الخليج والديمقراطية

نشر في 03-06-2017
آخر تحديث 03-06-2017 | 00:06
 مبارك الجري أثارت حلقة مسلسل سيلفي "زواج ليبرالي" ردود أفعال المجتمع الخليجي بشكل خاص، وهنا نتحدث عن مسألة مهمة، وهي الخطاب الإعلامي والمسؤول عنه ونظرته للمجتمع الخليجي، وهي العقلية التي تنتج هذا النوع من الخطاب، وهذه العقلية لم تأتِ من كوكب المريخ، بل تشكلت وتبلور فكرها وتوجهها في بيئة نحن نعيش فيها أيضاً، والتي أنتجت بنفس الوقت أفكاراً مختلفة ليست على مستوى واحد.

الممثل ناصر القصبي الذي لعب دور الكاتب والصحافي الليبرالي، اختصر هذه الحلقة في مشهد واحد، عندما وصف الشعب الخليجي قائلاً إن "هذه الشعوب لا يصلح معها الديمقراطية، بل يصلح معها القمع، وهذه الشعوب فاقدة للأهلية"، وهو يقصد بذلك أن المكونات الاجتماعية هي أكبر معوق للديمقراطية، فلا يمكن أن تعيش هذه الشعوب بحرية وبمساحة واسعة تمارس فيها حقوقها الديمقراطية. وعلل القصبي ذلك بإشكالية التبعية، سواء بشكلها السني أو الشيعي أو البدوي.

وهنا أريد أن أشير إلى نقطة مهمة غفل عنها الممثل الكوميدي ناصر القصبي، وهي أن أهم دور للفن هو طرح الاشكالية وحلها، وهذا ما أعرفه عن "الفن الراقي" الذي لم يعد له وجود على الشاشات الخليجية للأسف. لست بصدد تقييم الفن الخليجي، ولست بصدد تقييم دور الممثل ناصر القصبي، لكنني هنا أريد أن أوضح حجم الضحالة الفكرية التي قدمتها هذه الحلقة، فمن قال إن الشعوب الخليجية لا تفهم الديمقراطية؟ ومن قال إن البدو- إن كان هناك بدو بحسب المفهوم السوسيولوجي الحديث – لا تصلح معهم الديمقراطية؟ هل استند مؤلف الحلقة وبطلها ناصر القصبي إلى سلوكيات ثابتة غير قابلة للتغير وترفض التطور؟ أم أن هناك قراءة علمية ومنهجاً سوسيولوجياً متبعاً لإطلاق تلك التعميمات على مكونات المجتمع الخليجي؟ أم أن دولة الكويت حالة متخلفة يراد الاستشهاد بواقعها الراهن؟ ذكر أوبرشال في نظريته المعروفة "الحركات الاجتماعية" أن المكونات الاجتماعية تمر في صيرورة، وسيرورة، وهاتان العمليتان مرتبطتان بمخرجات النظام النوعية وطريقة إدارته للبلد. كما ذكر المفكر العراقي علي الوردي في كتابه "دراسة في سوسيولوجيا الإسلام" أن الدينامية الاجتماعية لا تسمح للأشياء بالبقاء على حالها وقتاً طويلاً، وفي نفس الكتاب يرى فيليب حتي، أستاذ الأدب السامي في جامعة برنستن، أن "العربي بصورة عامة والبدوي بصورة خاصة يولد ديمقراطياً، فهو وشيخه على قدم سواء. إن المجتمع الذي يعيش فيه يساوي بين كل شيء"، وليس المقصود من الإحالة السابقة الديمقراطية بمفهومها الحديث، بل إن البدوي بشكل خاص يرفض الاستبداد بمفهومه الاجتماعي، ولكن يمكن أن يتطور هذا الأمر في حالة وجود حكومات حريصة على تطور مجتمعاتها، وخاصة في هذه المسألة، وكيف تريد من مجتمع ما أن يتطور ويتقدم تجاه الديمقراطية، والأدوات السياسية والتعليمية المحيطة به ترفض ذلك؟

حلقة "زواج ليبرالي" تناولت جزءاً من الواقع "كإشكالية"، وتغافلت أجزاء أكثر أهمية (الحلول)، اعتاد الخطاب الاعلامي والفني أن يتجاوزها، أما إذا أراد الممثل ناصر القصبي إيصال رسالة مهمة إلى المشاهد حول تركيبة العقل الليبرالي العربي (وبالأخص السعودي) فهذا أمر آخر!

back to top