فضح مؤامرة بوتين الإرهابية في البلقان

نشر في 20-03-2017
آخر تحديث 20-03-2017 | 00:11
 أوبزيرفر يدخل جنوب شرق أوروبا مرحلة من عدم الاستقرار المتجدّد بعد نحو عقدَين من الهدوء النسبي، كما أوضحتُ في مقال نُشر أخيراً، حلت الحروب الكارثية، التي تلت انهيار يوغوسلافيا عام 1991، بعض المشاكل السياسية لتتسبب بأخرى. وتترنح منطقة البلقان اليوم على شفير تجدد الصراعات، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى تدخل الكرملين، وتشمل الأهداف المباشرة التي تطاولها المؤامرة الروسية الخبيثة الجبل الأسود، تلك الجمهورية الصغيرة التي نشأت من حطام يوغوسلافيا، وتتمتع هذه الدولة، التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة أرباع مليون نسمة، بخط ساحلي مذهل يطل على البحر الأدرياتيكي وموقع جغرافي-استراتيجي مهم، فضلاً عن نخبة سياسية وتجارية فاسدة إلى أبعد الحدود، حتى وفق معايير تلك المنطقة المتدنية.

يبدو الرأي العام في الجبل الأسود منقسماً بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويرى بوتين في توسّع هذا الحلف الأطلسي مشكلة كبرى، لذلك يعتبر كل خطوة تتيح لروسيا عرقلة هذا التوسّع فرصة من الضروري ألا تفوَّت، أما مدى جدية موسكو في التعاطي مع الجبل الأسود، فاتضح خلال مؤامرة ماكرة تجلت معالمها الخريف الماضي قبيل تنفيذها؛ ففي منتصف شهر أكتوبر اعتقلت السلطات في هذه الدولة 20 شخصاً تقريباً، معظمهم من مواطني دولة صربيا المجاورة، بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة في بودغوريتسا واغتيال رئيس الوزراء ميلو ديوكانوفيتش، ذلك السياسي المراوغ الذي حكم الجبل الأسود بين عامَي 1991 و2016، ولكن سرعان ما اتضح أن قادة هذه المؤامرة رجلان يحملان الجنسية الروسية.

طُرد هذان الروسيان بسرعة من البلد، كذلك تبين أن عدداً من مواطني صربيا والجبل الأسود الذين اعتُقلوا لمشاركتهم في هذه المؤامرة شاركوا أيضاً القوات الروسية في قتالها في شرق أوكرانيا، حيث تشمل حرب موسكو بالوكالة الاستعانة بمرتزقة من الأجانب، منهم سلافيون من أوروبا الشرقية، ولا تبدو هذه مجرد مصادفة، إذ تشتبه الأجهزة الأمنية في منطقة البلقان وخارجها بأن الاستخبارات الروسية شكّلت اليد الخفية وراء هذه المؤامرة، ويبدو هذا الطرح محتملاً نظراً إلى كمية الأموال الكبيرة ووسائل التواصل المتطورة التي عُثر عليها بحوزة المتآمرين.

كما أفادت صحيفة «تيليغراف»، تشير المعلومات الاستخباراتية، بما فيها الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية المعترضة، بكل وضوح إلى أن الكرملين خطط لعملية سرية ونظّمها بهدف استغلال العنف الناشئ بغية إبقاء الجبل الأسود خارج «الناتو».

صحيح أن الجبل الأسود بلد صغير، إلا أن شعبه يشتهر بصلابته ويكره أن يملي عليه أحد رغبته، ويشكّل فضح انتهاك الكرملين المريب في الجبل الأسود إشارة جيدة إلى أن الدول الأوروبية بدأت تسأم من ألاعيب تجسس بوتين المسيئة، قاد «الرجال الخضر الصغار» الذائعو الصيت التابعون لمديرية المخابرات الرئيسة الروسية عملية سرقة القرم قبل ثلاث سنوات، وما زال عملاء هذه المديرية ينفذون أعمالاً تخريبية في دول كثيرة، وخصوصاً في أوروبا.

على سبيل المثال، وقف هؤلاء العملاء السريون وراء أعمال عنف عدة نفذها مشجعو فرق كرة القدم في فرنسا، وعلى نحو مماثل اتخذ دعمهم ناشطي اليمين المتطرف في المجر في شهر أكتوبر الماضي منحى مميتاً عندما أقدم نازي جديد تجمعه بهذه المديرية روابط واضحة على قتل رجل شرطة.

لا شك أن صراع الغرب مع حرب بوتين الخاصة لا يزال بعيداً عن خواتمه، على العكس ما زال هذا الصراع في مراحله الأولى مع تقبّل الحكومات الغربية تدريجياً حجم نشاطات الكرملين السرية التي تهدف إلى زعزعة مجتمعاتنا وتخريبها. ولكن إن تحلت دولة الجبل الأسود الصغيرة بالشجاعة الكافية لتتصدى لهذه الأعمال، مندِّدةً بالجرائم التي ترتكبها موسكو، فعلى الغرب أن يستجمع شجاعة مماثلة للوقوف في وجه الروس.

* «جون ر. شندلر»

back to top