تضحيات طبية أنقذت البشرية

نشر في 12-08-2017
آخر تحديث 12-08-2017 | 00:08
تمخضت فترة الغزو العراقي الغاشم للكويت عن بطولات نادرة، تجلى جزء لافت منها على الصعيد الطبي، فلا ننسى د. محمد الشرهان مدير الطوارئ الطبية الذي كان حلقة الوصل بين جميع المستشفيات عبر الهاتف واللاسلكي، واستطاع توفير سيارات لنقل الأغذية والأدوية للمستشفيات، مما رفع الروح المعنوية، ليعمل الجميع يداً واحدة لخدمة المرضى والمصابين.
 خالد العارضي نشاهد أو نسمع أو نقرأ في الإعلام عن رجال ساهموا برفع راية الكويت في كثير من المجالات، وركز عليهم الإعلام الذي نقل رسالتهم بكل صدق وأمانة حتى أصبحت قصصهم ترى وتسمع في المجالس والطرقات، بل في دول أخرى لأنهم أخلصوا وصدقوا النية، ولكن هناك رجالاً لم يسلط عليهم الضوء، لا تجاهلاً لهم ولكنهم لم يبينوا إنجازتهم، أو لأن الإعلام، في وقتهم، كان جريمة لكل من يستخدمه، مثل وقت الغزو الصدامي للكويت سنة ١٩٩٠، حيث كان يعدم كل من يحمل كاميرا أو يكتب، وهذا القانون أقسى قانون مر على الصحافة الكويتية، مما دفع الإعلام إلى إصدار الصحف خارج الكويت لتسليط الضوء على قضيتنا وكسب تعاطف العالم معها، في موازاة صحافة داخلية تقوم بها مجموعة من المقاومة الكويتية لنقل المعاناة الى الخارج ضاربين أروع الأمثلة عبر وقوفهم مع الكويت بعيداً عن الكسب المادي.

ومن جانب آخر كان هناك رجال من الأطباء برزوا في هذا الوقت وتلك المحنة التي مرت على الكويت حيث تمسكوا بدورهم المهني والإنساني النبيل في إنقاذ المرضى والمصابين، ومنهم د. يوسف النصف الذي أدار مستشفى مبارك أثناء الأزمة وكان آنذاك مديره، وكان على رأس عمله، حتى أُسِر مع الأسرى الكويتيين، ولكن قبل أسره كان يعالج المرضى ويوفر الدواء والغذاء في المستشفى دون راتب أو مكافأة، وبدافع من حبه للكويت وأهلها ولعمله كطبيب معني بإزالة آلام المرضى، متحدياً كل الظروف الصعبة.

كما برز على الساحة في هذه الفترة الدور البطولي للدكتور عبدالعزيز البشير، رحمه الله، الذي كان يوفر الدم للمقاومة الكويتية ويسهم في إنقاذ الأرواح، فضلاً عن وضعه خططاً واستراتيجيات حتى لا يتأثر بنك الدم بهذه الظروف العصيبة.

ومن هذه النماذج المشرقة د. هشان العبيدان، الذي أعدم أمام منزله، وكان، رحمه الله، من الأطباء الذين كان لهم دور بارز في إنشاء جناح الولادة بمستشفى مبارك، وساهم في مساعدة العاملين بالمستشفى عبر توفير المواد الغذائية بالاتصال المباشر بالهلال الأحمر الكويتي ونقل المواد الغذائية بسيارته الخاصة حتى سال دمه مستشهداً.

ولا ننسى الدكتور محمد الشرهان مدير الطوارئ الطبية آنذاك، حيث كان حلقة الوصل بين جميع المستشفيات عن طريق الهاتف أو اللاسلكي، واستطاع توفير سيارات لجميع المستشفيات، ليتمكن من نقل جميع المواد الغذائية والأدوية، مما أثر في رفع الروح المعنوية للجميع بالعمل يدا واحدة في سبيل تذليل الصعوبات التي كانت تعانيها المستشفيات.

وخلال هذه الفترة عمل جميع العاملين بمستشفى مبارك على ملئه بالأدوية والمواد الغذائية، وتخزين أكبر كمية ممكنة، تحسبا لأي طارئ مستقبلاً، بعدما لم يكن بالمستشفى أي مخزون للمواد الغذائية والأدوية بسبب استهلاك الوجبات الغذائية بفعل زيادة عدد المرضى، فضلاً عن مكوث معظم العاملين في المستشفى أياماً طويلة لمحاولة الانتهاء من علاج المرضى، وقد غطى هذا النقص الهلال الأحمر الكويتي، حيث تطوع مجموعة من رجالات الكويت للقيام بهذه المهمة، من أمثال د. عبدالرحمن السميط ود. إبراهيم بهبهاني وأحمد فلاح وعبدالقادر العجيل وعبدالكريم جعفر وعبداللطيف الهاجري ود. إبراهيم ماجد الشاهين وناصر العثمان، حيث قاموا بالاتصال بالتجار الكويتيين وجمعوا كمية كبيرة من الأغذية ووزعوها على جميع المستشفيات، في موازاة التبرع المباشر من بعض التجار لرفع مستوى الخدمات الصحية في وقت المحنة والاحتلال، حباً في الكويت ووفاء لها... هذه بعض من التضحيات الطبية التي أنقذت البشرية في وقت كان البلد مهدداً بانتشار الوباء والامراض.

ختاماً: تلك لمحة سريعة عن بعض رجالات الكويت في وقت المحنة، لم يعرف المجتمع دورهم، لذا سلطنا الضوء على جزء منهم، ومن المؤكد أن هناك كثيرين غيرهم، لكن أين الإعلام وكتب التاريخ منهم للكتابة عنهم كي تعرفهم الأجيال القادمة ليكونوا قدوة لها لأن البطولات لا تورث، بل تكتسب بالتأثر المباشر بالعامل النفسي لصنع رجال المستقبل.

back to top