسط من النوم كانت بأمس الحاجة إليه.

وعندما استيقظت، كان ترامب يوشك أن يحقق أكبر خضة في تاريخ الولايات المتحدة السياسي. تذكر في كتابها الجديد: «شعرت كما لو أن الغرفة فرغت من الهواء بالكامل. رحت أتنفس بصعوبة».

وعوض انتخاب أول امرأة لتكون رئيسة الولايات المتحدة، انتخب الأميركيون رجلاً تعتبره هيلاري إنساناً مقيتاً يكره النساء، «إنساناً يرى المرأة شيئاً ويتفاخر بالاعتداءات الجنسية». لكنها استمدت بعض العزاء من واقع أنها تفوقت على ترامب بأكثر من ثلاثة ملايين صوت على صعيد الأمة.

أين أخطأت؟

عندما التقينا أخيراً قرب منزلها الريفي في نيويورك، بدت هيلاري حسنة المزاج وقد علت الابتسامة وجهها، فيما راحت تخبرني أنها «عادت إلى الضوء». لكن تعافيها بعد الانتخابات كان مؤلماً. وخلال مرحلة التعافي هذه، استمدت الراحة من حب أصدقائها وعائلتها، وقصص إيلينا فيرانت عن عهد نابليون، وشعر مايا أنجيلو، ومشاهدة التلفزيون ساعات على الكنبة، وتمارين اليوغا للتنفس (تنفس الهواء من أحد المنخرين وزفره من الآخر).

للخسارة أوجه إيجابية. تقول: «على الصعيد الشخصي، أشعر بمتعة كبيرة عندما أمضي الوقت مع أحفادي في جو من الهدوء بعيد عن كل ما هو رسمي. قدِموا إلى منزلنا نهاية الأسبوع الماضي وراحوا يتسابقون ودفعناهم على الأراجيح».

رغم ذلك، تعيش هيلاري في ظل سحب قاتمة ضاغطة لا بارقة من الأمل. تخبر: «لن أجلس هنا وأدّعي العكس. أتمنى لو كنت الآن أتخذ القرارات في البيت الأبيض لأنني أعتقد أنني قمت بعمل جيد جداً ولأنني أرفض ما يحدث هنالك». من اللافت أنها قلما تذكر اسم «ترامب» ولم تقل مطلقاً «الرئيس ترامب».

قامت هيلاري بتحليلها الخاص الذي نشرته في كتابها الجديدWhat Happened (ماذا حدث) الذي صدر أخيراً. وكما يُظهر غياب علامة الاستفهام، توصلت هيلاري إلى خلاصات ثابتة وما عادت تسعى إلى الحصول على أجوبة. عقب هزيمتها، سارعت إلى إلقاء اللوم على نفسها. قالت لأوباما بعيد اتصالها بترامب للإقرار بخسارتها: «أنا آسفة لأنني خذلتك. فقد تحقق أسوأ مخاوفي بشأن حدودي كمرشحة». كذلك أقرت بأخطاء ارتكبتها هي بنفسها. تكتب، متحدثةً عن سخريتها العلنية بمؤيدي ترامب بقبعاتهم الحمراء: «أندم على تقديمي لترامب هدية سياسية بسبب تعليقاتي البائسة».

أما استعمالها خادماً خاصاً لرسائلها الإلكترونية عندما كانت وزيرة الخارجية الأميركية بدل حساب حكومي، فشكّل «خطأ غبياً». رغم ذلك، تعرب هيلاري عن استيائها من أن وسائل الإعلام حوّلت ذلك إلى خطيئة بالغة الخطورة، خصوصاً عند مقارنته بانتهاكات خصمها. تذكر: «كان خطأ غبياً، إلا أنه حُوّل إلى فضيحة أكثر غباء».

صحيح أن عدد الناخبات في الولايات المتحدة يفوق عدد الناخبين، إلا أن جنسها أسهم في خسارتها الأصوات. تشير هيلاري: «أدى التمييز الجنسي وكره النساء دوراً في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وأول دليل فوز مرشّح متعصب جنسياً على نحو فادح». لكن ما يصعب تفسيره الأسباب التي دفعت هذا العدد الكبير من النساء إلى التصويت لترامب. حتى بعد نشر شريط Access Hollywood الشهير الذي يتفاخر فيه هذا الثري ببشاعة بتحرشه بالنساء، حصد ترامب عدداً أكبر من أصوات النساء البيض، مقارنةً بهيلاري. أخبرتني: «قيل لي قبل انطلاق الحملة أن ما من امرأة ستتعاطف معي. فهمت ذلك واعتقدت أنني سأتغلب عليه. ظننت أنني نجحت. لست كاملة، إلا أنني لا أعرف أيضاً رجلاً كاملاً. واجهتُ كيلاً فاضحاً بمكيالين».

تعاطت النساء معها بقسوة. تكتب: «كلما ازداد نجاح الرجل، كثر محبوه. ولكن مع المرأة، نرى العكس».

أربعة رجال

توجّه هيلاري أشدّ انتقاداتها إلى أربعة رجال. لا شك في أن الأول ترامب، «الذي كان يدير أحد برامج تلفزيون الواقع، ونجح الأخير في تأجيج كره الأميركيين وغضبهم بشكل متواصل ومتقن». اعتبرت هيلاري ترامب على الصعيد الشخصي مقززاً (تدعي أنها هي وبيل حضرا زواج هذا الثري بميلانيا عام 2005 لأنهما ظنا أنه سيكون مهزلة)، خصوصاً خلال المناظرات عندما اضطرت إلى مشاطرته مسرحاً واحداً. «كان يتنفس فعلياً على عنقي، فاقشعر بدني». حافظت هيلاري على هدوئها، إلا أنها ندمت لأنها لم تواجهه وتقل له: «تراجع أيها الوغد. ابتعد عني. أعرف أنك تحب ترهيب النساء، إلا أنك لا تخيفني».

تعتقد ، على ما يبدو، أن ترامب حظي بمساعدة بوتين، الذي أمر الاستخبارات الروسية بقرصنة أنظمة كمبيوتر حملتها وملء «فيسبوك» و»تويتر» بقصص سلبية مزيفة عنها.

تكتب: «أدرك أنه يملك رغبة شخصية في الانتقام مني وكرهاً عميقاً للولايات المتحدة. رغم ذلك، لم أتخيّل أن يكون وقحاً إلى حد أن يشنّ هجوماً سرياً ضخماً ضد ديمقراطيتنا أمام أعيننا».

تعتقد هيلاري أن جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس «الوقح»، كان متورطاً أيضاً. فقد نشر آلاف الرسائل الإلكترونية المسيئة المقرصنة من حملة كلينتون. وهنا أيضاً تعزو ذلك إلى رغبة شخصية في الانتقام منها.

يبدو أكبر جزء من كتابها أشبه بلائحة تهم جنائية. تخالها محامياً لمرة واحدة يتهم أعضاء حملة ترامب، والكرملين، وأسانج بالتواطؤ معاً بغية منعها من الوصول إلى سدة الرئاسة. تكتب: «يبدو هذا أشبه بإحدى روايات التجسس تلك التي يمضي زوجي الليل بأكمله في مطالعتها».

خلال السنة التي تلت الانتخابات، أمضت هيلاري وقتها في جمع المعلومات والأدلة المُدينة. تذكر: «شعرتُ أحياناً بأنني عميلة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كاري ماثيسون في البرنامج التلفزيوني Homeland في سعيها الحثيث إلى كشف مؤامرة خبيثة من دون أن تبدو مجنونة خلال مسعاها هذا».

استاءت هيلاري كثيراً لأن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي انتقد بشدة استعمالها خادم بريد إلكتروني خاصاً، مع أنها لم تنتهك أي قوانين، ثم أعلن بشكل دارمي أنه سيعيد فتح تحقيق جنائي بشأن هذه الفضيحة قبل أيام من الانتخابات. تدعي: «كنت أحقق الفوز حتى 28 أكتوبر حين أعاد جيم كومي إقحام مسألة الرسائل الإلكترونية في الانتخابات». وتؤكد استطلاعات الرأي ادعاءها هذا.

تزعم هيلاري أن تدخل المدير كومي المتأخر شوّه صورتها خصوصاً بين الناخبات. تؤكد: «تحبس النساء اللواتي يردن تأييدك أنفاسهن لأن فكرة أننا لسنا جيدات أو ذكيات بما فيه الكفاية غُرست في أذهانهن. لذلك كان علي أن أبدو مثالية. ماذا لو دخل ذلك الشخص السجن ولم يقدّم أداء جيداً؟ سيولّد هذا أزمة هوية».

وهكذا قدّم ظهور فضيحة الرسائل الإلكترونية مجدداً، وفق روايتها، عذراً للنساء المترددات كي لا يصوتن لها.

يشكّل كتاب What Happened تحليلاً صريحاً. ولكن فيه، تقدّم هيلاري عن غير قصد أدلة تفسّر إخفاقها في التواصل مع الناخبين في قلب الولايات المتحدة الصناعي القديم: حزام الصدأ الشهير الذي أوصل ترامب إلى البيت الأبيض.

يؤكد الكتاب في بعض أجزائه رواية أن آل كلينتون تحوّلوا إلى ليبراليين فاحشي الثراء يركبون السيارات الفاخرة وفقدوا كل اتصال لهم مع المواطن الأميركي العادي. على سبيل المثال، جاء قرار هيلاري الترشح للرئاسة عقب عطلة أمضتها في منزل مصمم الأزياء أوسكار دي لا رنتا في منطقة الكاريبي. أما «فرقة التجميل»، التي ساعدتها في التبرج وتصفيف الشعر (من المذهل أن هذا استهلك نحو 600 ساعة من حملتها، أي 25 يوماً)، فضمت خبيرة ماكياج نصحتها بها رئيسة تحرير مجلة «فوغ»، حسبما تروي هيلاري.

عِبَر من أمها

لن تترشح هيلاري، التي تبلغ اليوم السبعين من عمرها، للرئاسة مرة أخرى، إلا أنها تخطط للبقاء ناشطة سياسياً. أسست مجموعة دعتها Onward Together (إلى الأمام معاً) تشجّع الناس على المقاومة، والإصرار، والتصميم، والمشاركة. أخبرتني: «لست ممن يمضون وقتاً طويلاً في تأمل الماضي. لذلك أركّز بقوة على المستقبل، الشخصي منه والعام والسياسي».

تؤكد أنها لن تمضي ما تبقى من حياتها «على غرار الآنسة هافيشام في رواية تشارلز ديكنز Great Expectations (الآمال الكبرى)، التي تروح وتجيء في منزلها متأملة بهوس ما كان يمكن أن يكون».

ولكن من الواضح أن عذاب الهزيمة ما زال يثقل كاهلها. فعندما أثرت مسألة الخطاب الذي لم تلقه عن دوروثي الصغيرة، ظهر الأسى على وجهها. وقالت بحزن، كما لو أنها تتلوى من الألم: «يييييه!». ثم أضافت مطأطئة رأسها ومتخيلة ذلك المشهد في عربة القطار: «أضع نفسي معها».

رغم ذلك، ساعدتها ذكرى والدتها الحبيبة في تخطي خيبة الأمل الكبرى التي منيت بها في حياتها. تذكر: «منحتني أكثر من أي إنسان آخر هبة الثبات والتحمل والإرادة للنهوض رغم الظروف المعاكسة كافة. وهذا ما فعلته».

فضلاً عن الثبات، تظن أنها ورثت جينة المسؤولية عن والدتها، خصوصاً الرغبة في الاعتناء بالأولاد الضعفاء، وهذا ما فعلته هيلاري كلينتون في حياتها.

في ختام حوارنا، أخبرتُها أن صراحتها دفعت ابنتي الصغيرة إلى الاهتمام بالسياسة لأنها تريد رؤية امرأة في البيت الأبيض. فأشرق وجهها مجدداً لأنها أيقنت أنها نجحت في إحداث شقوق إضافية في ذلك السقف الزجاجي.

تكتب هيلاري: «أنوي العيش إلى أن أرى امرأة تفوز».

كلما ازداد نجاح الرجل كثر محبوه ولكن مع المرأة نرى العكس

غُرس في أذهان النساء أنهن لسن ذكيات بما فيه الكفاية
back to top