روسيا تنكش «عش الدبابير»

نشر في 03-04-2017
آخر تحديث 03-04-2017 | 00:06
 ستراتفور . لطالما وقعت شبه جزيرة البلقان على أطراف إمبراطوريات، وشكّلت هذه المنطقة بخليطها المتنوع من الإثنيات، والأديان، والحركات السياسية، مرتعاً للقوى العالمية المتنافسة على مر التاريخ، وقد حافظت روسيا دوماً على موطئ قدم لها في البلقان، ومع تنامي انقسامات الاتحاد الأوروبي اليوم وانتشار الشكوك حيال حلف شمال الأطلسي حوّلت موسكو أنظارها إلى المنطقة مرة أخرى.

منذ انتهاء الحرب الباردة ظلت صربيا، بخلاف الكثير من جاراتها الميالة إلى الغرب، في الوسط في التفاعل الروسي-الغربي، ولكن خلال السنتين الماضيتين، نما النفوذ الروسي في صربيا على نحو واضح، ففي الأشهر الأخيرة تفاخرت روسيا وصربيا بروابطهما العسكرية. على سبيل المثال أجرت قوات روسيا وروسيا البيضاء تدريبات عسكرية في صربيا تزامنت مع تدريبات حلف شمال الأطلسي في الجهة المقابلة من الحدود في الجبل الأسود، ويهدف استعراض القوى هذا في جزء كبير منه إلى جذب الناخبين الوطنيين الصربيين عشية الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد في الثاني من أبريل. بعدما عادت كوسوفو إلى التفكير في تحويل قوتها الأمنية المزودة بأسلحة خفيفة إلى جيش بكل معنى الكلمة، تتعرض العلاقات بين البلدين لضغوط أكبر، لكن الولايات المتحدة ودولاً أخرى في حلف شمال الأطلسي هددت كوسوفو بسحب دعمها وحمايتها إذا مضت قدماً في خطتها.

تواجه موسكو راهناً تهماً في الجبل الأسود، فقد اتهم هذا البلد القوات الأمنية الروسية بالتآمر لاغتيال ميلو ديوكانوفيتش، رئيس الوزراء آنذاك، قبيل الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر بغية عرقلة محاولتها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

قد يتيح تصويت، على نحو مماثل، في جمهورية صرب البوسنة في البوسنة والهرسك لموسكو فرصة تعزيز تأثيرها في هذه المنطقة، فقد دعا رئيس هذه الجمهورية ميلوراد دوديك إلى استفتاء السنة المقبلة بشأن استقلال جمهورية صرب البوسنة، علماً أن غالبية سكانها من الصرب الأرثوذكس، ولم يحاول دوديك الذي طرح اقتراح إجراء استفتاء أول مرة خلال حملته الرئاسية عام 2014، إخفاء روابطه بالكرملين، فقبل أسبوعين من التصويت الرئاسي، سافر إلى موسكو للقاء بوتين، وفي يوم الانتخابات عينه التقى القومي الروسي المتشدد والمروّج لروسيا كونستانتين مالوفيف في فندق فاخر بعد إدلائه بصوته، وفاز دوديك في الانتخابات بفارق بسيط، مما حد بالتالي من التأثير الذي تمارسه روسيا في البوسنة والهرسك من خلاله. ورغم ذلك يزحف عدد متزايد من وسائل الإعلام الروسية عبر الحدود مع صربيا خلال السنتين الأخيرتين لنشر روايات موسكو.

تقع دولة مقدونيا ذات الغالبية السلافية في قلب حملة المعلومات الكاذبة التي تنشرها روسيا، إذ اتّهم وزير الخارجية الروسي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدعم حركات انفصالية بين الأقلية الألبانية الهشة بطبيعتها في البلد، التي تشكّل نحو 25% من السكان. وخلال الأسابيع القليل الماضية نزل أفراد من المجتمع الألباني في مقدونيا إلى الشارع للمطالبة بحكومتهم الخاصة، وتدعي موسكو أن الغرب يؤدي مطلبهم هذا بهدف تأسيس ما يُدعى ألبانيا الكبرى.

صحيح أن عدم الاستقرار في مقدونيا يُعتبر بسيطاً مقارنة بما يحدث في كوسوفو وجمهورية صرب البوسنة، إلا أن الوضع فيها يقدّم مثالاً آخر للنشاط الروسي في البلقان، ولكن لا تتقبل كل الدول في المنطقة محاولات موسكو: عملت كرواتيا، إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بنشاط لمنع وسائل إعلام روسيا ووسائل الإعلام الموالية لها من الانتشار داخل حدودها، كذلك حاولت ألبانيا، وهي أيضاً دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، مقاومة نفوذ روسيا مع توسيع وسائل الإعلام في الكرملين تغطيتها لتشمل خدمات باللغة الألبانية. تعتبر موسكو التدخل في البلقان عملاً قليل الكلفة وعالي المردود، فلا تملك الحكومة الروسية أي أوهام بشأن استمالة دول البلقان إلى صفها. بدلاً من ذلك ترى المنطقة "عش دبابير"، وبنكشه قد تولد موسكو سلسلة من الأزمات تكون أعمق من أن ينجح الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي في احتوائها، مما يمنح روسيا ورقة إضافية يمكنها الاستعانة بها في مفاوضاتها مع الغرب.

back to top