خاص

نصير شمة لـ الجريدة•: حفلي مع درويش حقق نجاحاً مدوياً (2-2)

«العود المثمن هو مخطوط للعالم الفارابي عثرت عليه في مكتبة بأيرلندا ولم يصنعه في زمانه»

نشر في 12-06-2017
آخر تحديث 12-06-2017 | 00:05


لم يمنعه صغر سنه من العزف على آلة العود، فقد وُلد الموسيقار نصير شمة وكأن في يده ريشة يعزف بها على أوتار العود، ويجيد التنقل برشاقة وخفة. ففي الخامسة من عمره بدأت تجذبه الأنغام الصادرة من العود، فكان يلبي نداء القلب والوجدان، متتبعا تلك الموسيقى التي يطرب لها، وبعدما استقرت هذه الأنغام في خياله واستحوذت على تفكيره، أراد أن يدندن على العود، فبحث عن آلة يستطيع أن يضعها بين ذراعيه، فتعذر ذلك، لضآلة جسمه وصغر سنه، لكنه بقي وفياً للحب الأول، واحتفظ بحلمه، منتظرا مرور الأعوام بفارغ الصبر.

وحينما اشتد ساعده وبلغ الحادية عشرة، أيقن أن تحقيق الحلم بات وشيكا، وفي أثناء الفرحة التي اجتاحت مشاعره، فوجئ برفض أستاذ الموسيقى انخراطه في التدريب على العزف، متعذرا بأن الطفل الصغير نصير لن يستطيع إجادة العزف.

ولأن نصير كان قوي الشكيمة، ولا ينقصه الجلد والمثابرة، ومتشبثا بحلمه قَبِل التحدي، ليثبت للأستاذ صاحب حسين الناموس أن حكمه لم يكن صائبا، وأنه جدير بالثقة، وسيتقن العزف في فترة وجيزة.

في الحلقة الثانية من حواره مع «الجريدة»، يسلط الموسيقار نصير شمة الضوء على مراحل مهمة من حياته، سارداً تفاصيل تعاونه مع الشعراء الكبار؛ محمود درويش وأدونيس ومظفر النواب وغيرهم، معتبرا أن تونس شكلت محطة أساسية لانطلاقته الفنية، إذ انتدب فيها للعمل أستاذا لتدريس آلة العود مدة 5 أعوام، كانت من أجمل أيام عمره، أو بمثابة رحلة علاجية للروح والنفس، وفيما يلي التفاصيل:

• هل المقطوعات التي تقدمها في الحفل تراعي الموقع الجغرافي أو مكان الحفل، أي هل الحفل في الكويت يحتاج إلى مقطوعات معينة تختلف عن الحضور في حفل في باريس وهكذا؟

- لكل بلد ثقافته الموسيقية المتنوعة، لذلك هناك تقاليد في السمع، وهذه التقاليد متجذرة في وجدان المتلقي، تماشيا مع الموسيقيين المشهورين في البلد، إضافة إلى الأجواء العامة في البلد، وتأثير هذا الإرث على البلدان الأخرى.

والحق أقول؛ إني أضع هذا الأمر في عين الاعتبار، حينما أستعد لتقديم برنامج الحفل الذي يتواءم مع طبيعة السكان أمزجتهم وإرثهم وثقافتهم.

فمن الضروري أن يعرف الموسيقي جيدا أن ثمة فرقا بين العزف في فيينا وهنغاريا أو ألمانيا، ويجب أن يعي العازف جيدا أن هناك رموزا لكل بلد، وسأورد لك جانبا من تجربتي، فحينما أستعد لتقديم حفل في ألمانيا أكون حذرا جدا، لأن هذا البلد هو بلد الموسيقى الكلاسيكية، وما تبع ذلك من تطوير، فالفنان باخ خرج من ألمانيا وغيره أيضا، والأوبرا ظهرت في ألمانيا، لذلك أنا أعزف لشعب مشبع بموسيقى ذات جودة عالية.

عود الفارابي

• أخبرنا عن الفرق بين العود بشكله العادي وعود الفارابي المثمن (عود بـ 8 أوتار)، وما الفرق في طريقة العزف بينهما؟

- العود المثمن هو مخطوط للعالم الفارابي عثرت عليه في مكتبة في أيرلندا ولم يصنعه في زمانه.

وأردت أن أنجز التصور الذي وضعه الفارابي، واستمر العمل عاما كاملا إلى أن أنجزته، ثم قدمت العود المثمن في حفل بالمكتبة الوطنية في العراق، وكانت بمثابة مناظرة مفتوحة مع كل الأساتذة والموسيقيين، وكان العود من صناعة عبدالرزاق الطوباسي، لأن مواصفات العود المثمن مختلفة، فهناك 8 أوتار، وسيكون المدى الصوتي لهذه الآلة كبيرا جدا، وسيعطي العازف حرية كبيرة في الأداء والتلوين، حيث يمكن له أن يقدم أي قطعة موسيقية بأربعة أشكال مختلفة.

العازف المتمكن يستطيع أن يصنع الأعاجيب بعود الفارابي، لأن هناك 14 تونا يستطيع أن يقدمها من خلال هذه الآلة في القرار والجواب، ويحتاج العازف إلى قوة عضلية كبيرة لإجادة العزف، لأن الأوتار مختلفة أيضا.

مهرجان قرطاج

• حدثنا عن موسيقى مسرحية "البلاد طلبت أهلها" ومحتواها ومشاركتك في مهرجان قرطاج وحصولك على جائزة في المهرجان؟

- هي مسرحية من تأليف الراحل عبداللطيف عقل، وإخراج الراحل المنصف السويسي، وكانت الموسيقى والألحان لي، وحظيت هذه المسرحية بحضور منقطع النظر، إذ كان يحضرها في كل عرض نحو 3 آلاف مشاهد، واستغرق الإعداد لها حوالي عام كامل، وشارك فيها كثير من الفنانين، منهم زهير النوباني وعبير عيسى.

وشهد الكثير أن الموسيقى كانت عنصرا مهما في نجاح العمل، لأني بذلت جهدا كبيرا في البحث والاستماع للتراث الفلسطيني، وأعتز جدا بهذا العمل، لأنه من أجل قضية نؤمن بها، وتناول العمل النضال الفلسطيني، انطلاقا من الثورة ضد الاستعمار البريطاني والعصابات اليهودية عام 1936 حتى اندلاع الانتفاضة الأولى، وتفاصيل حياة الشعب الأصيل وبيئته وأرضه وعاداته وتراثه.

أسلوب حياة

• ما الذي جذبك إلى عالم الصوفية، لتقدم أعمالا متنوعة على مدار 10 أعوام؟

- عالم الصوفية متعدد، ومناخاته كثيرة، ويحتاج إلى أدوات حقيقية للولوج في هذا العالم، ولا يمكن من القشور أن تستطيع التعامل مع هذا الإرث المهم بطريقة أسلوب حياة، وقد أخذ مني وقتا طويلا في القراءة والبحث، وأشعر بأني أنتمي إلى هذا العالم، مع العلم أني لست صوفيا، وقدمت على مدار 10 سنوات أمسيات متنوعة لابن عربي والسهروردي وأبومدين الغوث ورابعة العدوية والمتوكل طاهر، وهو شاعر معاصر، لكن يكتب بلغة صوفية، والحلاج وغيرهم.

• عملت أستاذا في المعهد العالي للموسيقى في تونس، حدثنا عن هذه المرحلة؟

- تونس كانت محطة أساسية لانطلاقتي، إذ شددت الرحال إليها عام 1993، إثر دعوة من المعهد العالي للموسيقى للعمل أستاذا لآلة العود، وأمضيت هناك 5 سنوات كانت من أجمل أيام عمري، أو بمثابة رحلة علاجية للروح والنفس.

خلال هذه السنوات تعرفت على الشعب التونسي، واكتشفت مدى كرمه وحبه، وكم هو ذواق للفن والفنون، لدرجة أني أصبحت جزءا من هذا الشعب الذي غمرني بحب كبير.

بدأنا نؤسس بيت العود العراقي في المغرب العربي عن طريق تونس، وهنا تبلورت فكرة إنشاء بيت العود العربي، لكن تعذر ذلك في تونس، ثم منها انطلقت مشاركتي في الحفلات التي تقام بأوروبا، بواقع حفلة كل أسبوع.

ملتقى مصر الأول

• وما حكاية ملتقى مصر الأول للعود بدار الأوبرا المصرية؟

- في عام 1998 طلب مني تأسيس بيت العود في القاهرة من قبل الفنانة الكبيرة رتيبة الحفني، وبمتابعة واهتمام من دار الأوبرا ووزير الثقافة حينذاك فاروق حسني، وهذا البيت كان نقطة انطلاقة لإقامة العديد من بيوت العود بدول أخرى.

وقررت أن أعمل ملتقى مصر الأول للعود، وكان بدعم من مهرجان أبوظبي ومساعدة دار الأوبرا في مصر، وأثر هذا الملتقى إيجابيا في صناعة آلة العود، واتفقنا على توحيد قياسات العود في شكلين؛ الصوليست وعود الغناء، كما نُشرت بحوث مهمة جدا في هذا الملتقى.

• كنت من أوائل الذين بحثوا عن العلاقة بين الشعر والموسيقى، هل كنت تركز على حقبة معينة أو شعراء بلد بذاته، أم كان يجذبك جمال الشعر؟

- علاقتي بالشعر بدأت منذ بواكير شبابي مع نخبة متميزة من الشعراء الكبار، منهم على سبيل المثال لا الحصر: بدر شاكر السياب، وأدونيس ومحمود درويش وأمل دنقل، ولدي تجارب متعددة مع العديد من الشعراء، حيث شاركتهم فعاليات شعرية بدول عديدة.

محمود درويش

• حدثنا عن تجربتك عن محمود درويش في تقديم قراءة موسيقية من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا"؟

- قدمت مع الصديق الراحل محمود درويش حفلا مشتركا في تونس، بطلب منه شخصيا، وجاء ذلك عقب نجاح الحفل المشترك في برلين، إذ حقق نجاحا مدويا، وكانت هذه التجربة مهمة جدا في مشواري، وكان الحفل عبارة عن قراءة نص من أشعار درويش باللغة الألمانية، ثم أقدم مقطوعتي الموسيقة للنص ذاته، وكل ما قدمته من موسيقى كانت منتقاة من نصوص ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً؟"، وكانت هذه آخر تجربة لي مع درويش في عمان قبل وفاته بشهرين تقريبا.

غربة النورس

• ماذا عن مقطوعة "غربة النورس" التي أهديتها للشاعر مظفر النواب؟

- الشاعر مظفر النواب التصق بالمحلية الشديدة، وبحث في لهجات أهل الأهوار وأهل الجنوب، وأنا اعتبر شعره من معلقات الشعر المحكي أو الشعر الشعبي، وهذه الأعمال تأتي من وجدان الأرض والناس وهمومهم، لذلك أردت تقديم عمل موسيقي يليق بجهده، وقدمت غربة النورس في بلجيكا.

• قدمت قراءات موسيقية للشاعر أدونيس، كيف جاءت هذه المشاريع؟

- تجربتي مع الشاعر أدونيس بدأت عام 2000 في فرنسا، ووصلت إلى كل العالم العربي، وقدمنا أيضا في افتتاح معرض الكتاب في فرانكفورت حينما كان العرب ضيف شرف المعرض، وكنت أقدم نصوص أدونيس برؤية جديدة، والكل يعرف مدى صعوبة تلحين نصوصه، ونجحنا في تقديم أعمال طربية موسيقية وتصوير جميل جدا، وقدمت معه على مسارح العالم نحو 15 حفلا مشتركا.

• عملت موسيقات كثيرة لأعمال مسرحية، هل ثمة مقاييس تتبعها في التأليف الموسيقي لمسرحية أو فيلم أو نص شعري أو نص نثري؟

- الإعداد للتأليف الموسيقي المسرحي كان يحتاج مني إلى جهد كبير، وكنت أحرص على حضور بروفات الطاولة، ثم بروفات الحركة، رغبة في تكوين فكرة متكاملة عن العمل، لأني أشعر بحاجة ماسة إلى أمور كثيرة تساعدني على التأليف ليست فقط قراءة النص، بل أحتاج إلى طريقة التجسيد، وكذلك أداء الممثلين والرؤية الإخراجية، لتقديم عمل منضبط فنيا.

«يونسكو» تمنح شمة لقب «فنان السلام»

منحت المديرة العامة لمنظمة يونسكو، إيرينا بوكوفا، الملحن وعازف العود العراقي نصير شمة لقب "فنان اليونسكو للسلام"، خلال حفل أقامته المنظمة بمقرها في 23/ 2/ 2017.

حضر الحفل وزير التربية العراقي د. محمد الصيدلي، ووزير الثقافة والسياحة والآثار فرياد راوندوزي، وعضوة البرلمان عن لجنة الثقافة ميسون الدملوجي، ومستشار وزير الجمهورية قحطان الجبوري، وسفير العراق في باريس د. إسماعيل محسن، والممثل الدائم لدى "يونسكو"، إضافة إلى ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المنظمة، وأعضاء الوفد العراقي المشارك في مؤتمر حماية التراث بالعراق في 23 و24 فبراير الماضي.

وجاء هذا التكريم لسفير النوايا الحسنة والفن والسلام نصير شمة، تقديرا لالتزامه بدعم التربية الموسيقية للشباب، لاسيما من يعيش منهم في مناطق الصراع، إضافة إلى جهوده وعروضه الموسيقية من أجل السلام، والتزامه بالمثل العليا للمنظمة وأهدافها العالمية.

وحصل شمة على شهرة واسعة تجاوزت العالم العربي، بفضل جولاته وأعماله المختلفة في مجال العود والموسيقى العربية، ولما له من رصيد غني في مجال الموسيقى العربية، كما كان عمل مع مجموعة من الفنانين المشهورين في الغرب، مثل عازف الجاز الأميركي وينتون مارساليس.

ويعد فنانو اليونسكو من أجل السلام من الشخصيات المشهورة على الصعيد الدولي، ويستغلون تأثيرهم وشهرتهم، من أجل تعزيز ودعم رسالة وبرامج "يونسكو"، وتتعاون المنظمة مع هذه الشخصيات من أجل زيادة وعي الجمهور بقضايا التنمية الرئيسة، وبالدور الذي تضطلع به المنظمة هذه المجالات.

ومن أبرز الفنانين العالميين الذين شارك معهم الفنان نصير شمة؛ عازف اللوت الإيطالي فرانكو فوبيس، وعازف الغيتار العالمي إنريكو دي لمنغور، ومغني الفلامنكو خسويه مينيزي، بصحبة مجموعة من الآلات الإيقاعية اللاتينية بشكلين حواري ومنفرد، والفنان الباكستاني أشرف خان على آلة السيتار.

إضافة إلى ذلك، شارك مع الفنان إدوارد بانياغوا، وديفيد مايورال، وعازف كارلوس بينينا، وأسطورة الجاز وينتون مارسيليس، والفنان شرف خان.

التأليف الموسيقي المسرحي يحتاج إلى جهد كبير وعمل مضاعف

نجحت مع أدونيس في أعمال طربية موسيقية وتصوير جميل جداً وقدمت 15 حفلاً

كثيرون شهدوا أن الموسيقى في مسرحية «البلاد طلبت أهلها» كانت عنصراً مهماً في نجاحها

تونس محطة أساسية في مشواري... أمضيت فيها 5 سنوات مدرساً لآلة العود
back to top