عقيدة ماكرون للدفاع الأوروبي

نشر في 03-10-2017
آخر تحديث 03-10-2017 | 00:12
 كارنيغي أوروبا "أوروبا ديمقراطية، وموحدة، وذات سيادة"، هذه رؤية ماكرون التي حددها في خطاب بالغ الأهمية في جامعة السوربون في باريس، إذ لا تُعتبر المطالبة باتحاد أوروبي أكثر وحدة وديمقراطية تطوراً جديداً، لكن تأكيد قائد دولة كبيرة بشغف أن التكامل الأوروبي يعزز السيادة الوطنية بدل أن يضعفها خطوة غير مألوفة.

طرح ماكرون أيضاً ثلاثة اقتراحات أخرى لافتة للنظر: إنشاء قوة تدخل مشتركة، وميزانية دفاع مشتركة، وعقيدة عمل مشتركة.

أولاً، عمد الفرنسيون على تلطيف موقفهم منذ انضمامهم إلى قيادة حلف شمال الأطلسي عام 2009، مما يعني أن أي مخلّفات للعقيدة المناهضة لهذا الحلف قد طُمست بالتركيز الحاد على ما قد يحقق النجاح الأكبر عسكرياً.

ثانياً، صحيح أن البعض قد يخالفونه الرأي، إلا أن ماكرون يعتبر أن الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من التزاماتها تجاه الأمن الأوروبي في وقت تزداد فيه تلك البيئة الاستراتيجية صعوبة، لذلك على الأوروبيين أن يتحملوا مسؤولية أكبر في صون أمنهم، ولا مفر من تعاونهم معاً بما أنه ما من بلد يستطيع التأقلم وحده.

ثالثاً، بإمكان القيادة الفرنسية في المجال الأمني مع القيادة الألمانية في المجال الاقتصادي أن تعيد تأجيج المحرك السياسي الفرنسي-الألماني، الذي لا غنى عنه للدفع بالاتحاد الأوروبي إلى الأمام، ويأمل ماكرون توقيع معاهدة إليزيه محدّثة مع الحكومة الألمانية الجديدة في شهر يناير عام 2018، مع أن شركاء الائتلاف الألماني الجديد قد يحتاجون كل هذا الوقت للاتفاق على برنامجهم الحكومي.

قد يستقطب اقتراحَا ماكرون عن القوة العسكرية المشتركة والميزانية الدفاعية المشتركة عدداً أكبر من عناوين الصحف، مقارنةً بفكرته عن العقيدة العسكرية المشتركة، ويعود ذلك إلى أنهما يشبهان فكرة عسكرية أوروبية يعشقها بعض السياسيين الفدراليين.

لكن تطوير عقيدة عسكرية مشتركة فاعلة قد يكون أكثر صعوبة من إنشاء قوة مشتركة أو وضع ميزانية مشتركة. أولاً، يجب أن تساعد العقيدة العسكرية الفاعلة القوات المسلحة على التخطيط، والتدرّب، والعمل معاً بالاستناد إلى نظرة واضحة إلى العالم وتقييم للمخاطر والقدرات. فيُفترض بالعقائد العسكرية أن توجه القوات المسلحة للتأقلم بنجاح مع الحالات الطارئة في المستقبل، وهذه ليست بالمهمة السهلة.

بالإضافة إلى ذلك، يشمل تطوير عقيدة وطنية مجموعة من اللاعبين من الوزارات إلى القوات المسلحة، كذلك يُعتبر دمج وجهات النظر المتباعدة التي تتبناها حكومات الاتحاد الأوروبي تحدياً أكبر، فنظراً إلى ثقافاتها الاستراتيجية المختلفة تماماً، يكمن الخطر في أن تُنتج حكومات الاتحاد الأوروبي عقيدة معطلة لا يمكن تطبيقها. على سبيل المثال، الفجوة الواضحة بين الموقفين الفرنسي والألماني بشأن التدخلات العسكرية في الخارج موثوقة جيداً.

لكن ماكرون أصاب حين أقر بمدى صعوبة خطوة مماثلة، وأكّد أنه لا يملك خطوطاً حمراء بل "آفاقا" فحسب.

من الحكمة أن تدعم باريس رغبة لندن في تعاون لصيق متواصل، بما أن الثقافة الاستراتيجية البريطانية أقرب إلى الفرنسية، وحتى بعد خروجها ستبقى المملكة المتحدة واسعة التأثير في حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى في مجال الدفاع، وخصوصاً في حلف شمال الأطلسي إلى جانب مواضع أخرى، وبطرق قد تساعد القيادة الفرنسية. في المقابل، على المملكة المتحدة أن تدعم الاقتراحات الفرنسية، بما أن رفع المعايير العسكرية الأوروبية يعود بالفائدة على حلف شمال الأطلسي أيضاً.

لا شك أن اتفاقاً بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في مجال التعاون العسكري عقب خروج هذه الأخيرة لن يبصر النور إلا بعد تحقيق تقدّم أكبر نحو حل معضلة اتفاق الانسحاب الحالية. رغم ذلك تشمل الفوائد الإضافية، التي قد تنجم عن اتفاق سريع ومثمر في مجال التعاون العسكري، توليده جواً أكثر إيجابية للمفاوضات الأشمل بشأن علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا.

بكلمات أخرى، إذا كانت رؤية ماكرون الجريئة ستتحول إلى واقع، فعلى حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى (وتعرف مَن تكون) أن تصبح أقل تصلباً في مجال الدفاع، علاوة على ذلك ينبغي لها أن تندفع بثقة لتبني عقيدة دفاع أوروبية تقودها فرنسا.

back to top