عمران
لا بد أن نتذكر أن إعلان زين هو دعاية فنية لا بيان سياسي، ولو كان بياناً أو مقطعاً سياسياً مصوراً لكانت صورة عمران خارجة عن السياق وتحمل مضامين مرفوضة، أما في الدعاية فأتت على المحك ولمست أعمق الجراح، والأهم أنها أثارت غضبتنا التي تكاد تخمد تحت رماد مضي الأيام.

ولربما لم تنتم حادثة عمران إلى بقية الأحداث، فالأحداث المذكورة أغلبها أحداث تفجير فردية في حين أن حادثة عمران هي حادثة قصف ممنهجة، إلا أنني اعتقدت حقيقة أن الدعاية تدين ضمنياً النظام السوري ولا تبرئه حين شملت القصف البشع ضمن الأعمال الإرهابية. كما أن المفجر نفسه لم يبدُ ممثلاً لـ"داعش" تحديداً ولا لأي جهة أخرى محددة، بل لفكرة الإرهاب بحد ذاتها، وذلك من واقع أن الدعاية تنتهي بالفنان حسين الجسمي ماداً يده ليصافح المفجر وليعفو هو وبقية الضحايا عنه، ولا أظن أن رسالة الدعاية، لمن يعتقدها ترمي فقط للعنف "الداعشي"، هي الصفح عن "داعش" أو وضع يدنا بيد أعضاء هذه الجماعة. الرسالة بدت واضحة، العنف يجبه السلام، والكره يغسله الحب، والذنب يطهره العفو، ولا يمكن أن تكون هذه رسالة إلى "داعش" ولا إلى أفراده المنضمين إلى لوائه، هي رسالة عامة حول السلام والمحبة والمغفرة.أرى عمران الصغير وإيلان الصغير، أحدهما ناجٍ والآخر ضحية، هما الوجهان الأجمل والأنسب لإرسال رسالة مثل هذه، ولو خلت الدعاية من الإشارة إلى الجرائم التي يرتكبها النظام السوري لأتت الرسالة ناقصة، وهي ناقصة فعلاً الآن في خلوها من إشارات إلى ضحايا بقية الأنظمة، ولكن من المفهوم، وإن لم يكن مبررا، عدم القدرة على الإشارة إلى ضحايا بقية هذه الأنظمة، الدعاية بإبرازها وجه عمران اتهمت بالطائفية، لنا أن نتخيل لو أنها شملت ضحايا العنف في اليمن مثلاً. والدعاية، ويا للأسى، لها خطوط حمراء في منطقتنا المنكوبة لا تستطيع تخطيها، لذا هي لا يمكن أن تظهر ضحايا عنف أنظمة أخرى محببة ومقربة. لذا، جاء اختيار عمران كالاختيار الأسلم، على ما أتصور، المجمع عليه الأغلبية الغالبة من شعوبنا الغاضبة، كرمز للعنف المنظم الممنهج وكإشارة إلى إرهاب الأنظمة كان لا بد من شمله ومن المعيب استقطاعه.وفي النهاية لا بد أن نتذكر أن هذه دعاية فنية وليست بيانا سياسيا، فلو كانت بياناً أو مقطعاً سياسياً مصوراً لكانت صورة عمران خارجة عن السياق وتحمل مضامين مرفوضة، أما في الدعاية فأتت على المحك ولمست أعمق الجراح، والأهم أنها أثارت غضبتنا التي تكاد تخمد تحت رماد مضي الأيام، لتذكرنا بجرائم نظام مجاور ولتحركنا لنغضب ونأسى من أجل الأطفال ولنحب ونتسامح حتى نقضي على الطائفية التي خلقت هذه الجرائم أصلاً ومن البداية.ننقد الدعاية، نمحصها فنياً، نشير إلى أخطائها نعم، لكن نحملها ذنوب أمتنا وتقصيرنا وتضارب عنصرياتنا فهذا كثير. دعاية ثوان لن تغير حقيقة المشاهد الجرائمية المتكررة التي تصلنا لأفعال النظام السوري، بل إن فعلت شيئا، هي وضحت الصورة وأثارت حواراً يجب ألا يتوقف حول ما يحدث هناك من بشاعة وتطهير عرقي. كما أن تورط "داعش"، لمن رآه في الدعاية، في العنف السوري عموماً وليس تحديداً حادثة عمران، هو حقيقة، فسورية معلقة بين مطرقة النظام وسندان المتطرفين، ومن يرفض الاعتراف بجرائم الإرهابيين في سورية هو كمن يرفض الاعتراف بجرائم نظامها تغييباً بل طائفية. الغضب المتنامي عن حجم الموقف يضعفه، والانفعال الذي يفوق الحدث يخسر القضية جديتها ويحول موضوعها مادة للسخرية، وهذا آخر ما نريده لمآسينا العربية المزمنة. الآن وبعد كل الذي كان، دعاية زين يجب ألا تزال، وصورة عمران يجب أن تواجهنا كل يوم، وتذكرنا بجرائم نسكت نحن عليها كل يوم.
الدعاية على عاطفيتها أخفقت في أكثر من موقع