التلاعب في الجنسية ومسؤولية «الداخلية»

نشر في 28-04-2017
آخر تحديث 28-04-2017 | 00:16
 عبدالله النيباري النقاش عن التزوير والازدواجية في الجنسية مشتعل، والحكومة وأجهزة «الداخلية» تلتزم الصمت، والناس في «حيص بيص».

إذا قارنا النقاش الدائر الآن حول الاقتراح، بتعديل قانون المحكمة الإدارية، لتأكيد حق التظلم أمام المحكمة من قرارات الحكومة، بإسقاط أو سحب الجنسية بالنقاش الذي دار في لجنة وضع الدستور المشكَّلة من أعضاء المجلس التأسيسي المغفور لهم عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، وحمود الزيد الخالد، وسعد العبدالله السالم، وسعود العبدالرزاق، ويعقوب الحميضي، ستكشف لنا المقارنة أننا تخلفنا فكراً وبُعد نظر في معالجة القضايا العامة، وخاصة حقوق المواطنة، ما يناهز الخمسين عاماً.

في تلك اللجنة كان هناك موقفان شبيهان بما نحن عليه اليوم؛ موقف الحكومة تريد إطلاق يدها في قرارات إلغاء وسحب الجنسية، وموقف معظم، إن لم يكن الكل، مع تغيير سلطة الحكومة، وكان أبرز المتحدثين حمود الزيد الخالد، بقوله «أعترض على إسقاط الجنسية في حدود القانون، لأنه أمر غير صحيح، والواجب النص في الدستور على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية عن الكويتي... إننا نخشى أن تتخذ الحكومة في الكويت هذا الإجراء لسحب جنسية الكويتيين، وترمي بهم خارج الحدود دون محاكمة... وأن أي حكومة، حتى لو لم يكن الشعب راضيا عنها تسنّ قانوناً يطلق يدها في سحب الجنسية، ونحن نريد توفير الطمأنينة للشعب والمواطن».

والمفارقة أن السجال الدائر اليوم هو فقط حول إقرار حق التظلم من قرار إسقاط وسحب الجنسية، وخاصة أن هناك مواد في قانون الجنسية تسمح بالتوسع في التفسير.

الحملة ضد اقتراح التعديل تحت شعار «ضد شرعنة المزدوجين والمزورين» قائمة إما على أساس جهل بالموضوع، أو تعصب فئوي، فالتزوير جريمة يعاقب عليها القانون، ولا أحد يرضى به، وازدواجية الجنسية نص القانون على أن يختار من يحملهما إحداهما.

وقد بلغت حدة التشنج والتعصب درجة التطاول والهجوم على النواب: عبدالله الرومي وراكان النصف ورياض العدساني وعمر الطبطبائي وعبدالكريم الكندري وعبدالوهاب البابطين، لأنهم صوَّتوا مع التعديل ضد موقف الحكومة، وشابت بعض التعليقات نبرة عنصرية، بالقول: «حتى انتوا يا أبناء الديرة»، في حين أننا أكثر من يتغنى بصلابة الوحدة الوطنية، السور الواقي لمجتمعنا في عاصمة الإنسانية، فالمعارضون والمنتقدون والمهاجمون ليسوا أكثر حرصا ممن صوتوا ضد الحكومة، وقطعا ليسوا أكثر وطنية من حمود الزيد الخالد وزملائه أعضاء لجنة وضع الدستور.

أما ما دار بالمجلس في جلسة النظر في اقتراح تعديل قانون المحكمة الإدارية، الذي رفض بأغلبية 36 صوتا (21 نائبا + 15 حكومة)، فلم يكن بعيداً عن السجال خارج المجلس، وأبرز ما قيل بمداخلة رئيس المجلس مرزوق الغانم في جانب، وعبدالله الرومي وعبدالكريم الكندري في جانب آخر، فمرزوق الغانم ركز على المخاوف من المزورين، معولا على ما لديه من معلومات رسمية عن حالات تزوير بأن فارق الزيادة غير الطبيعية في تعداد السكان الكويتيين بين عام 2005 البالغ 860 ألفا، وعام 2011 البالغ مليون و183 ألفا، وأن تعديل القانون وإقراره هدية للمزورين، وإعطاء الشرعية لمزورين قد يكونون بمئات الآلاف.

نعم، هناك تزوير في اكتساب الجنسية، وهناك تجنيس بالواسطة، وهناك تجنيس بالرشوة (50 ألف دينار الحد الأدنى)، والأكثر شطارة ومهارة في هذه الأمور هم النواب الموالون للحكومة، وأن القفزة الكبرى في تعداد السكان كانت بين عامي 1965 و1975. طبعا تزوير بمئات الألواف قد يكون مبالغة، فقد نشرت جريدة «الراي» في 18/ 4/ 2017 أن الزيادة غير الطبيعية، أي المواليد ناقص الوفيات بين 2005 و2011، تبلغ 51403، ونشرت جريدة «القبس» في 29/ 3/ 2017 أن عدد مزدوجي الجنسية لا يزال مجهولا، ويتراوح بين 10 و200 ألف، وأن علي البغلي سبق أن كشف في 17/ 4/ 2010 أن نحو 220 ألف سعودي يحملون الجنسية السعودية والكويتية، ويقيمون في السعودية، ويجنون المنافع المترتبة على استحقاق الجنسيتين، وأن وزارة الداخلية في عام 2010 نفت أن يكون عدد المزدوجين 200 ألف، وأن العدد لا يتجاوز 10 آلاف.

وفي دراسة للباحث محمد رمضان (القبس 29/ 4/ 2017) قارن الزيادة في عدد السكان الفعلي بالعدد الافتراضي محسوبا بنسبة نمو 4 في المئة، واستنتج أن الفارق يبلغ 216 ألفا. هذا البحث مبني على الزيادة المركبة منذ عام 1957 وعام 1965. ورغم أن معدل النمو السنوي وفق هذه الدراسة منذ عام 1975 كان يتراوح بين 4.3 و2.5 في المئة، وهي معدلات معقولة، فإن الفارق الكبير يعود للفترة بين 1957 و1975، حيث لم تتجاوز بعد ذلك معدل 4.9 في المئة، بمعدل وسطي للفترة 1975-2015، 3.7 في المئة، وهي أقل من استنتاجات دراسة محمد رمضان.

وفي دراسة لـ«الشال» نشرتها «القبس» في 23/ 4/ 2017، تناولت نمو السكان بين عامي 1975 و2015، واستنتجت أن معدل النمو تراوح بين 4.9 في المئة عام 1980، و2.0 في المئة عام 2005، بمتوسط نمو سنوي 3.7 في المئة على مدى 40 عاما (1975-2015)، وبمقارنتها بمعدلات النمو في دول الخليج لا توحي بفروقات فاحشة.

على كل حال، أياً كانت نسب نمو السكان، وأياً كانت أرقام الجنسيات المزورة، سواء 10 أو 51 أو 400 ألف، فالمفروض أن تكشف السلطة ما لديها من بيانات عن التلاعب بالتزوير، ويعتبر المسؤول عنها السلطة، وتحديداً وزارة الداخلية، وعليها كشفها وإعلانها، أما إعلان أحد المسؤولين في «الداخلية» أن من لديه معلومات عن التزوير فليقدمها لـ«الداخلية» فذلك أمر مثير للسخرية.

back to top